منذ أن اعلن الرئيس البشير في خطابه أمام البرلمان الاثنين/2014 1//4 الدعوة للحوار ، بعد هبة سبتمبر 2013م، ظلت الاوضاع تراوح مكانها، بل تدهورت حالة الحريات وحقوق الانسان، كما وضح من مصادرة الصحف وإعتقال الصحفيين ، والعنف المفرط ضد مظاهرات الطلاب ...الخ وتصاعد الحرب والانتهاكات الجسيمة وتدهور الاوضاع الإنسانية الناتجة عنها، ويبقي السؤال ماهو السبب في تكرار دعاوي الحوار ؟ تدهورت الاوضاع الاقتصادية والمعيشية في السودان، وتصاعدت وتائر الحرب، واصبح النظام فاسدا حتي نخاع العظم، وتفاقمت أزمة النظام وتصاعدت حدة الصراعات والتناقضات داخله ولاسيما بعد الفشل الذريع في الانتخابات المزورة الأخيرة ، وتزايد ضغوط المجتمع الدولي للتغيير الشكلي للنظام مع الابقاء علي سياساته ومؤسساته فيما يسمي بالتغيير أو" الهبوط الناعم" بدلا من اسقاط النظام وتغييره من جذوره، يتم بموجبها عقد مصالحة بين القوي الراغبة في الهبوط الناعم للمشاركة في النظام، لتفادي رياح التغيير والثورة التي بدأت تهب مع تصدع النظام الحاكم في البلاد. هكذا اصبح النظام آيلا للسقوط بعد أن توفرت كل الظروف الموضوعية لزواله، ويبقي توفير العامل الذاتي. وكعادة النظام عندما تحيط به الازمات من كل جانب يرفع راية الحوار ، ريثما يلتقط انفاسه وليعود لممارسة القمع والنهب بشكل اوسع من السابق. كما ان النظام دائما مايرفع راية الحوار دون توفير مقوماته. تحت ضغوط أمريكا وحلفائها بدأ النظام الاستجابة لشروطها بشكل اوسع ، كما هو الحال في التعاون الأمني وقضية اللاجئين، رغم إستمرار الصغوط بعدم الرفع عن قائمة الإرهاب الا بعد المزيد من المضي قدما في تحقيق التسوية القائمة علي الهبوط الناعم، والضغط علي الحركات ، واستجابة بعض أحزاب المعارضة التي وقعت علي خريطة الطريق، وعقد الورش لتأهيلها للتفاوض التي تؤدي للمشاركة واللحاق بحوار" الوثبة"، أو" القاعة"، دون دفع النظام لإستحقاقاته!! ، علما بأن الحكومة نفسها تطرح شروطها المسبقة مثل: الحوار مع حركات دارفور علي أساس الدوحة، ومع الحركة الشعبية الإغاثة عن طريق الداخل، والحوار مع أحزاب المعارضة عن طريق القاعة بمن حضر، والتهديد والوعيد بأنها آخر فرصة..الخ. أشارت دورة اللجنة المركزية، سبتمبر 2016م إلي " إصطفاف جديد لأطراف قوي المعارضة وتكوين مركز جديد للمعارضة يمضي للحوار بالداخل دون دفع النظام لإستحقاقات الحوار المنتج المثمر والمشاركة مع النظام في السلطة والإكتفاء باصلاحات هشة تعيدإنتاج من جديد" . . ماهي مقومات الحوار التي تفضي للمخرج من الأزمة؟. *لايمكن الحديث عن الحوار والمشاركة في صياغة الدستور في ظل الواقع الماثل والمناخ غير الملائم الذي يتميز بالقمع ومصادرة الحريات والحقوق الاساسية والذي يتجلي في مصادرة حرية الصحافة والتعبير، واغلاق المراكز الثقافية ، وحق التظاهر بالمواكب السلمية، وقيام ندوات الاحزاب في الاماكن العامة، وممارسة سياسة الاعتقال التحفظي واطلاق يد جهاز الأمن في ممارسة التجسس علي الاحزاب وعضويتها ، والتعذيب الوحشي للمعتقلين السياسيين، وتصاعد وتائر الحرب في دارفور وجنوب النيل الازرق وجنوب كردفان ، وتفاقم المأساة الانسانية في تلك المناطق التي تتجلي في الظروف غير الانسانية التي يعيش فيها النازحون. وطبيعي انه ما من عاقل يرفض الحوار ، ولكن توصلنا من خلال تجربة 27 عاما من حكم نظام الانقاذ ، أنه غير جاد في الحوار فقد ابرم اتفاقات عديدة مع الحركات المسلحة والاحزاب السياسية مثل اتفاقات: نيفاشا ، القاهرة، ابوجا، الشرق، الدوحة، وإتفاق نافع - عقار...الخ ، ولكنه لم يف بالعهود والمواثيق ، وكانت النتيجة تفاقم أزمة البلاد وتمزيق وحدة الوطن بانفصال الجنوب ، واندلاع الحرب مجددا وبشكل اوسع في جنوب كردفان وجنوب النيل الازرق، وتصاعد وتائر الحرب في دارفور التي تعيش اوضاعا أمنية مزرية ، ومستجدات جديدة مثل الحروب القبلية التي امتدت لتشمل وسط وشمال السودان ،فضلا عن توقف المساعدات الانسانية بسبب تدهور الوضع الأمني. كما يتصاعد لهيب الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق ، اضافة لتصاعد وضغوط الحركة الجماهيرية المطالبة بالحريات واطلاق سراح كل المعتقلين ، وضد ارتفاع تكاليف المعيشة ، وصرف استحقاقات الاجور، وتدهور الخدمات، وتدهور البيئة وإنتشار الأمراض مثل الكوليرا..الخ، وضد خصخصة المستشفيات ومصانع السكر، وكشف الفساد ومحاربة المفسدين وضد تجارة البشر والمخدرات، وضد دفن المواد المسرطنة في البلاد، واهانة كرامة المرأة السودانية، وضد قيام السدود ونهب أراضي المواطنين لمصلحة الطفيلية الاسلاموية. وبالتالي ، فان الدعوة للحوار يجب أن تسبقها خطوات عملية تؤكد المصداقية وتهيئة المناخ للحوار مثل: الغاء القوانين المقيدة للحريات، واطلاق سراح كل المعتقلين، ورفع حالة الطوارئ في مناطق التماس، وحرية الصحافة وقيام المواكب والمظاهرات السلمية ، وعودة نشاط المراكز الثقافية، وقيام ندوات الاحزاب في الاماكن العامة، ووقف الحرب، واسترداد المال العام المنهوب ومحاكمة المفسدين ومرتكبي الجرائم في حق الانسان السوداني وجرائم الحرب ، وتفكيك النظام الشمولي ودولة الحزب الواحد لصالح دولة الوطن، وتأكيد قومية الخدمة العامة، وقومية القوات النظامية، وقيام حكومة قومية انتقالية تعمل علي قيام دولة المواطنة، وإنجاز مهام التحول الديمقراطي ، والغاء القوانين المقيدة للحريات وعقد المؤتمر الدستوري، والمؤتمر القومي الاقتصادي لوقف الانهيار الاقتصادي وتحسين الاوضاع المعيشية وتوفير الخدمات والاحتياجات الاساسية للمواطنين، ورد المظالم مثل: حل قضية المفصولين، ومحاسبة المفسدين، ووقف الحرب والحل الشامل والعادل لقضايا مناطق: دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الازرق، وحل القضايا العالقة مع دولة الجنوب ( ابيي ، ترسيم الحدود، النفط، الحريات الاربع ..الخ). وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية. المناورات لاتجدي: لقد وصلت البلاد الي حد لاتجدي فيه المناورات، واطلاق "بالونات" الحوار بهدف اطالة عمر النظام الذي فقد مقومات استمراره، فتجارب الشعوب التي مرت بالازمة التي تعيشها البلاد مثل: اسبانيا في ظل نظام فرانكو الفاشي، وجنوب افريقيا في ظل النظام العنصري: اتخذت خطوات جادة نحو التحول الديمقراطي وقامت بتفكيك النظام الفاشي او العنصري، واطلقت حريات التعبير والنشر وحرية تكوين الاحزاب السياسية ، وتواثقت علي دستور ديمقراطي شارك فيه الجميع والذي اكد دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين او اللون أو الثقافة، وعملت علي رد المظالم. وبالتالي استطاعت أن تخرج من الازمة. وهناك خطورة من الاستمرار في اعادة انتاج النظام مما يؤدي الي المزيد من تمزيق ماتبقي من الوطن، وبالتالي لامخرج للنظام : اما انجاز التحول الديمقراطي وتفكيك النظام الشمولي أو اسقاط النظام. خلال مسيرة شعب السودان ونضاله من اجل الحرية والديمقراطية انتزع استقلال السودان ، ودستور السودان الانتقالي لعام 1956م الذي كفل حرية التعبير والنشر وتكوين الاحزاب السياسية والحقوق والحريات الأساسية. وفي ثورة اكتوبر 1964م استظاع شعب السودان أن يطيح بديكتاتورية نظام عبود عن طريق الاضراب السياسي العام والعصيان المدني ، وانتزع شعب السودان مرة أخري الحقوق والحريات الاساسية التي عبر عنها دستور السودان 1956 المعدل بعد اضافة ميثاق اكتوبر 1964م له. كما انتزع شعب السودان مرة أخري الحقوق والحريات الديمقراطية بعد انتفاضة مارس- ابريل 1985م ، والتي كرسها دستور السودان الانتقالي لعام 1985م، والذي كفل حرية التعبير والنشر وحرية تكوين الاحزاب السياسية. ونتيجة لضغط شعب السودان والمجتمع الدولي انتزع شعب السودان الدستور الانتقالي لعام 2005م بعد اتفاقية نيفاشا، ولكن النظام افرغ الدستور ووثيقة الحقوق من محتواها الديمقراطي ، مما قاد الي الازمة الحالية والتي ازدادت عمقا بعد انفصال الجنوب . واصبح من المؤكد أن استمرار النظام في المراوغه والدعوات الكاذبة للحوار سوف يؤدي الي تمزيق ماتبقي من الوطن. ويبقي أنه في ظل مراوغة النظام، لابديل غير السير قدما في طريق اسقاط النظام عن طريق الإضراب السياسي العام والعصيان المدني والانتفاضة الشعبية، وقيام حكومة انتقالية تنجز مهام التحول الديمقراطي، والحل الشامل والعادل لقضايا الوطن..