كيف تدمر الرأسمالية البيئة؟

 


 

 

بقلم: تاج السر عثمان

١
اشرنا سابقا الي أن الرأسمالية تدمر البيئة، بل تعجز عن تقليل آثارها كما هو جارى الان في حرائق الغابات ، حيث تشتعل النيران بلا سيطرة في جميع أنحاء مقاطعة لوس أنجلوس. يحدث هذا على الرغم من الثروة الهائلة التي تتمتع بها المنطقة، فإن الافتقار إلى موارد مكافحة الحرائق الكافية والبنية الأساسية المتداعية قد ترك العديد من المجتمعات بلا دفاع ضد النيران. وقد أثبتت كاليفورنيا، التي يقطنها 186 مليارديرًا، وهو العدد الأكبر بين الولايات الأمريكية، أنها غير قادرة على حماية مواطنيها من ويلات حرائق الغابات الناجمة عن تغير المناخ، مما يزيد من خطر الكارثة التي شملت الآلاف من الأفدنة المحترقة وأكثر من ألف مبنى بما فيها المكتبات والمدارس. الخ.
تواجه البشرية والطبيعة خطر تغير المناخ، توجد العديد من التحديات البيئية، بما في ذلك المياه الملوثة والهواء والتربة، بالإضافة إلى المشاكل الصحية التي تؤثر على الجهاز التنفسي والإنجاب. تستمر التهديدات المستمرة مثل ارتفاع مستويات سطح البحر، والظواهر الجوية الأكثر تواترا وتدميرا، وزيادة حالات الجفاف. الخ.

٢

كما اوضحنا سابقا، الرأسمالية تدمر البيئة، فقد أشار ماركس إلي أن الرأسمالية في سعيها المحموم لتحقيق أقصي الأرباح، تدمر البيئة، وجاءت التطورات الراهنة لتؤكد أن التراكم الرأسمالي والتوسع اللامحدود للسوق يتعارض مع متطلبات حماية البيئة والإنسان، وأن قانون القيمة يجعل من الصعب توقف الرأسمالية عن نهب الموارد الطبيعية واستغلال قوة العمل ، الرأسمالية تعتمد علي الاستحواذ علي الموارد الطبيعية ( الماء، الخشب، الأرض ، المعادن. الخ)، وأن قضية البيئة لا تنفصل عن القضية الاجتماعية، الرأسمالية لا تمتص رحيق الحياة من البشر، بل تمتصها من الطبيعة والكوكب الذي يحتضننا جميعا بلا رقيب أو حسيب. في الرأسمالية لا يمكن فصل التناقض بين الرأسمال والعمل ،وبين الرأسمال والطبيعة. يقول ماركس " إن التطور الحضاري والصناعي في عمومه كان دائما عنصرا فاعلا في تدمير الغابات لدرجة أن كل ما يتم الحفاظ عليها ، وإعادة إنتاجها بالمرة بالمقارنة".
كما يقول ماركس في مؤلفه، رأس المال، المجلد الأول :" كل التقدم المحرز في الزراعة الرأسمالية هو تقدم في نهب العامل وتدمير التربة، وكل التقدم المحرز في زيادة خصوبة التربة لفترة معينة، هو تقدم نحو تدمير المصادر الداعمة لتلك الخصوبة".
كما أشار ماركس إلى أنه " لا يمكن تلبية الاحتياجات الأساسية المادية والروحية للإنسان بدون علاقة جيدة مع البيئة".
٣
جاءت تطورات الأحداث بعد أزمة كورونا، كوفيد- 19 المستجد، لتؤكد عمق أزمة الرأسمالية وخطورة المستوى المتقدم الذي وصلته في تدميرها للبيئة الذي كان له أثره في الدمار الاقتصادي أكثر من أزمات الرأسمالية السابقة، فقد ظهرت أزمة " كورونا"، وقبلها ظهرت الأوبئة التالية:
- فيروس نقص المناعة " إيدز" الذي ظهر في ثمانينيات القرن الماضي.
- متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس) في 2003.
- انفلونزا الخنازير في 2009.
- متلازمة الشرق الأوسط التنفسية في 2011 .
- فيروس " إيبولا" في الفترة من 2014 الي 2016.
وهي اوبئة جاءت نتاجا لتدمير البيئة والطبيعة والغابات، ومن صنع الرأسمالية وسعيها المحموم للربح وتدميرها للبيئة، حيث تولدت بسبب رداءة معايير الصحة، وتدمير النظم الطبيعية، والترابط النامي في عالم تسوده العولمة. لا شك أنه في ظل استمرار الجشع الرأسمالي وتدمير البيئة سوف تتكرر تلك الأوبئة، وتكون تكلفتها الاقتصادية والصحية ومخاطرها أشد بكثير من الراهنة.
٤
* تفاقمت الأزمة الاقتصادية بأكثر مما حدث في أزمة 2007 – 2009، التي لم تتم معالجة آثارها جذريا حسب منهج الرأسمالية في المسكنات أو تهدئة الأزمة التي سرعان ما تنفجر من جديد، مما أدي لتفاقم الأزمة بشكل حاد ، وجارى الانتقال من الركود الأعظم الي الكساد الحاد بسبب الآتي:
- تراكم الديون والعجز عن سدادها، والتصدي لأزمة "كرونا "، والعجز المتوقع أن يصل إلى 10 % من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع مستويات الدين العام في دول كثيرة، وفقدان شركات وأسر لدخلها، وارتفاع دين القطاع الخاص إلى حد لا يطاق، وتزايد حالات الإفلاس والعجز عن سداد الديون.
- تصاعد نضال الطبقة العاملة والكادحين والفئات المتوسطة من أجل تدخل الدولة التي عجزت عن مواجهة الوباء، لتحسين الخدمات الصحية، بعد تهاوى سياسة الليبرالية الجديدة التي اعتمدت الخصخصة وتشريد العاملين ورفع الدولة يدها عن خدمات التعليم والصحة وتقليص الضمان الاجتماعي وحماية الشيخوخة والأمومة والطفولة، باعتبار أن الرعاية الصحية الشاملة كما أكدت جائحة " كرونا" من الضروريات لا الكماليات. اضافة لتصاعد النضال ضد البطالة جراء فقدان الملايين لوظائفهم، وانخفاض الأجور، واشتداد حدة الصراع الطبقي والاجتماعي واضرابات العاملين بسبب تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية ونقص الخدمات الصحية، وتفشي البطالة، وعدم المساواة والأمن الاقتصادي، وتأثر الطبقة العاملة ( ذوو الياقات الزرقاء) بالأزمة.
- تنامي خطر الانكماش الذي يؤدي لركود ويخلق كسادا هائلا في البضائع، وإغلاق المصانع أو تقليل العمالة، أي ركود في سوق العمل ( البطالة).
- انخفاض أسعار النفط والمعادن الصناعية، واثرها على الدول المنتجة لها.
- استمرار انخفاض قيمة العملة، وتراجع العولمة والنزوع للحماية.
- تزايد الاستقطاب الطبقي جراء التفاوت في الدخل والثروة، وارتفاع نهب البلدان الرأسمالية للموارد الطبيعية في البلدان المتخلفة لتعويض الخسائر والمزيد من افقارها وتفكيكها، وخلق الحروب الأهلية كما هو جارى في السودان حاليا، والأزمات والفوضى داخلها بهدف نهبها، وتقليل المساعدات لها، والتدخل في شؤونها الداخلية، كما حدث في فصل جنوب السودان.
- تزايد حدة الاستغلال للعاملين عن طريق امتصاص فائض القيمة النسبي منهم، بإحلال التكنولوجيا و الآلة محل الإنسان ، مع الضغط لانخفاض الأجور، وتزايد البطالة جراء تشريد العاملين والمزيد من افقارهم.
- التغبيش و التضليل الايديولوجي للكادحين حول الأزمة وتصويرها ليست ناتجة عن الرأسمالية التي تعمق التفاوت الطبقي والعنصري والجنسي والقومي وبين البلدان الرأسمالية المتطورة والنامية، لكنها ناتجة من الأجانب، وتأجيج النزعات العنصرية والقومية، وكراهية الأجانب، ونمو النزعات الشعبوية الفاشية، كما هو جارى الان في حرب غزة والتهجير والابادة الجماعية للشعب الفلسطيني، وفي جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي يقوم بها الدعم السريع ومليشيات الإسلامويين في حرب السودان .
- اشتداد التناقض بين نمط الإنتاج الرأسمالي الذي كان منذ نشأته يتجاوز الحدود القومية بحثا عن الأسواق منذ اكتشاف السكة الحديد والسفن البخارية والكهرباء والطائرات في الثورة الصناعية الأولى والثورة الصناعية الثانية التي ارتبطت بثورة المعلومات والكمبيوتر، وتزايد وتائر العولمة كما هو الحال الذي نعبشه. التي أدت الي ترابط العالم، والاتجاه للتعامل مع جائحة "كرونا" بالعزلة وتشديد الحماية ، والمحاولة اليائسة لتفكيك العولمة، باشتداد القيود والأحكام علي حركة البضائع والسلع والخدمات والأموال والعمالة والبيانات والمعلومات، كما يحدث الآن في قطاعات الدواء والمعدات الطبية والغذاء، وفرض القيود علي التصدير.
- هروب الدول الرأسمالية وعلى رأسها أمريكا للأمام والعودة للحرب الباردة بتحميل الصين مسؤولية جائحة "كرونا"، ورفض الصين لذلك باعتباره تآمر من أمريكا لمنع تقدمها ، ليس ضد الصين فحسب، بل ضد روسيا وايران وكوريا الشمالية، وتصعيد الحرب الجرثومية والالكترونية السرية ، وتصعيد النزاعات العسكرية كما هو جارى الآن في في الحرب الاوكرانية - الروسية، وحرب غزة، وحرب السودان. الخ، تلك الحروب التي جعلت العالم يعود إلى البربرية في غياب مؤسسات العدالة الدولية.
إضافة للاستمرار في صرف تريليونات الدولارات للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي، بدلا من توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين في الصحة والتعليم ومستوى المعيشة الراقي والأمن والاستقرار، وحماية الشيخوخة والطفولة والأمومة، وبناء علاقة عقلانية مع البيئة، ووقف الحرب الجرثومية والانحباس الحراري، وتدمير الغابات، وقيام نظام أكثر تعاونا واستقرارا خاليا من التوترات والحروب، والاستعداد للتصدي للكوارث والأوبئة التي سوف تتكرر، مما يؤكد ضرورة تجاوز الرأسمالية إلى الاشتراكية، فالتحدي الذي يواجه العالم اما اشتراكية أو بربرية.

alsirbabo@yahoo.co.uk

 

آراء