لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين

 


 

كمال الهدي
24 October, 2021

 

تأمُلات
. " لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين" قالها رسولنا الكريم محمد (صلوات الله وسلامه عليه) لأسير كافر أطلق سراحه خير البشر مرة بوعد ألا يعود لمحاربة المسلمين، لكنه لم يحفظ العهد، ولما أُسر أبو عزة الجحمي مرة ثانية في أُحُد وطلب من رسول الله (ص) المِنة مجدداً سمع هذا الدرس من أعظم الخلق.

. وشعب السودان مؤمن إيماناً حقيقياً، ولهذا لا أتوقع أن تُلدغ هذه الملايين الثائرة من ذات الجُحر مرتين.

. فبعد سقوط الطاغية الكريه البشير وتنصيب ابن عوف رئيساً للمجلس العسكري هاج الثوار رافضين البديل الأبغض فكان طبيعياً أن يسعى المتآمرون سريعاً لترفيع بديل يكون مقبولاً بعض الشيء.

. وعندما خرج البرهان لمقابلة المعتصمين وهو برفقة ابراهيم الشيخ هدأ الثوار وظنوا أن الأشياء هي الأشياء.

. وعلى المستوى الشخصي انخدعت بهذا البرهان ليومين اثنين لأنني كنت أجهل تاريخه الأسود في دارفور وعلاقته بالدعم السريع.

. لكن في اليوم الثالث ظهر لي ألا خيراً يُرتجى من هذا البرهان، وأذكر أنني نشرت تسجيلاً صوتياً لأول مرة قلت فيه أن استبدال أفراد اللجنة الأمنية للساقط البشير (بالقطعة) لن يجدي نفعاً، وأن على الثوار أن يرفضوا المجلس العسكري برمته.

. واليوم يعيد هذا التاريخ القريب نفسه.

. ويبدو أن القوم ما زالوا يعتقدون أنهم أكثر ذكاءً من غيرهم مع إنهم الغباء يمشي على رجلين، ولو لا بعض الظروف وسفالة بعض ساساتنا وعاطفة السودانيين الدينية لما حكموا هذا البلد ليومين اثنين دع عنك ثلاثة عقود هي الأظلم في تاريخ السودان.

. ثمة محاولات جديدة لامتصاص غضب الثوار.

. فبعد فشل الكثير من المساعي الخبيثة آخرها حركة جبريل ومناوي وأردول وهجو (الجبانة) وتأكيد الثوار على عزيمتهم التي لا تلين في الحادي والعشرين من أكتوبر، بدأنا نسمع حديثاً عن استبدال البرهان والكباشي بضابطين آخرين.

. وأكثر ما أسفت له هو أن تصدر الدعوة لمثل هذا التغيير الصوري من ابراهيم الشيخ.

. و لو كنت مكان هذا الزعيم السياسي لطلبت من شخص غيري أن يتقدم بمثل هذا الاقتراح الهزيل لسبب يعلمه الكل.

. وغض النظر عمن يقفون وراء هذه الخديعة الجديدة التي يفترض ألا تنطلي على أحد، لأن ذلك لو حدث فعلى الوطن السلام.. غض النظر عن ذلك نقول للمتآمرين الخارجيين أن شعبنا لم يخرج بتلك الجموع المهولة من أجل استبدال أحمد بحاج أحمد.

. وما رأيكم أيها المتآمرين إن قلنا لكم أننا لا نمانع في بقاء البرهان نفسه كقائد للجيش شريطة أن يلتزم التزاماً كاملاً بالوثيقة الدستورية على علاتها.

. لن تضحكوا علينا مجدداً، فأي ضابط رفيع يمكن أن يحل مكان هذا البرهان سيكون كوز كريه، أو في أفضل الأحوال رجل هين لا بهش ولا بنش.

. الخيار الوحيد الذي يمكن القبول به هو إعادة ضابط معروف أُحيل للمعاش في زمن (الأوغاد) ليرأس هذه المؤسسة الهامة، ولو أن الأهم هو تنفيذ ما تم الاتفاق عليه وليس تغيير الأشخاص.

. ولا تنسوا أن التسريبات التي يُقصد منها تخفيف حالة الاحتقان لم تأت على سيرة حميدتي وكأن قواته شرعية وأنه كقائد لها تتدرج في سلم العسكرية وخاض حروب تحرير لاسترداد بعض أراضي الوطن من المحتلين.

. كفانا مهازل يا قوم وخيانة لهذا الوطن وعمالة للآخرين.

. اتقوا الله في أنفسكم، وتذكروا ذلك اليوم الموعود، واجعلوا في قلوبكم شيئاً من الرحمة والرفق بأهلكم، وأنظروا لحال أمهات الشهداء اللاتي فقدن فلذات أكبادهن الذين قدموا أرواحهم الطاهرة فداءً لهذا الوطن، لا من أجل عيون البرهان، حمدوك، حميدتي، الكباشي ولا ابراهيم الشيخ أو غيره من الساسة.

. الفترة القادمة فترة انتقال السلطة للمدنيين والأمر لا علاقة له بوجود زيد أو عبيد على رأس المؤسسة العسكرية، بل يرتبط ارتباطاً واضحاً بالإستخدام الكامل لصلاحيات رئيس الوزراء الذي منحته الوثيقة المثقوبة الكثير من السلطات التي تنازل عنها للعسكر في الأشهر الماضية، بما في ذلك ترتيبات السلام التي ترك جملها بكل حمله لحميدتي والكباشي و(المتعسكر) التعايشي فأدخلونا في ورطة جبريل، مناوي، أردول، هجو، الجاكومي وأشعلوا النيران في شرقنا الحبيب وكمان في الآخر جايين يعتصموا من أجل تسليم كل شيء للعسكر.

. ما زلت _ بالرغم من عتاب الكثير من الأصدقاء والقراء _ أرى أن العلة في دكتور حمدوك.

. وقد جدد شعبنا تفويضه الكامل له في 21 أكتوبر ولم تعد أمام الرجل أي فرصة للمناورة.

. وأعيد وأكرر أنه ليس هناك اختلاف رؤى وصراع أفكار يتطلب حكمة أو تفكير متأنٍ من حمدوك أو غيره.

. فما نراه ونعيشه واضح وجلي وهو أن هناك ثواراً حقيقيين يريدون إكمال ثورتهم التي ضحوا بخيرة شبابهم من أجلها في مقابل شلة من الأرزقية والمتكسبين والخونة والعملاء.

. هذا هو المشهد عارياً ودون تنظير أو محاولات تجميل وحديث مجاملة.

. فإما أن يتصدى حمدوك لمسئوليته التاريخية ويضغط داخلياً وخارجياً مسنوداً بهذه الملايين التي خرجت للشوارع في 21 أكتوبر لتصحيح الأوضاع، وإلا فسوف يكون الرجل (في رأيي على الأقل) شريكاً في أي سوء يصيب هذا الوطن.

. لم تعد هناك منطقة وسطى تحتمل كثرة التنظير والجدل حول أمور وضحت تماماً.

. حمدوك المدعوم دولياً يفترض أن ينقل رغبات وتطلعات شعبه كاملة للآخرين ويقول لهم بالفم المليان " شعبي يريد تغييراً كاملاً وجاداً"، وحين ينعدم الدعم عليه أن يرجع لهذا الشعب الثائر الذي فوضه ليرى ما هو فاعل تجاه مؤآمرات الخارج إن أصر المتآمرون على مواقفهم بعد كل هذا الثبات من شعبنا.

. أما أن يجتمع حمدوك أو يتفاكر مع مفسدين استغلوا موارد الشعب لتمكين العسكر، ويعتبر السارق وخميرة العكننة جزءاً من الحل فهذا لعمري العبث بعينه.

. شلة إنس تدعي أنها ترغب في حكومة كفاءات فينساق وراءهم بعض الأرزقية دون أن يسألوا مناوي وأردول وعسكوري وهجو وجاكومي عن كفاءتهم هم أنفسهم.

. الحل واضح وبين يا حمدوك، وأعيد وأكرر أنه لم تعد هناك منطقة وسطى.

. كما لم يبق هناك متسع من الوقت فالوطن على حافة الانهيار الكامل.

kamalalhidai@hotmail.com
/////////////////////

 

آراء