لا ادري ماذا كنا نفعل لو أن الشياطين لم تكن مصفدة
حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي
7 March, 2023
7 March, 2023
لا ادري ماذا كنا نفعل لو أن الشياطين لم تكن مصفدة وقد بلغ منا الغضب أعلي درجاته وبعد أن انتهينا من فاصل طرق الملاعق بقوة علي مناضد ( السفرة ) تحولنا الي مردة وشياطين وحطمنا كل شيء في غرفة الطعام قبيل افطار رمضان _ فيا للعار والشنار !!..
في ذاك الزمان البعيد يوم كان التعليم مجانياً والمدارس الداخلية توفر السكن والاعاشة للطلاب وتقريباً معظم المدارس كانت نموزجية والأساتذة كانوا من العلماء أصحاب عطاء مميز يقدمونه بكل أريحية مع تمتعهم بالخلق الطيب القويم والبذل الصادق والبعد كل البعد عن الماديات والبحث عن زيادة المرتبات والبدلات والعلاوات وكان العام الدراسي ينساب مثل الكوثر وهنالك غير الاكاديميات تتوفر فرص الرياضة والمسرح والآداب والفنون ولا يوجد توقف عن العمل أو تسويف وتضييع للوقت وكان النجاح حقيقي غير مزور وكانت الشهادة السودانية يشرف عليها ويسهر علي إخراجها كوكبة مميزة من مكتب الامتحانات نذكر منهم علي سبيل المثال وليس الحصر الأساتذة الرفيع مصطفى ، عبدالعزيز محي الدين ويوسف المغربي وهؤلاء الذين شغلوا منصب سكرتير امتحانات السودان كانت لهم من الكفاءة المهنية والحنكة المعرفية والتربوية الكثير وقد أثبتوا مقدرة عالية في مناصب قيادية في مجالهم بالداخل والخارج !!..
نعود للعام ١٩٦٦ وكان الوقت شهر رمضان المبارك ووقتها كان مدير حنتوب الأستاذ المربي الفاضل الأسطورة عبد الباقي محمد عبد الباقي وحان ميعاد الافطار ودخلنا قاعة الطعام وتلفتنا يمنة ويسرة ولم تكحل أعيننا أطباق التين والزبيب واستشاط الجمع الهادر غضبا وصار يغلي كالمرجل ورغم أن الشياطين في اجازتهم الرمضانية إلا أننا في هذه اللحظات تقمصتنا روح الجن وامسكنا بالملاعق وفي إجماع سكوتي ضربنا بها الترابيز المسكينة حتي عبر الضجيج والفوضى العارمة النيل وخرم طبلة إذن أهالي مدني!!..
خرجنا من ( السفرة ) بعد أن كبدناها خسائر فادحة وتركناها كاسفة البال حزينة تلعق جراحها التي ليس من المنتظر أن تبرأ منها قريبا فقد كانت الخسارة فادحة والفقد كبيرا !!..
مدير المدرسة الأستاذ عبد الباقي اغلق المدرسة بالضبة والمفتاح وارسلنا الي أهلنا غير مأسوف علينا و ( صهين ) منا لمدة شهرين وبعد أن هدأت نفوسنا وزهج منا الأهل وازداد حنيننا لامنا الرؤوم حنتوب الجميلة وصلتنا الخطابات بالعودة للمدرسة مع اصطحاب ولي الأمر وغرامة مالية موجعة لإعادة إعمار السفرة التي الحقنا بها الدمار الشامل !!..
وكان يوما مشهودا يوم الرجوع يوم التوبة والمدير جالس بين أركان حربه من المعلمين يخطب في الآباء بلغة فولاذية كلها تقريع وانتقاد حاد للطلاب والاباء أمنوا تماما علي حديثه الناري ووعدوا بأن لا يسمحوا لأبنائهم بالعودة لهذا الفعل الشنيع الذي لا يليق بطلبة العلم !!..
وحكم علينا المدير بعد دفع الغرامة بالجلد ومن ثم استلام تذكرة تتيح للطالب بالرجوع لداخليته ودخول السفرة !!..
تذكرت كل هذه الدراما بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك ورغم أننا كنا ننعم بدراسة مجانية ووضع مريح في مدرسة نموذجية بها داخلية تقدم لنا الطعام الجيد وننعم بكل سبل الراحة في أجواء أكاديمية مثالية وأنشطة متنوعة ورفاهية تبعث الرضا في النفوس وتزيد من الطمأنينة وراحة البال !!..
هل هذا المنكر الذي قمنا به في شهر رمضان في العام ١٩٦٦ وقد حولنا السفرة الي ساحة حرب وخربنا ممتلكاتنا بأنفسنا في غيبة كاملة للعقل والضمير وكل هذا بسبب أنه في ذاك اليوم لم نري أطباق التين والزبيب تزين الوجبة الرمضانية وحدث ما لم يكن في الحسبان والصحافة ( شالت حسنا ) واطلقت علينا أبناء التين والزبيب تندرا لتمسح بنا الأرض!!.. هل هذا الفعل الشنيع يتطلب منا اعتذارا ولمن نقدم هذا الاعتذار وحنتوب نفسها اختفت عن الوجود وراحت مبكية علي شبابها الغض وروحها الوثابة وحيويتها الدافقة !!..
سلام علي كل من تتلمذ في حنتوب أو درس فيها وسلام على موظفيها وعمالها وعلي أهل حلة حنتوب وعلي كل من عمل في السفرة وعلي رأسهم العم هباني وعمارة ولا ننسي ود ( قرف ) !!..
رحم الله تعالي الراحل المقيم عبد الباقي محمد عبد الباقي واسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) .
كما نترحم علي كل من رحلوا من أبناء وأساتذة وموظفي وعمال حنتوب جعل الله تعالى مثواهم الجنة تظلهم سحايب الرحمة والمغفرة والرضوان .
( امين يارب العالمين ) .
حمدالنيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .
ghamedalneil@gmail.com
في ذاك الزمان البعيد يوم كان التعليم مجانياً والمدارس الداخلية توفر السكن والاعاشة للطلاب وتقريباً معظم المدارس كانت نموزجية والأساتذة كانوا من العلماء أصحاب عطاء مميز يقدمونه بكل أريحية مع تمتعهم بالخلق الطيب القويم والبذل الصادق والبعد كل البعد عن الماديات والبحث عن زيادة المرتبات والبدلات والعلاوات وكان العام الدراسي ينساب مثل الكوثر وهنالك غير الاكاديميات تتوفر فرص الرياضة والمسرح والآداب والفنون ولا يوجد توقف عن العمل أو تسويف وتضييع للوقت وكان النجاح حقيقي غير مزور وكانت الشهادة السودانية يشرف عليها ويسهر علي إخراجها كوكبة مميزة من مكتب الامتحانات نذكر منهم علي سبيل المثال وليس الحصر الأساتذة الرفيع مصطفى ، عبدالعزيز محي الدين ويوسف المغربي وهؤلاء الذين شغلوا منصب سكرتير امتحانات السودان كانت لهم من الكفاءة المهنية والحنكة المعرفية والتربوية الكثير وقد أثبتوا مقدرة عالية في مناصب قيادية في مجالهم بالداخل والخارج !!..
نعود للعام ١٩٦٦ وكان الوقت شهر رمضان المبارك ووقتها كان مدير حنتوب الأستاذ المربي الفاضل الأسطورة عبد الباقي محمد عبد الباقي وحان ميعاد الافطار ودخلنا قاعة الطعام وتلفتنا يمنة ويسرة ولم تكحل أعيننا أطباق التين والزبيب واستشاط الجمع الهادر غضبا وصار يغلي كالمرجل ورغم أن الشياطين في اجازتهم الرمضانية إلا أننا في هذه اللحظات تقمصتنا روح الجن وامسكنا بالملاعق وفي إجماع سكوتي ضربنا بها الترابيز المسكينة حتي عبر الضجيج والفوضى العارمة النيل وخرم طبلة إذن أهالي مدني!!..
خرجنا من ( السفرة ) بعد أن كبدناها خسائر فادحة وتركناها كاسفة البال حزينة تلعق جراحها التي ليس من المنتظر أن تبرأ منها قريبا فقد كانت الخسارة فادحة والفقد كبيرا !!..
مدير المدرسة الأستاذ عبد الباقي اغلق المدرسة بالضبة والمفتاح وارسلنا الي أهلنا غير مأسوف علينا و ( صهين ) منا لمدة شهرين وبعد أن هدأت نفوسنا وزهج منا الأهل وازداد حنيننا لامنا الرؤوم حنتوب الجميلة وصلتنا الخطابات بالعودة للمدرسة مع اصطحاب ولي الأمر وغرامة مالية موجعة لإعادة إعمار السفرة التي الحقنا بها الدمار الشامل !!..
وكان يوما مشهودا يوم الرجوع يوم التوبة والمدير جالس بين أركان حربه من المعلمين يخطب في الآباء بلغة فولاذية كلها تقريع وانتقاد حاد للطلاب والاباء أمنوا تماما علي حديثه الناري ووعدوا بأن لا يسمحوا لأبنائهم بالعودة لهذا الفعل الشنيع الذي لا يليق بطلبة العلم !!..
وحكم علينا المدير بعد دفع الغرامة بالجلد ومن ثم استلام تذكرة تتيح للطالب بالرجوع لداخليته ودخول السفرة !!..
تذكرت كل هذه الدراما بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك ورغم أننا كنا ننعم بدراسة مجانية ووضع مريح في مدرسة نموذجية بها داخلية تقدم لنا الطعام الجيد وننعم بكل سبل الراحة في أجواء أكاديمية مثالية وأنشطة متنوعة ورفاهية تبعث الرضا في النفوس وتزيد من الطمأنينة وراحة البال !!..
هل هذا المنكر الذي قمنا به في شهر رمضان في العام ١٩٦٦ وقد حولنا السفرة الي ساحة حرب وخربنا ممتلكاتنا بأنفسنا في غيبة كاملة للعقل والضمير وكل هذا بسبب أنه في ذاك اليوم لم نري أطباق التين والزبيب تزين الوجبة الرمضانية وحدث ما لم يكن في الحسبان والصحافة ( شالت حسنا ) واطلقت علينا أبناء التين والزبيب تندرا لتمسح بنا الأرض!!.. هل هذا الفعل الشنيع يتطلب منا اعتذارا ولمن نقدم هذا الاعتذار وحنتوب نفسها اختفت عن الوجود وراحت مبكية علي شبابها الغض وروحها الوثابة وحيويتها الدافقة !!..
سلام علي كل من تتلمذ في حنتوب أو درس فيها وسلام على موظفيها وعمالها وعلي أهل حلة حنتوب وعلي كل من عمل في السفرة وعلي رأسهم العم هباني وعمارة ولا ننسي ود ( قرف ) !!..
رحم الله تعالي الراحل المقيم عبد الباقي محمد عبد الباقي واسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) .
كما نترحم علي كل من رحلوا من أبناء وأساتذة وموظفي وعمال حنتوب جعل الله تعالى مثواهم الجنة تظلهم سحايب الرحمة والمغفرة والرضوان .
( امين يارب العالمين ) .
حمدالنيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .
ghamedalneil@gmail.com