لا بديل غير مواصلة المقاومة حتى إسقاط النظام

 


 

 



تستمر أزمة النظام في التفاقم جراء الهلع والقمع الوحشي للمظاهرات السلمية التي سوف يتواصل مدها مع عمق أزمة النظام، والارتفاع الجنوني في أسعار السلع والخدمات والتدهور المستمر لقيمة الجنيه السوداني، والفساد مثل: طرح ذرة فاسد في أسواق محاصيل مدينة القضارف، وتحت تأثير الضغط يتراجع عن زيادة أسعار الكهرباء اعتبارا من أول اغسطس، ورغم الانحناء أمام العاصفة، ولكن سياسة النظام القائمة علي التحرير وسحب الدعم عن التعليم والصحة والخدمات والخصخصة والتي بدأت منذ بداية الانقلاب في يونيو 1989م، لن تتغير والتي تحمل الجماهير الكادحة اعباء الأزمة، وازدياد الفقراء فقرا والاغنياء غني، وبالتالي لابديل للجماهير غير مواصلة الاضرابات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية والخروج للشارع ضد الغلاء والارتفاع الجنوني في الاسعار حتي اسقاط النظام.
وتزداد أزمة الحريات تفاقما جراء وجود اعداد كبيرة من المعتقلين لاتعرف بعض اسرهم مكان اعتقالهم، اضافة للتعذيب والظروف القاسية التي يعيشون فيها جراء الاعتقال التحفظي وبدون توجيه تهمة محددة، بحيث يصبح المطلوب قيام أوسع حملة جماهيرية في الداخل والخارج من اجل اطلاق سراح المعتقلين فورا. اضافة لمصادرة حرية الصحافة والتعبير والمظاهرات السلمية التي يكفلها الدستور، والفصل التعسفي من العمل مثل فصل 16 من العاملين والفنيين والمهندسين من مصنع أسمنت عطبره نتيجة الاضراب الأخير.
وتتزايد الضغوط الدولية علي النظام بسبب اقتراب نهاية الفترة الزمنية التي حددها مجلس الأمن حسب القرار 2046 ، ومن المفترض أن تتم جلسة لمجلس الأمن يوم الخميس 2/8 لتقييم الموقف ، واتخاذ العقوبات تحت الفصل السابع المادة(41) ". ورغم انسحاب قوات الطرفين من ابيي وتخفيف التوتر علي الحدود واقتراب فترة مهلة مجلس الأمن، الا أن المفاوضات بين دولتي السودان والحركة الشعبية – قطاع الشمال لم تسفر عن أي اختراق. واوضاع النازحين في النيل الأزرق والذين يقدر عددهم ب ( 360) ألف مزرية ، ونظام الانقاذ يصر علي استعمال سلاح التجويع الجماعي ، والحرمان من الأدوية والامصال. ولابديل غير وقف تدهور الاوضاع الانسانية والوصول لحل سلمي شامل لمناطق جنوبي النيل الأزرق وكردفان وابيي ودارفور ، ومع دولة جنوب السودان بالاتفاق حول القضايا العالقة( ترسيم الحدود، البترول ، الحريات الأربع).
ونلاحظ تحت تأثير الضغط تراجع نظام الانقاذ عن رفضه للتفاوض مع الحركة الشعبية- قطاع الشمال واعلان الحسم العسكري، وتنفيذ قرار مجلس الأمن للتفاوض معها.
وايجابي ما طرحته الحركة الشعبية - قطاع الشمال حول المفاوضات مع النظام والتي تقتصر علي الوضع الانساني في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، والتأكيد علي ضرورة الحل الشامل والعادل لكل قضايا السودان وليس من أغراض المفاوضات الوصول لاتفاق ثنائي مع النظام في الخرطوم. ومن المهم الوصول لحل شامل يشترك فيه كل مكونات المجتمع السوداني من قوي سياسية ومنظمات المجتمع. وكان من الأسباب الرئيسية لفشل اتفاقية نيفاشا هو الثنائية واستبعاد القوي السياسية الأخري، وكانت النتيجة شراكة متشاكسة ادت الي انفصال الجنوب، واعادة انتاج الحرب من جديد. وبالتالي، فان شعبنا لايرغب في تكرار تلك التجربة الفاشلة ، ويطمح في حل شامل وسلام دائم يقوم علي الديمقراطية والتعددية والتوزيع العادل للسلطة والثروة.
الهدف الامريكي هو خلق تعايش سلمي بين الدولتين يضمن استقرار مصالحها في المنطقة، وتوقيع اتفاق فوري بين دولتي السودان حول البترول لانقاذ حكومة الجنوب من الانهيار الاقتصادي والتخلص من نفقات الاغاثة، وكذلك انقاذ حكومة الشمال من أزمتها وفك حصار الاحتجاجات الجماهيرية عنها ، واحداث تغييرات شكلية في النظام، حتي لاتحدث ثورة شعبية تؤدي الي تغيير النظام من جذوره ويأتي نظام ديمقراطي يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة. 
لقد حركت الاحتجاجات الجماهيرية في الايام الماضية ساكن الحياة السياسية، وكشفت ضعف النظام الذي ليس لديه اي حلول سياسية واقتصادية للازمة، غيراستخدامه للعنف المفرط ضد الاحتجاجات السلمية، وممارسة التعذيب الوحشي للمعتقلين السياسيين، واستخدام المليشيات المسلحة للمؤتمر الوطني " الرباطة"، واستغلال الدين لتهدئة التحركات الجماهيرية. كما اكدت التجربة أن النظام قفل كل الطرق للوصول لحل للأزمة ونقض كل العهود والمواثيق، التي جاءت نتيجة لمفاوضات سابقة، بحيث يكون من العبث الحديث عن حوار معه. وعليه يصبح لابديل غير اسقاط النظام. صحيح أنه توفرت كل الظروف الموضوعية لاسقاط النظام، بحيث اصبحت الحياة لاتطاق تحت ظل وجود النظام وعجزه عن أن يحكم ويوفر ضروريات الحياة للمواطنين، وانهارت كل المشاريع الزراعية والصناعية وتوقفت عجلة التنمية، ونخر الفساد في أعمدة النظام، وتم تركيز الثروة في ايدي فئة رأسمالية طفيلية اسلاموية قليلة اثرت علي حساب الدولة وممتلكات القطاع العام التي تم بيعها لمحاسيبها باثمان بخسة. كما تفاقمت التناقضات وصراع المصالح داخل الفئة الحاكمة، وفشلت مشاركة الحزب الاتحادي (الأصل) في جلب الاستقرار للنظام والتي هي لصالح الفئات الرأسمالية داخل الاتحادي الاصل. ومثل هذه المشاركة كما اكدت تجربة الديكتاتور نميري بعد المصالحة الوطنية عام 1977م والتي دخل فيها حزب الأمة، والاتحادي (جناح الميرغني)، والأخوان المسلمين ( جناح الترابي)، ولكن تلك المشاركة لم تنقذ نظام النميري ، بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية والحرب في الجنوب وتواصلت اضرابات العاملين والموظفين والفنيين والمهنيين وانتفاضات المدن والطلاب حتي بعد استغلال الدين وفرض قوانين سبتمبر 1983م، وكانت الاطاحة بالنظام في انتفاضة مارس- ابريل 1985.
أزمة النظام اصبحت عميقة وعملية اسقاطه لاتتم من جولة واحدة أو جولتين ، ولكن من خلال سلسلة طويلة من المعارك والاحتجاجات والتحركات الجماهيرية وتقوية العامل الذاتي والتنظيم والاعداد الجيد للمعارك الجماهيرية. وجاءت التحركات الأخيرة في يونيو 2012م كحلقة مهمة في سلسلة المعارك التي خاضتها قوي المعارضة ضد النظام منذ بداية انقلاب يونيو 1989م، التي بدأت باضراب الاطباء ومقاومة الطلاب واضرابات عمال السكة الحديد وبقية العاملين والمهنيين والموظفين، ومقاومة تحالف قوي المعارضة( التجمع الوطني، تحالف قوي الاجماع)، ومقاومة الشباب والنساء والمزارعين ومتضرري السدود، والمقاومة المسلحة في دارفور وجبال النوبا وجنوب النيل الأزرق.
ولاشك أن مجمل التراكم النضالي سوف يفضي في النهاية الي اسقاط النظام، وهذا يتطلب العمل الدؤوب والمثابرة علي المقاومة واستمرارها والتي تتعرض للمد والجزر والصعود والهبوط شأن كل الثورات التي حدثت في العالم، ولكننا لانعرف اليأس والقنوط من الانتصار في النهاية.


alsir osman [alsirbabo@yahoo.co.uk]

 

آراء