كيف خيّم ليل الاحتلال الأجنبي علي البلاد؟

 


 

 

ذكرنا سابقا أن ليل الاحتلال الأجنبي خيم واسدل الستائر علي البلاد منذ تكوين المليشيات والجيوش المرتبطة بالمحاور الاقليمية والدولية الخارجية ، وصراعها علي السلطة والثروة الذي انفجر بشكل عنيف في الحرب الجارية بين اللجنة الأمنية وقوات الدعم السريع ، وأدت للدمار الهائل الذي فصلناه سابقا، وخرق للهدن ، مما زاد من خطر التدخل الخارجي كما في العقوبات الأمريكية الأخيرة علي شركات الجيش والدعم السريع ، وتحميل الأطراف المتحاربة مسؤولية العنف وتحدى إرادة الشعب السوداني، اضافة الي تزايد وتوسيع خطر التدخل مع طول أمد الحرب ما لم يتم محاصرتها داخليا بحركة جماهيرية قوية، فالتدخل الخارجي في السودان لم يكن حميدا ، كما في اتفاقية اديس ابابا في مارس 1972 التي انفجرت بعدها الحرب عام 1983 ، واتفاقية نيفاشا التي أدت لانفصال الجنوب ، والتدخل الدولي لفرض الوثيقة الدستورية 2019 التي كرّست الافلات من العقاب وجاءت بمجرمي الحرب في المجلس السيادي ، وتكريس الدعم السريع دستوريا ، استمرار ارسال قوات المرتزقة لحرب اليمن، حتى انقلاب 25 أكتوبر ليجهض الحكم المدني، وبعده جاء الانفاق الإطارى بتدخل خارجي الذي قاد لانفجار الحرب .
كل ذلك يتطلب من كل القوى الوطنية والثورية ، التوجه للحل الداخلي بعقد المؤتمر الدستوري ، للوصول لسلام مستدام ونظام حكم مدني ديمقراطي، وعودة العسكر للثكنات ، وحل مليشيات الدعم السريع ومليشيات الكيزان وجيوش الحركات، وعوة شركات الجيش والدعم السريع والأمن والشرطة لولاية وزارة المالية، تقديم مجرمي الحرب للمحاكمات ، أما ورد في التدخل الدولي للعودة للعملية السياسية عل أساس الاتفاق الإطارى التي تكرس الافلات من العقاب ، والشراكة مع العسكر والدعم السريع ، فهذا تجريب للمجرب الذي يؤدي لانفجار الحرب مرة أخرى، وتمزيق وحدة البلاد.
جاء قرار مجلس الأمن الأخير الذي دعا للوقف الفوري للأعمال العدائية ، وتيسير وصول المساعدات الانسانية، ووضع ترتيب دائم لوقف اطلاق النار واستئناف العملية السياسية، كما أدان الهجمات على المدنيين، وطرد المواطنين من منازلهم ، و موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المجال الانساني ، ومد ولاية بعثة الأمم المتحدة لستة أشهر أخرى، اضافة لخطر التدخل العسكرى تحت البند السابع في حال عدم العودة للعملية السياسية ، واستمرار الحرب.
كان الخطر الكبير الذي أدي للحرب اللعينة هو تكوين مليشيات الدعم السريع المتعددة الجنسيات والاستيطانية ، والكيزان ، وجيوش الحركات التي ارتبطت بأجندة ودعم وتسليح خارجي ونهب وتهريب ثروات البلاد، ولعبت دورا كبيرا في مجزرة فض الاعتصام التي تمر ذكراها الرابعة هذه الأيام ، وانقلاب 25 أكتوبر ، وانفجار الصراع بين اللجنة الأمنية والدعم السريع حول الدمج بعد الاتفاق الإطاري، الذي أدي لانفجار الحرب،
وبمناسبة الدور الذي لعبته المليشيات المرتبطة بالخارج في الحرب الجارية ، نعيد نشر بتاريخ : 13/ 2، 2022 ، بعنوان " ليل الاحتلال الأجنبي زائل"
ليل الاحتلال الأجنبي زائل

1
اصبحت الثورة السودانية في فترتها الراهنة ثورة لتحرير البلاد من قوات الاحتلال الأجنبي ، فقد بات واضحا تمدد قوات الدعم السريع اقتصاديا وعسكريا ، وعودة الفلول بمليشياتهم وأجهزنهم القمعية والأمنية وعودة تمكينهم في الخدمة المدنية، وعودة الأموال التي نهبوها اليهم، وسيطرتهم علي الاعلام، فضلا عن قوات الحركات المسلحة التي شاركت في انقلاب 25 أكتوبر و كشفت تقارير الأمم المتحدة عن تمويلها من الإمارات عبر قوات حفتر في ليبيا.
هذه القوات منبتة لا ترتبط بثرى البلاد ،بل تخدم مصالح دول اقليمية اصبح واضحا تدخلها المباشر في الشأن السوداني وتبذل جهدا كبيرا للابقاء علي البرهان وحميدتي علي رأس قيادة الدولة السودانية، لخدمة مصالح واستثمارات دول : الإمارات ،السعودية، مصر، اسرائيل، تركيا وقطر( الذين لهما إرتباط بالتنظيم الدولي للاسلامويين)، والتي تمدها بالاسلحة والمال ،وأدوات القمع الوحشي للثورة السودانية الذين يخشون أن تكون منارة للديمقراطية في المنطقة ، لقد اوضحت التقارير الدولية وترس الشمال دور قوات الدعم السريع في تهريب الذهب الدموي للإمارات وتصدير المرتزقة من السودان للسعودية والإمارات لحرب اليمن التي لا ناقة للسودان فيها لاجمل، ونهب مصر للمحاصيل النقدية الخام (صمغ، قطن، كركدية، تبلدي،.الخ، والماشية التي وصلت لتصدير الاناث، وتدمير البيئة بالقطع الجائر للغابات لصناعة الفحم وتصديره لمصر وبقية البلدان، كما كشف ترس الشمال. هذا اضافة لنهب اراضي البلاد بالايجارات التي تصل عقودها الي 99 سنة ، واستنزاف المياه الجوفية، وتشريد السكان المحليين، وجلب العمال من الخارج ، وبعقود تسمح بتصدير كل العائد للخارج، وعدم وجود نسبة لتنمية المناطق المحلية، وزراعة علف البرسيم الذي ينهك التربة ويضر بالأجيال القادمة.
اضافة للابادة الجماعية والتهجير للسكان المحليين لنهب ثروات الذهب والمعادن كما حدث في دارفور وغيرها ، واستخدام المواد السامة ( سيانيد، زئبق،. الخ) الضار بالبيئة ، وبشروط مجحفة بالسودان من شركات التعدين التي تصل مدتها الي 25 سنة ، وبنسبة 70% من العائد لها تهربها من الضرائب.
فضلا عن التفريط في أراضي البلاد كما في احتلال مصر لحلايب وشلاتين وابورماد ، واثيوبيا للفشقة،الخ، واتفاقيات القواعد العسكرية البحرية مع أمريكا وروسيا، اضافة للسماح بوجود المرتزقة الروس (فاغنر) في البلاد لنهب ثروات الذهب والتعدين، وتدريب المليشيات المسلحة لقمع ثورة الشعب السوداني والمخطط الاسرائيلي للتغلغل في البحر الأحمر والخليج بعد التطبيع الإماراتي السوداني معها، اضافة للمخطط لتأجير الميناء الجنوبي الذي يواجه مقاومة شديدة.
لقد فضح "ترس الشمال" للعالم أجمع النهب الكبير لثروات البلاد وتهريب الذهب ، مما اضطر حميدتي في حديثه الأخير لنفي ذلك والذي أكد تهريبه للذهب كما وثقت لذلك التقارير الدولية التي عرضناها في دراسة سابقة عن نهب الذهب الدموي في السودان، اضافة لأكاذيب البرهان كما في مقابلته الأخيرة التي تعيدنا لمربع الأيام الأخيرة للنميري والبشير قبل ذهاب ريحهما.
اذن اصبحت الثورة السودانية ثورة تحريروطني من ذلك الاحتلال وتلك المليشيات، وبهدف وضع الحد والحسم لوقف التدخل العسكري السافر في الشأن السوداني، وحتما ليل الانقلاب الدموي زائل ، وسوف تصبح البلاد مقبرة لقوات الاحتلال كما حدث في فترة الاحتلال التركي والانجليزي المصري، وحل تلك المليشيات وقيام الجيش القومي المهني الموحد
2
لتكريس الاحتلال الأجنبي ونهب ثروات البلاد وحماية مصالح الطبقة الرأسمالية الطفيلية بشقيها الإسلاموي والجديد ، تستخدم هذه القوات اقصي درجات القهر ضد الشعب الأعزل كما في القمع الوحشي للمواكب السلمية حتى تجاوز عدد الشهداء 80 شهيدا، وعدد الاصابات أكثر من 2200 شخص، واعتقال الالاف من الثوار الذين مازال أكثر من 105 محتجزين في سجن سوبا بشكل غير قانوني حسب بيان محامي الطوارئ، وتعرض بعضهم للتعذيب الوحشي كما ذكرت والدة المعتقل توباك الذي تعرض للتعذيب لاجباره علي الاعتراف بجريمة لم يرتكبها ، اضافة لقمع الأطباء في الفاشر، وتدهور الوضع الأمني في دارفور ،هذا اضافة لحملة الاعتقالات التعسفية غير القانونية، وبدون تقديم المتعتقل لمحاكمة عادلة أو اطلاق سراحه، كما في الهجوم ليلا علي قادة لجان المقاومة واعتقالات وجدي صالح والطيب عثمان يوسف من لجنة التفكيك واعتقال خالد عمر يوسف ، واعتقالات افراد من غاضبون ، وهي اعتقالات كيدية، مما يتطلب اوسع حملة لاطلاق سراح جميع المعتقلين، وتقديم الجناة للمحاكمة، ومتابعة القصاص للشهداء مجزرة فض الاعتصام ، وتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية في مجازر الابادة الجماعية في دارفور ، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم. بالتالي، من المهم أوسع مشاركة في مليونية " الحرية للمعتقلين في 14 فبراير.
3
مع ميزانيتة 2022 التي يستحوذ فيها الأمن والدفاع علي نصيب الأسد ، و اضافة لاستحواذ شركات الجيش والدعم السريع والأمن والشرطة علي 82% من موارد البلاد ، وتحمل الدولة لمرتبات الدعم السريع ، والصرف علي حركات اتفاق جوبا بدلا من الحل الشامل والعادل، اضافة للصرف علي حالة الطوارئ التي تستنزف البلاد، ومجموع هذا الصرف يصل الي أكثر من 90% من موارد الدولة ، بحيث تكون ميزانية الصحة والتعليم والتنمية ضئيلة لا تذكر، مما أدي للمزيد من تدهور المعيشة، وتفاقم الأوضاع المعيشية الذي يؤدي للانفجار الشعبي الشامل. لتمويل القمع الوحشي، وفي ظل الحصار للانقلاب بعد حجب المساعدات الخارجية ، لجأ الانقلاب ووزير ماليته الي الزيادات الكبيرة في الوقود ،الكهرباء ،الدقيق ، رسوم الصادر ورسوم ترخيص المركبات العامة، وضعف تمويل الموسم الزراعي وتوفيرمدخلات الإنتاج مما يهدد بالمجاعة ، اضافة لضعف الأجور التي تآكلت ، مع الارنفاع الكبير في الأسعار واتساع سخط العاملين والجماهير، مما يعجل مع المزيد من التنظيم والوحدة، والاسراع في قيام المركز الموحد والميثاق للحد الأدني لخروج البلاد من الانقاض ، مع الاستفادة من التجارب السلبية في أكتوبر 1964، أبريل 1985، ووازاحة البشير ونائبه ابنعوف في 11 أبريل والتي كان نتائجها تراجع الثورة ، واجهاضها، ولكن ثورة ديسمبر عميقة الجذور وجذوتها متقدة وحتما سوف تندلع الانتفاضة الشاملة والاضراب السياسي العام والعصيان المدني لاسقاط الانقلاب، وتحرير البلاد من قوات الاحتلال ، وقيام الحكم المدني الديمقراطي.
وأخيرا ، كما قال الشاعر محمود درويش:
يادامي العينين والكفين
إن الليل زائل
لاغرفة التوقيف باقية
ولا زرد السلاسل
نيرون مات، ولم تمت روما
بعينيها تقاتل
وصوب سنبلة تموت
ستملأ الوادي سنابل.

alsirbabo@yahoo.co.uk

 

آراء