كَرَابيج الأقلام والألسُن للتهليل للخيانات

 


 

 

انا أوّلُ المُخَوِّنين أقولُها لكل أصحاب الأكلشيهات الجاهزة للإنتقاد عبر هذه الكلمة. الذينَ يُغَلّفون الأعمال السيّئه التي قامَ بها مسؤولو فترتنا الانتقالية ويُدَارون لَهُم ويبحثونَ عن الأعذار ويَسنُدونَهُم فيما هُم مُقبِلونَ عليه للمرّةِ الثانية وقع الحافِر؛ المُثَبّطون لحراك الشارِع والداعون للاستسلام خلف قحت بدعوى انه ليس أمامَنا غير طريقِهِم هذا ونحنُ نتحدث عن وطن وليس عن مشكله أُسَرِيّه لنا أن نُخطئ أو نُصيب ونحنُ نتعرض لها. لقد خان كل طاقم الانتقال المدني الثورة خيانةً قصداً وليست أخطاء أو سوء تقدير.
ولّوا أنفُسَهُم علينا بعد ثلاثينَ عاماً من القهر بِفَواتيرِها الثقيلة فَكانَ كُلّ الشعب كأنّما تنَزَلَت عليه لَعْنَةٌ من السّحر إذ لَم يَتَحَرّ عَن حُكّامِهِ الجُدُد. لَم يُقَدّموا لنا شيئاً بل انتقصوا من حقوقنا في شعاراتِنا وجيّروا فترة حكمهم لمصالحهم الحزبية والشخصية وتحاصصوا وابتعدوا عن نبض الجماهير وحركتهم التي لم تهدأ ولم يحفَلوا بالشهداء ولا الجرحى ولا المفقودين. لم تقف المآسي عند الحَد الذي ذهبت فيه الإنقاذ بل أضافوا لها اتفاقية جوبا واحتفلوا بدخول الحركات المسلحة الى العاصمة بكامل عتادها وسلّموا الاقتصاد للمليشيات وغضّوا الطَرف عن سرِقَة الموارد واستمرار تسليح المليشيات وتمكينِها واحتِلالِها لمواقِعِ الجيش وحافظوا على إرث الإنقاذ في كل مفاصل الدولة وعلى رأسها الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية.
الآن يمُدّون أيديهِم مَرّةً أخرى لنفس المليشيا ولنفس اللجنة الأمني ( بي ضُبّانتا ) ، لم يتخَلّف منهُم أحَد ، في إجراءٍ سبقَهُ الكثير من الإنكار عن أيّ دورٍ لَهُم أو تسويه مع العسكر وهُم يصطحبون معهم كيانات كان لها دورها المشهود معَ الإنقاذ. فارقوا طريق الثوره ولكن لم يطرف لهم جفن وهُم يطلبون من الثوار أن يستمِرّوا في المَوت والجراح والاغتصاب والإعاقة لأنّ في ذلك إسناداً لمشروعِهِم الهزيل الذي جمعوا له من أيدوا الانقلاب ومن عملوا مع الإنقاذ!
بعض كبار الكُتّاب ومُدَبّجو الرسائل الصوتية يُساندونَهُم ويُرَوّجون لمشروعِهِم الذي وُلِدَ ميّتاً بعدَ كل المآسي التي زجّوا بنا إلى أتُوْنِها ويَصِفُونَ مَن عارضوهُم ونبذوهم ونَبَذوا مشروعَهُم المشبوه مع العسكر والمليشيات بأنّهُم إنّما يسعُونَ إلى شَقِّ الصّف الوَطَني! وهُم يعلَمُونَ ألّا صِفَةً للوطنية تَقتَرِبُ مِنْ مشروعهم وإنّما هو مَشروعٌ يَنضَحُ بالعمالة للأجنَبي الإقليمي أو الدولي وهوَ مَشروعٌ مَسْخٌ يصطحِبُ مَعَهُ المليشيات وعسكَر الأمنية وعلى رأسِها الدّعم السريع الذي نَهَبَ ويَنهَب الذهَب وبقية الموارد بقوّة العين المستندة إلى اليَدِ الباطشة التي مَكّن لها الشُركاءُ العسكر في خيانةٍ لم نسمع بها في تاريخ السودان. الدعم السريع الذي بعد أن انتهى من القتل والحرق والاغتصاب والتشريد والإبدال والإحلال في دارفور وفي الخرطوم تفرّغ للتجنيد من داخل وخارج السودان بمعاونة سطوتِهِ على الأجهزة الأمنية التي تركتها الحرية والتغيير ورئيس وزرائها إنقاذيه الهوى قصداً وليس بسوء تقدير.
وتَستَمِرُّ (الخِياناااات) فَقَد فعَلَ المال وانعِدام الوطنية فعلَهُما وهُما يُديرانِ رؤوس بعض كوادر الجيش والشرطة من الضباط والرتب الأخرى لينخَرِطوا في قوات الدعم السريع ويَرفِدوها بالخبرة وكل ما تعلّموهُ خلال مُدّة خدمتهم الّتي قد دَفَعَ ثمنَها شعب السودان ضاربين عرض الحائط بكل معاناة هذا الشعب وما سيصير اليه الوطن من مستقبلٍ مظلم يتمثّلُ أقَلّهُ في تقسيمِه وصيرورَتِهِ الى لا شيء.
الآن يُرَوّج الكثيرون لهذه التسوية التي تقودُها نفس الوجوه التي تسببت في الأزمة بالمخالفةِ لكلِّ أحرار الوطن ورافِديهِ بالشُهَداء والجرحى ويُثبّطون الهِمَم ويدعون للانخراط فيها لعدم قدرة الشارع وحدَهُ لتجاوز المِحنَه ناسين أنّهُم بهذا إنّما ينقلونا الى مِحنَةٍ أُخرى لِتَبقى المِحَن تتناسل فينا إلى يوم يُبعَثون.

لقد فقَدنا الثقة في سياسيينا وأبناء الساده يتقلّدون المناصب القيادية والأمنية مع البشير ثمّ والأحزاب التقليدية تتباطأ عن ركب الثوره ثم وهي تُشَكّل الحكومة الانتقالية ومعها أحزاب لا سند جماهيري لها ولا ماضٍ نضالي ولا خِبرَه لرموزها الذين قدّمتهُم لقيادة الدولة في الوزارات والسيادي والآن نَفقِد الثقة في بعضِ كُتّابِنا ومُفَكّرينا وإذا نزلنا إلى القواعِد نجدُ أنّ شق الصُفوف للنَيل من لجان المقاومة ، خط الدفاع الأخير ، اصبح الشغل الشاغل لهذه الكيانات المتكلسة التي ما خَرَجَ هَمُّها عن الوصول للحُكم دونَ تضحيات من جانبها ولكنها تنتظر الشعب ليقوم بكل التضحيات ثمّ تأتي هي لِتَحْكُم ولم تَعُد الاستعانة بالأجنَبي عيبًا في قواميسِها.
هذه الثورة المباركة في طريقِها تمضي بأيمان أبناء الوطن الباذلين أرواحَهُم طواعيةً من أجل التغيير الجذري ولن يوقفهم شيء عن بلوغ تلك الغايات النبيلة في هذا المنعرج الخطير من تأريخ أمّتنا فالاستسلام للعسكر وللمليشيا ولإرادة العالم والإقليم لا يُسمّى ثوره وفيهِ امتهانٌ للشُهداء والجرحى والمفقودين وللجُثَثِ المكدسة في المشارح والقبور الجماعية وفي قاع النيل والعدال. هذه الجُثَث تنتظِرُ العدالة التي تتمثّلُ في مُحاكَمةِ قاتِليها بالمَحاكِم أو بالشرعية الثورية وليس بوضع الأيدي في أيدي القتلة بل وتَقبيلِها.

melsayigh@gmail.com
////////////////////////

 

آراء