لا تخذلوا (قرنق).. رجاء!! (1) … بقلم: ياي جوزيف
أسس جديدة
"جون قرنق قائد بطل.. وزعيم لن ينسى أسمه، لا بل لن تنسى أفريقيا وكل الأمم المغلوبة على أمرها دفاعه عن كرامته وإنسانيته وتضحيته بأغلى ما يملك في سبيل الوصول إلى مبتغاه..." ـ مسعود عكو الكردي ـ أغسطس 2005م.
الحقيقة، استوقفني وشد انتباهي بقوة تطابق المعاني والهم والحذر والزمن وأنا اتفحص مفردات للأستاذ مسعود عكو (الكردي) من أقصى سوريا .. ووالدتي العزيزة.. وما استوقفني أكثر في ذلك اختيارهما لتعابير (بليغة) جعلتني اتساءل في نفسي: وأتذكر محادثة تلفونية دارت بيني وبين والدتي طال الله عمرها في أغسطس 2005م.. بعد تلقيها خبر مقتل الشهيد الدكتور جون قرنق قائلة: ( أوعك يا ولدي تخلو قرنق يموت مرتين ولا تخذلوا بابا (قرنق) رجاء يا ياي.. هي دوماً تنادي قرنق بابا لعلاقتهما بالدم.. التركيز هنا على عبارة (قرنق يموت مرتين) .. هذه فيها استفاهمات وعناوين لبحوث وتحليلات لا تحصى أبداً.
المهم، هذه الأيام تمر الذكرى الخامسة لرحيل الدكتور جون قرنق دي مبيور القائد، والمفكر العظيم، وزعيم المهمشين، ورجل الدولة النافذ، والمتمرد العنيد، والثوري الجسور، والأكاديمي الفذ، والأب الحميم، والعم العطوف، والخال خال، والأخ العزيز.. كل ذلك.. وكأني بالناس وهم يعيشون هذه الذكرى، يتمنون لو أنه بقي حياً بيننا، ليرى كيف أحلامه وطموحاته تتحقق؟!.. أتخيل كيف أن الأم ترى طيف وصورة (جون قرنق) على جبين ابنها الوليد الجديد وهي تتساءل في ضميرها أهل أنت خليفة (قرنق) المنتظر؟! .. ولطالما الصغير لا يتكلم ولا يرد بـ"نعم أو لا" سيظل هذا السؤال هكذا ..؟؟ .. والأنفس غير مطمئنة.
ما أشبه الأمس باليوم ونحن نختلف ونتعربد ونرعد ونتجادل هل رؤية قرنق دي مبيور (نيو سودان) ماتت أم لا؟!.. كنت لا أود أن لا أخوض في ثنايا وخفايا الجدال.. لأسباب واضحة ولا داعي لذكره هنا.. لأننا نحبس أنفاسنا (كلنا بلا استثناء)...
الذكرى الخامسة هي فريدة من حيث المحتوى والمضامين والأهداف لأنها تأتي في مرحلة حساسة وفاصلة من تاريخنا السياسي والبلاد مقبلة على حق (الاستفتاء).. وربما نستبشرها بالخير والسلام... وسلام عليك يا شهيد وفدية الملايين من المهمشين على طرف رصيف الحياة السودانية.
الذكرى الخامسة هي الميل الأخير من مشوار (التحدي) بأن نكون أو لا نكون..!!.. لذلك جاءت تحمل لمعان شعارها فكرة مؤسس المنهج: (جون قرنق رؤية لا تموت..).. نعم شعار معبر وجميل.. ولكن ((هل؟!)) وأكرر لكن و(أيوه) والله "لكن" هل لم يمت قرنق ورؤيته؟!.. بالطبع يقال بأن الأفكار لا تموت والأجدى أنها تنفى وتزول مع زوال مروجيها ومفكريها، لذلك أنت مختلف معي وردك مهما تحايلنا على بعضنا البعض!!.. والحكاية بعدها تبقى حكاية ومن ثم أخرى..!!
بيد أن فكرة المسرحية تتلخص في هذا المشهد, وعلى وجه التحديد في هذا الحوار (موت الزعيم).. وهو المشهد المؤلم في واقعنا الخالي.. الدكتور قرنق مات وماتت أشياء كثيرة معه الحكمة، والمثابرة، والشجاعة، والإصرار والكارزمية، وووووو..
إن رفضنا ودفنا روؤسنا في الرمال فإن الحتمية تقول غير ذلك ووصية والدتي تظل قائمة (لا تخذلوه) في أفكاره وأسلوبه ورؤيته المتجددة وهذا لسان حال المواطن (البسيط) الذي لا يدرك ولا يعي الكثير عن الحياة السياسية. ولا مجال فيها للعواطف والمجاملة والمشاعر المتقلبة.. وضغوط (العوائل!!).. نحن عشيرة فلان ودا حقنا!.. وتضيع في الوسط حقوق الأخرين.. طبعاً غريبة وشيء غريب ومرعب..!!
في القصر الجمهوري أبان حفل أداء قرنق (الحليفة) كنائب أول، وقتها كنت ضمن الحضور حين فاجأ د. جون قرنق الجميع وأخذ بيد كوفي عنان ـ ليعيده إلى جذوره (النوبية) رغم أنه من الشقيقة دولة غانا راقصاً معه بكل فرح، كاشفاً عن قلب ممتلئ بالأمل في غد جديد، ومصدقاً أن السلام لا رجعة عنه حسبما أعلن مراراً.
اليوم أصبح موضوع الاستفتاء ومصير جنوب السودان، طبخاً رئيساً في موائد التحليل عبر الصحافة والمنابر السياسية والاجتماعية.. سائلين يا رب انفصال ولا وحدة؟!.. وآخرون لجاؤوا لتنبؤات (أخطبوط بول) المونديالي، أهي ولد أم طرة وبكم يا رب؟!!..
أستوقفتني كثيراً أحاديث حول الاستفتاء، خاصة في الاعلام المحلي، وحجم الافتراضات التي لا ترتكز على قدم وساق، والأحكام التي لا يتبعها دليل موضوعي ومنطقي تركن عليه، بل التلبيس في استعراض الوقائع من جانب المحللين و(المخبرين)!.. الذين لا يحترمون عقول قرائهم، ولا يملكون الحد الأدنى من المصداقية في سرد الواقع كما هو من الحقائق المجردة بدلاً من الحدس والتخمين. رغم ذلك، لا يريد الواحد من أولئك الواهمين بلا جدوى، أن يعترف بالعُلقة السببية بين فعل الأمس ورد فعل اليوم، وفي ذلك (زوغان) عن الحق والواقع والمنطق.
أطروحة "نيو سودان" قد رفضت منذ البدء، انفصال الجنوب عن الشمال كحل لـ(مشكلة الجنوب) ورفضت لسببين: أن تلك المشكلة المُدعاة بـ(الجنوبية) هي نتاج للمشكل السوداني ككل.. وأن الإنفصال هو هروب في رأيه (نقصد قرنق)، بل هو تعبير عن عقدة النقص المركب. لهذا لقب قرنق انفصاليي الجنوب بـ(a fossilized regional human sub specie). فالسودان، هو مِلك لكل أهله.. والترجمة العربية هي: "أنسان دوني متحجر اقليمي"..
أس جديد:
وفي الحلقة المقبلة سوف نفضح خفايا وأسرار ومقاصد الغوغائية الانفصاليين الشفهائيين... كما قال المسيح: (ليس كل من يقول يارب... يارب يدخل ملكوت الله).. ونحن نقول ليس كل من يقول الانفصال.. الانفصال نصدقه أو يعمل من أجل الجنوب...
ونواصل،،،
yai dedut [ydedut@yahoo.com]