كي لا يكون تعديلكم الوزاري كارثياً ؟!

 


 

 

 

 

اتفقت قيادات بالحرية والتغيير فيما بينها ومع اعضاء بالمكون العسكري على إجراء تعديلات في السلطتين الانتقاليتين- مجلس الوزراء والسيادة.
وفيما ترى مجموعة تغيير الطاقم كله بما في ذلك رئيس الوزراء د.حمدوك، ترى المجموعة الأخرى الابقاء على حمدوك مع تغيير باقي الطاقم.
والوضع الحالي يحتاج حقاً إلى معالجات جذرية ، بما في ذلك إجراء جراحة تشمل السلطتين .
ويمكن ان تشكل التعديلات المزمعة مخرجاً من الأزمة القائمة، وكذلك يمكن ان تصب مزيداً من الزيت على النيران التي بدأت في الاشتعال.
وفي تقديري، يجب قبل اجراء اي تعديلات الاجابة على أسئلة رئيسية، من مثل: ما هي أزمة السلطات القائمة حالياً؟ ولماذا حدثت؟ وما الاجابة التي تحاول التعديلات تقديمها؟ والهدف السياسي من ورائها؟ وفوق هذا أو ذاك، لا يمكن لأي استراتيجية سياسية ان تنجح دون ان تجيب بوضوح على السؤال المركزى: ما هو التناقض الرئيسي الذي يسم الفترة الانتقالية بطابعه، وكيف تحاول التعديلات حله؟!
وفي تقديري الشخصي ان التناقض الرئيسي في الفترة الانتقالية هو الصراع بين القوى المناصرة والقابلة للتحول الديمقراطي وبين القوى الراغبة في الارتداد للحكم الاستبدادي.
واما القوى المناصرة والقابلة للتحول فتشمل ثلاث أقسام رئيسية: القوى الحديثة (الاحزاب الحديثة، شباب لجان المقاومة وتجمعات المهنيين)؛ والقوى التقليدية (أحزاب، طرق صوفية، ادارات أهلية) وهذه قابلة للتحول شرط ان تجد لها مكاناً فيه قريباً من وزنها الاجتماعي، اضافة إلى القوى المسلحة وتشمل القوات النظامية والحركات المسلحة، وهذه أيضاً تقبل التحول بشرط الا يضير بمصالحها الحيوية الحرجة.

وفيما أضاعت نظم الاستبداد العسكري ثلثي سنوات ما بعد الاستقلال، وخربت البلاد وقسمتها واوصلتها إلى حالتها البئيسة الحالية، فان النظم الديمقراطية لم تستقر لسبب رئيسي: عزلها طرفاً أو طرفين رئيسيين من العملية السياسية : سواء القوى الحديثة أو حركات الهامش، مما ادى لعدم الاستقرار وجعل الديمقراطية فريسة سائغة للانقلابيين.
والتغييرات المزمعة في مجلسى السيادة والوزراء اما ان توسع قاعدة الحكم باستيعاب وتوحيدالأطراف الرئيسية المناصرة والقابلة للتحول بالاستجابة لمصالحها الحيوية والمعقولة، أو تذهب في الاتجاه المضاد – لمزيد من الانغلاق والشللية ، فتدفع بالاوضاع لاستدعاء المغامرات الانقلابية، التي في حال تنفيذها هذه المرة ستودى بالبلاد الى هوة الفوضى والحرب الشاملتين.
وترغب دوائر بالمكون العسكري في التخلص من حمدوك، ليس بسبب اخفاقه في حل المشاكل الاقتصادية الضاغطة، ولا بسبب ضعف متابعته ومساءلته لمرؤوسيه، أو ضعف اتصاله بالرأي العام، وكلها انتقادات صحيحة، ولكن فيما يتعلق بهذه الدوائر لا تعدو كونها كلمات حق يراد بها باطل، وذلك لأنها شريكة بذات القدر في الاخفاقات، بحكم مسؤوليتها عن لجنة الطوارئ الاقتصادية، وعن الشركات العسكرية الامنية، ومسؤوليتها عن أجهزة الرقابة والمعلومات، وبالتالي عن منافذ التهريب، خصوصاً تهريب الذهب كأهم مورد للعملة الصعبة للبلاد حالياً، فضلاً عن مسؤوليتها عن مطبعة العملة، والتي للمفارقة المذهلة دعا البنك المركزي في ورقته للمؤتمر الاقتصادي باخراج عناصر الأمن منها!!.
اذن فهذه الدوائر ترغب في التخلص من حمدوك لسبب مغاير، لانها ترى انه مدعوم من الغرب، ولذا فالانقلاب عليه أكثر تعقيداً، في حين تفضل هذه الدوائر (زرزور) محلي، تقوض شرعيته بالافشال، وتشجع وتدبر ضده الاحتجاجات، وختام السيناريو ان ( تنحاز) للشعب فتغلق في وجهه بوابات مجلس الوزراء!.

وليس لهذه الدوائر المزايدة بالوطنية، فهي لها ظهيرها الاقليمي الذي يوسوس لها بالانقلاب، كما لمركز قوى الردة – مجموعة كوبر الانقلابية – الظهير الاقليمي المضاد. والوطنية الحقة انما الالتزام بالمصالح الجوهرية للبلد في الزمن المحدد، وما من مصلحة أكثر الحاحاً وأهمية للبلاد حالياً أكثر من انجاح الانتقال الديمقراطي، فهو الشرط الضروري لتأمين استقرارها وأمنها ووحدتها، ولذا فالانقلاب عليه انما خيانة للشعب ومصالحه.
وحسناً ان تطابقت قيم الغرب ومصالحه في دعم التحول الديمقراطي بالبلاد.

وفي المقابل فان حمدوك لا بد ان ييقن بان أداء حكومته الحالية يشكل أهم مداخل الردة والمغامرات الانقلابية. والشرعية الدولية على أهميتها ليست بديلاً عن المحافظة على وتوطيد الرضا الشعبي الداخلي. ولهذا فحمدوك مطالب بمراجعة جذرية لمناهج عمل وشخوص ادارته التي أوصلتنا للورطة الحالية.
ولتبدأ المراجعة بلجنة خبراء حقيقيين تقيم أداء مكتبه ومستشاريه والوزراء ثم تضع هذا التقييم مع التوصيات اللازمة أمام المعنيين في الحرية والتغيير والجهة الثورية ولجان المقاومة وهيئات المهنيين.
كذلك لا بد ان توقف الاحزاب الصغيرة واللافتات بلا قواعد في الحرية والتغيير صراخها ضد مشاركة الاخرين كالجبهة الثورية ، فهي لوحدها غير قادرة على انجاح الانتقال، بل وغير قادرة حتى على تقديم الغطاء السياسي اللازم لدوائر المكون العسكري التي توزها أو تشجعها على هذا الصراخ!.
حل البلاد في شراكة كبرى: بين أقوامها المتنوعة، بين قواها الاجتماعية الرئيسية، بين مدنييها وعسكرييها وحركاتها المسلحة، ومن مصلحة البلاد ان يقود حمدوك توليف هذه الشراكة بدلاً من ان ينهار البناء علينا جميعاً بضعف وقلة أعمدته!!.

 

آراء