من (هم) آكلة التيراب؟!..(1) …. بقلم: ياي جوزيف

 


 

ياي جوزيف
6 August, 2010

 

أسس جديدة ـ بصحيفة أجراس الحرية


الكاتب: ياي جوزيف

مما لا يختلف فيه اثنان، أن السودان يمر بمرحلة مفصلية دقيقة بين ظلال الوحدة والانفصال. ونحن مقبلون على خوض الاستفتاء في (يناير 2011م).. وبهذا يستوجب علينا تسليط الأضواء على هذا الحدث التاريخي المهم، مستصحبين معنا روح احتفائنا بالذكرى الخامسة لرحيل المفكر والقائد الدكتور جون قرنق دي مبيور ـ له التحية والسلام في مرقده.

عمومأ، سنحاول بما سنورده من منطق تحليلي تبيين بعض الحقائق مع ذكر أهمّ علامات التوقف في مشوارنا نحو "نيو سودان" أو رؤية السودان الجديد كآلية الحكم والمرشد السياسي في تجربتنا السياسية التي كانت فيها تطورات وأحداث الواقع الميداني تسير بسرعة كبيرة، وهذا يتطلب منا الصراحة والشفافية والإتزان، وأن نجاوب على مجمل الأسئلة التي ظلت تداهم أذهان الكثيرين منا بين الحين والآخر، ونحن على النهايات من خط الـ(فينشن finishing-line!)، كما يقال في لغة (المارثون).

أدرك أن الكثيرين من عضوية الحركة الشعبية وأناس آخرين سواء [أكانوا] أصدقاء أو أعداء لنا خارج سرب الحركة الشعبية في الجنوب والشمال سينزعجون من هذه المقالة، وأدرك أيضاً أن بعض (القوى!) ستريحهم جداً هذا الكلام ينهش في العظام!!.. ولكنني لست مسؤولاً في الحقيقة عن أي إلتباس في (القصد أو المقصود)، أو عن الإنزعاج، والتهليل وشاء من شاء وأبى من أبى. وهنا تأتي الأسئلة الكبيرة التي تنتظر الاجابات وهي:

* هل رؤية "نيو سودان" بخير أم ماتت بموت مفكرها د. جون قرنق؟!..
* هل أنموذج ممارسة السلطة في الجنوب اليوم هو الأنموذج المنشود؟!..
* هل الوحدة ممكنة في ظل (القيادة) الحالية؟!.. وهل توجد ظروف آنية تجعل من الانفصال خياراً؟!.. أم نترك السياسة ونقول دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله؟!..
* هل من مخرجات في الأفق؟!.. ولكن السؤال الموضوعي الكبير من أكل التيراب أو من هم أكلة التيراب؟!..
* هل تعاني الحركة الشعبية من أزمة اللا قرار في لحظات الحاجة؟!..

انه لمن الصعب أن نتصور أن يحدث (التغيير!) أو الفعل السياسي  دون التنقيب والبحث في التاريخ لاستقراء المستقبل، بل والأسوأ من ذلك هو الباس أحدهما ثوب الآخر، بحيث يصبح من الصعب التمييز بينهما.. ولضمان استمرارية واستقامة المشروع، لا بد من الحوار العميق والصريح  بدلاً من (تكسير التلج!) الذي يهلك الزعيم أو (الحاكم!)، وتُهلك دائماً عندما يطغى عليها الإعجاب وهي أداة تغيير وإنفاذ، كما تهلك (السلطة) أيضاً بالاحتجاب عن المجتمع الذي هو مبرر وجودها ومصدر شرعيتها.

إننا لنزعم أن مرحلة الصمت أو (المشاهدة!) عبر منازلنا قد استنفدت أغراضها  والتي أثبتت فشلها، فإننا نرى أن المرحلة الراهنة تحفها المنهجيةالمجتمعاتية المتأنية، ومن حركة تحررية إلى دولة وسلطة، ومن حركة أفراد إلى المجتمع بكامله، ومن إنسان (السلطة) إلى دولة الإنسان الوسيلة والهدف.. ومن الحكم إلى التحكيم والحكمة.

أنا وأعوذ بالله من قولة "أنا".. لا أؤمن بمقولة "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله" أرفض هذا المنطق الهزيل ـ أي أسلوب التلطف بـ(السلطة!)  والزعيم معاً، وترك المجتمع بلا قيادة، بل تطحنه أزمة اللا قرار ولا يعرف إلى أين يتجه.

يقول الفيلسوف الألماني هيغل أن: (.. وينبغي أن ننظر إلى التاريخ بعين العقل القادرة وحدها على اختراق السطح المبرقش للأحداث اليومية).. إذاً يبدو لي أن رؤية "نيو سودان".. الآن ليست بالخير. فعلياً رحلت الفكرة مع رحيل د. جون قرنق، وربما للبعض تبدو وإنها حية (إكلينكياً!) في الأوراق والكتب والحكاوى، أما على أرض الواقع فهي (ميتة!) وشبعت موتاً. وبالطبع سوف تسألني وكيف هذا؟!.. نعم .. الاجابة بسيطة وتظهر ملامح ذلك في (نموذج) أصحاب القرارات في حكومة الـ(جوس ـ GOSS)، التي فشلت في تطبيق (الرؤية) في نقل المدينة إلى الريف و(دمقرطة) الحياة العامة .. وهذا هو الفرق بين القراءة داخل الصندوق، حيث توجد المؤثرات الذاتية والمنفعية والقراءة خارج الصندوق من أجل المصالح العامة ـ وهو فرق جوهري ينبع من ما هي الرؤية التي مهرت بدماء مليوني شهيد!!.. وما هي الرؤية اللدنة القابلة للتطويع!!. وهذه الجدلية هي جدلية الصراع بين السلطة ورغبات التغيير، وغالباً أبطال هذا التغيير هم الذين خارج الصندوق ويواجهون بالاحباطات والعزل.

يقول الكاتب مايك فانس (أن الخروج من البيضة هو خروج من الصندوق إلى العالم الفسيح)..  ورؤية السودان الجديد هو العالم الفسيح الذي خرج منه د. جون قرنق الرجل العظيم والبطل، أستغرب من الرافضين، فمن أين أتوا؟!.. الرجل العظيم هيغل: (هو ذلك الشخص الذي يستشعر بما يطمح إليه وعي البشر في عصره ـ ويحققه ـ ووحده يعرف ما هو هذا الشيء المبهم الغامض ـ ويعرف الطريق للوصول إليه ـ وهذا ما يفسر الاجماع حول الرجل العظيم أو البطل ـ الشعب دون الرجل العظيم لا يعرف كيف يتجه، ولا كيف يمسك أول الخيط الذي يؤدي إلى الخلاص .. إلى الحل وإلى الفجر)..

وما زالت ثقافة (تكسير التلج) وأسلوب (البينج!) والتي جعلت منه إنسان السلطة هي التي تغازل البقر والغنم بدلاً من، وتهز الوجدان من خلال هزها للماضي وقدسيته في الذاكرة الصلدة التي لا تقبل أن تستوعب من الحاضر غير أنها تستسلم وترضخ إلى الأمر الواقع كما تستسلم لقدر قسري بكثير من الشك والحيرة ..

ولقد ظل (هؤلاء!) بالمعنى السيء للكلمة، مراجع سياسية قديمة ومهلهلة، وكلما زادت الاخفاقات في الحاضر ارتكنت إلى التاريخ مجدداً بوصفها تاريخاً حياً، ولهذا السبب لم تستطع هذه (الرؤية) أن تكون نواة للتغيير.. ولا يتغير من لا يستطيع أن يقود أي تغيير. ومن لا يعرف أن رؤية (نيو سودان) قد غادرت الميدان الفعلي سيجتر تاريخاً غادره التاريخ.. واستخدم مقولة ماركس: (لقد قلت وخلّصت نفسي)..  ولا ندع ما لقيصر لقيصر ولا نصمت بعد الآن وصاعداً...
 

 

آراء