لاءات البرهان: هل معيارا للجدل السياسي؟

 


 

 

زين العابدين صالح عبد الرحمن
في البدأ كل عام و انتم بخير، و نسأل الله أن يقي البلاد شر انقسامات أبنائها التي تكون سببا في ضياع وحدتها، و أن الوطن مقدم على أي مصلحة شخصية و حزبية كانت، و الديمقراطية لا يمكن أن تدوم في بلاد على أرضها العديد من الجيوش و ميليشيا.. الجيش الواحد هو الرهان على نجاح الديمقراطية، إذا كان بالفعل الكل راغبا فيها، و الديمقراطية تتأتى عبر الحوار المفتوح بين الكل دون دعوات لإقصاء، ليس هناك من يملك فيتو على الآخرين..
أن خطاب البرهان الذي القاه في العيد كان خطابا مختصرا، و بسيطا من ناحية عدد جمله، و فترته الزمنية، ربما يكون أقصر خطابا للسلطة في البلاد منذ الاستقلال، و لكنه يحمل رسائل في غاية الوضوح للكل، قبل أن يبعث البرهان برسائله في خطابه، تحدث عن تلاحم الشعب و الجيش و القوات النظامية الأخرى و المستنفرين و المقاومة الشعبية، و قال: أن هؤلاء هم الذين قدموا تضحيات كبيرة من أجل الوطن في هذه الحرب الدائر رحاها. و يفهم من خطاب البرهان؛ أن هذا التلاحم هو الذي نتج عنه حديث الاءات الثلاث، و كل واحدة تنفي وجود اتباعها في المشهد السياسي القادم بشكل منفرد، وجودهم كفئة هي التي يجب أن تحدد مستقبل العمل السياسي في البلاد، و كان الحديث مختصرا و مباشرا حتى لا تغيب إشاراته بوضوح عن أي سامع للخطاب.. قال البرهان عن الاءات بالترتيب.. الاءة الأولى لا رجوع إلي ما قبل 15 إبريل 2023م و هذه إشارة لعدم قبول الميليشيا في الأجندة العسكرية بعد الحرب أو في المسرح السياسي، و هذا القول يؤكد أن الجيش ذاهب إلي إنهاء الحرب بالعملية العسكرية، و أيضا عدم العودة إلي " الإتفاق الإطاري" الذي ظهر فيه مصطلح " عدم الإغراق السياسي"، إراد البرهان أن يحسم أي حديث عن التفاوض و المساومة السياسية.. الاءة الثاني لا عودة إلي ما قبل 25 أكتوبر 2021م و هي فترة "حكومتي حمدوك" و حاضنتها السياسية " قوى الحرية و التغيير" و هي فترة الوثيقة الدستورية و يكون القائد العام أكد على حديث مساعده الفريق أول ياسر العطا تمزيق الوثيقة الدستورية.. الاءة الثالث لا عودة إلي ما قبل 11 إبريل 2019م و هي عدم العودة لفترة الإنقاذ مرة أخرى.. ليست هناك أي قوى سياسية مفردها أو في تحالف سوف تعود للسلطة في الفترة الانتقالية.
خطاب البرهان؛ لا يخرج من مجمل التصريحات السابقة لقيادات الجيش، إذا كانوا في المجلس السيادي أو في قيادة الجيش.. أن الفترة الانتقالية القادمة سوف تكون تحت إشراف قيادة الجيش و سوف تشكل حكومة تكنوقراط هي التي يقع عليها عبء انجاز مهام الفترة الانتقالية، إعادة الإعمار و تهيئة البيئة الصحية لرجوع المواطنين، و أيضا تحسين الخدمات و إعادة عمل المؤسسات الخدمية، و مؤسسات الدولة الأخرى، و تكوين المفوضيات المتعلقة بعملية التحول الديمقراطي، إلي جانب تحسين المعيشة للمواطنين، ثم قيام الانتخابات العامة في البلاد. و الخطاب لم يشير للفترة الزمنية للفترة الانتقالية. خاصة أن إعادة الاستقرار الأمني في البلاد تحتاج لفترة زمنية يجمع فيها الجيش كل السلاح الموجود خارج مؤسسة الجيش. جاوب الخطاب على كل الذين يتحدثون عن مفاوضات أو لقاءات مع الميليشيا يدعو لها مبعوثي الدول و المنظمات و الاتحادات و المنظمات الإقليمية. السؤال هل القوى السياسية التي تعارض الخطاب لها رؤية أخرى بعيدا عن جدلها للوصول للسلطة دون أنتخابات؟ البرهان في هذا الخطاب كان مباشرا و محددا، هل القوى السياسية تستطيع أن تكون واضحة و مباشرة في رؤيتها؟
الأسئلة التي تهرب منها كل القوى السياسية، و عجزت أن تجاوب عليها، ماذا يقصد الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة و القائد العام للجيش من عدم العودة لثلاث فترات زمنية الاءات الثلاث؟ و ما هو الهدف من عدم العودة لهذه الفترات الزمنية؟ و لماذا تفشل القوى السياسية مجتمعة عن استيعاب دروس التجارب السابقة و لا تستفيد منها في المستقبل؟ و لماذا كل قوى سياسية تعتقد أن حل الأزمة عندها وحدها دون الأخرين، و ترفض أي حوار مع الآخرين يمكن أن يفتح منافذا للحل؟ أن الكل يناور سياسيا و لا يفصح عن هدفه الرئيس، و هم يتحدثون مناورة عن التنوع الثقافي و السياسي و الأثني و غيره، و التنوع يشكل القاعدة التي تجبر الكل على الحوار.. و لكن للأسف يهرب الكل عنه بإدعاءات واهية لماذا؟ لماذا أغلبية القوى السياسية ترفع شعار الديمقراطية و ينزعجون من حديث الذهاب لصناديق الاقتراع؟
أن الذي يمنع الحوار هي الرغبة في الاستفراد بالسلطة، و كل قوى سياسية و تحالف مكون من عدد من المجموعات الأخرى يعتقدون أنهم وحدهم على الصواب و البقية الأخرى على خطأ، الأمر الذي يجعلهم يعملون على إجبار الآخرين لكي يكونوا على هامش العملية السياسية، رغم أن التهميش نفسه باعث لردة الفعل بأدوات العنف. إن أخفاء الهدف الرئيس من العملية السياسية " السلطة دون انتخابات" يخفي كل ما يتعلق بالعملية السياسية عن الشعب، و تحاول بعض القوى السياسية أن تنقل الأنظار لقضايا جانبية الكل تنشغل بها الأغلبية الشعبية، فيما هي تسعى لتحقيق هدفها الرئيس " السلطة دون انتخابات" حتى مع تحالف مع العسكر.. هذا السلوك هو الذي يدفعهم لإيجاد شماعة تعلق فيها الأخطاء.. هذه الممارسة هي التي تجعل القيادات السياسية تخسر الشارع في صراعها..
إذا قام أي مراقب سياسي بتتبع الحوارات التي تتم بين النخب السياسية في عدد من القروبات، أو حتى في الندوات عبر zoom"" تجدهم يتحاشون الحديث عن الهدف الرئيس، و يركزون على قضايا جانبية بهدف إلهاء العامة كي يجعلونهم كالبغبغاوات يرددون ما يقولونه.. و أذا سألت ما هو سبب فشل الفترة الانتقالية؟ يقولون " الفلول و الكيزان" من الذي كان وراء الحرب و الهدف منها؟ يقولون هم " الكيزان الذين يسيطرون على الجيش" لا يتحدثون عن بصراحة عن ماهية الأخطاء و الأسباب التي أدت لانقسام تحالف قوى الحرية و التغيير، و لا يتحدثون أيضا بصراحة: لماذا فشلت الحكومة الانتقالية في تكوين المؤسسات التي كان منصوص عليها في الوثيقة الدستورية؟ و لا يجاوبون عن سؤال: لماذا فقد الجنيه السوداني قيمته مقابل الدولار بعد الثورة؟ كلها أخطاء من القوى السياسية لكنهم لا يحبذون الحديث بوضوح و يميلون للتبرير.. و تجد الكل متعلق بشماعة " الكيزان و الفلول" تجدها أصبحت طابعة بوسته في لسان العامة، و حتى اعداد من المثقفين، فالحديث بصراحة عن القضايا يفضح الكل...! نسأل الله حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com

 

آراء