يظل التساؤل والحيرة يلف كثير من النخب والناشطين في المجال السياسي عن أفضل الوسائل والأساليب السلمية لتوحيد وتعبئة الشارع السوداني ضد حكومة ونظام طغمة الإنقاذ، بحيث يتحول غضب الشارع إلى ثورة شعبية عارمة تجبر البشير وحكومة طغمة الانقاذ على التراجع عن هذه العنجهية والاستبداد والجراءة على الفساد وأكل المال العام في شراهة لا يحدها حد وتفوق الخيال وكمثال ما ذكر من العثور على 120مليون دولار مع ضابط متقاعد في منزله!!! وانه يملك 67 قطعة أرض !!!
يبقى أن جزء كبير من النخب والناشطين المنضوئين للأحزاب السياسية ينتظرون الإشارة من أحزابهم بالتحرك الفعال لمنازلة نظام الإنقاذ وهي إشارة لن تأتي لأسباب كثيرة أهمها أن النظام الحاكم مارس سياسة الجزر والعصى مع كل قادة الأحزاب وأستطاع أن يتسبب في أنقساماتها فأصبحت أحزاب فاقدة الروح لا يمكنها أن تقدم البديل او توجه أعضائها وبالتالي فهي عاجزة عن أن تقوم بعمل ميداني يتمثل في النزول للشارع وتعبئة الجماهير وقيادة الشارع وتقدم صفوفه . كذلك نجد أن الغالبية من النخب السودانية والناشطين سياسيا واجتماعيا بلا أحزاب سياسية و لا يجمعهم أطار ثقافي أو نقابي يوحد بين رؤياهم للممارسة السياسية ويجمعهم حول هدف محدد مثل تغير الحكومة .مما يؤدي إلى أن يظل نشاطهم رغم جديته وقيمته العلمية والمهنية والثورية فردي وغير مؤثر!!!
محاولة طغمة نظام الإنقاذ الادعاء بمحاربتها للفساد والقبض على بعض "القطط السمان" مثل السيد اللواء عبدالغفار الشريف واكتشاف ان بمنزله 120 مليون دولار "كلام غريب" !!!، أو توقيف السيد محمد فضل خير رئيس إدارة بنك الخرطوم و التحري مع أخرين مثل وزير المالية السابق إبراهيم محمود حول تمويل قطري لصفقة ب120 مليون دولار، وغيرها. ما هي إلا فرقعات بالونية للإلهاء وشغل الراي العام فترة من الزمن. وغالباً ما تنتهي بتسويات وترضيات بعيداً عن الإعلام وعن المحاكم. والدليل على ذلك أن هذه القضايا لم تظهر إلى السطح إلا لاختلاف لصوص النظام الحاكم حول "الغنائم" أي سرقة المال العام. فمنذ أن رفض البشير التوقيع على قانون مكافحة الفساد الذي أقره البرلمان في يناير 2016م وضح بما لا يدع مجال للشك بأن الفساد مؤسسي ومحمي من البشير شخصيا وذلك لحماية أشقائه الذين ثبتت علاقتهم بكل رؤوس الفساد المالي والإداري في السودان. إذن يجب على الشعب السوداني إلا يلتفت لمثل هذا الاستغباء الذي يهدف فقط لاستبدال بعض صغار ومتوسطي الوجوه الفاسدة التي فاح عفنها بسبب انها طمعت في جزء من غنائم كبار اللصوص. فيتم استبدالها بأخرى أشد ولاء و نفاقاً لكبار اللصوص من دائرة الشر حول البشير. نعم، يجب على الشعب ان يعي انه لا بديل عن اقتلاع الفساد من جزوره وقطع راس الثعبان والا استمرا سم الفساد الإنقاذي يسري ليقضي على السودان وأهله. إن حكومة ونظام طغمة الانقاذ ممثلة في حزب المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي وغطاءهم العام أي تنظيم الإخوان المسلمين هي أس الداء الذي ان لم يتم استئصاله كليا فلا نجاح ولا امل في اي محاولة إصلاح للدولة السودانية.
يبقى السؤال المحير هو أنه برغم ان الشعب يعاني ولكنه لسبب او لعدة أسباب مختلفة لا ينتفض!!! فما هي تلك الأسباب التي تمنع ان تتحول تلك المعاناة والغضب لثورة عارمة ترفض الظلم والفساد والاستبداد. وهل صحيح أن ذلك الغضب والطاقة الناتجة عنه يتم تفريغهما بصورة سلبية عبر الاهتمام بمتابعة مباريات كرة القدم في الدوري المحلي والاوربي والمشاحنات في المواصلات!!! هل الشعب مصاب بهزيمة نفسية أو له قابلية إنهزامية تجعله يصبر على المعاناة على المستوى الفردي والأسري بدلاً عن ابداع وسائل لمقاومة الفساد والاستبداد لنظام الإنقاذ وخاصة إذا تطلبت تلك الوسائل شيء من التضحية بالوقت والمال ولربما النفس !!! لماذا لا تتحول تلك المعاناة اليومية إلى غضب عارم يدك الأصنام على معبد النظام الإنقاذي؟؟؟ هل حقيقة أن وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية وأئمة المساجد وأساتذة المدارس الحكومية والخاصة والانتهازيين داخل كل أسرة وكل حي سكني نجحوا في تغبيش وعي الجماهير خلال هذه ال 30عاما كما نجحوا في الوشاية بكل مواطن شريف غير راضي عن نظام الانقاذ الاستبدادي .
هل صحيح أن تغيير الخارطة السكانية للعاصمة الخرطوم وازدحامها بالقادمين من كل نواحي السودان المختلفة خلق شيء من عدم الاستقرار والثقة بين السكان خاصة وأن الغالبية من سكان العاصمة الجدد هم أكثر ارتباطا بقراهم وقبائلهم ولا يشعرون بالانتماء للعاصمة، وبالتالي فإن الذي يجري بالعاصمة لا بهمهم كثيراً سوى في كيفية الاستفادة منه لإثبات نوع من النجاح الاجتماعي أمام أسرهم وقبائلهم في أنحاء السودان المختلفة «دار ابوك كان خربت شيل ليك منها عود"، وان مجموعات كبرى منهم تهجيرها أو استقدامها من قراها البعيدة تمّ بواسطة أقاربهم داخل النظام الحاكم مما أدى لارتباطهم المصلحي مع النظام.
إن الغرض هنا ليس تجريم أبناء الولايات ورمي اللؤم عليهم في عدم قيام الثورة بل توضيح أن النسيج الاجتماعي الجديد في العاصمة يؤدي لخلق نوع من عدم الثقة بين سكان الحي الواحد وخاصة بعد توسع العاصمة وقيام أحياء سكنية داخلها وخارجها جديدة لا توجد بين سكانها نشاطات سياسية سابقة مشتركة!!!
بل الغرض هو القول بأن الثورة التغييرية الحقيقية تبدأ على المستوى الفردي وهذه الثورة التي تتمثل أول ما تتمثل في اليقين بضرورة المشاركة الإيجابية في اقتلاع حكومة ونظام الإنقاذ، والمساهمة الجادة في إبداع وسائل المقاومة ثم البحث الجاد عن الآليات لتوحيد الجهود مع كل الثوار من الشعب السوداني. يجب على المواطن السوداني الشريف الا ينتظر أن تقوده الأحزاب التقليدية أو الأحزاب الكرتونية صنيعة حكومة الانقاذ. بل يجب عليه ألا ينتظر أن تحركه الحركات المسلحة أو غيرها من المسميات بل يجب عليه هو أن يفرض رؤيته عليها. و أن يعلن رفضه لحكومة ونظام الانقاذ علناً وبأساليب مقاومة مختلفة ومبتكرة، بالطبع ستنتشر روح المقاومة من فرد لأخر حتى تتكون بوادر ثورة عارمة. من المؤكد أن النظام الفاسد الحاكم سيخذل ما أستطاع وبكل الوسائل تلك الروح الثورية بدعاوى مثل عدم الخروج على الحاكم، أو التخويف بان ذهاب نظام الانقاذ سيؤدي للصوملة والحرب الأهلية، أو أن الشعب فاسد لذلك سلط الله عليه البشير وانه كما تكونوا يولى عليكم وغيرها من الحجج الباطلة!!! ثم يحاول النظام إخماد الثورة بالعنف والتعذيب والقتل كما حدث في سبتمبر 2013م، ولكن الثورة الخارجة من رحم المعاناة وثورة الجياع ستتحول الى ثورة عارمة تقوم فيها الجماهير بالزحف نحو القصر للجمهوري كما حدث في 1985م وتحاصره مطالبة باستقالة البشير ونظامه. بالطبع يمكن أن تقع أحداث أخرى مختلفة بحسب قوة قوى المقاومة وتوحدها وفعاليتها.
المؤكد أن النتيجة الحتمية لاي مقاومة للنظام المستبد الحاكم، ستنتهي بهروب جرذان طغمة حكومة الإنقاذ من الثورة القادمة او من القارب الحكومي المتهالك الذي يوشك على الغرق.
أنشد الشاعر مصعب أدم
" مستني آيه...وحدك تحرك
..إنتفض...
ما تنتظر غيرك
في كل صف بنزين وغاز أطلع هناك
أهتف براك
في لحظة تلقى الكل المعاك
واقف قنا
ومعلي لصوت الهتاف لحقنا
وشأن حقنا حنكون كتار
في كل صف حنزيد بنا وكل الشوارع نسكنا
......
"أعرف حقوقك وما تخاف
أرفع الصوت بالمطالب والهتاف
ابقى الوعي..ما تنخدع بزيف الوعود الجزاف
أطرد الكوز والفساد.... وطنك غني محتاجلو رأس ناسا نضاف".