لجنة التفكيك ومنزلقات اللجان المساعدة

 


 

 

 

كمقدمة دعنا نقول أن منظومة الفساد شديدة التعقيد ، ولا يستطيع خلخلة شباكها و فك مغاليق دروبها المتفرقة إلا أولى العزم، وذلك لأسباب كثيرة من بينها أن طول السنين قد أتاح للمفسدين فرصاً عديدة لتجويد أساليب فسادهم وتنويعها وإخفاء الأثر كأنما الفاعل كان "يمشي على الماء".

برنامج "صنائع الشر" الذي يذاع على الفضائية السودانية مساء الأحد من كل إسبوع، أتاح لمتابعيه أن يروا بالصوت والصورة كيف أجهز نظام الإنقاذ على المؤسسات الكبرى والتـأريخية السودانية و عمل فيها هدماً و تكسيراً وكأنها ملك للأعداء. وكذا الحال مع برنامج "بيوت الاشباح" (يذاع مساء الثلاثاء ويعاد الخميس) الذي يكشف كيفية تعذيب وإهانة النظام لمخالفيه في الرأي بأساليب وحقد لا يقبلهما عرف ولا دين. من الناحية الأخرى فإن المؤتمرات الصحفية للجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989(الانقاذ) تقوم أيضاً بدور محوري وهام لتبصير الشعب السوداني عملياً بأمثلة فساد يشيب لها الوليد، حتى لتسأل نفسك، هل تأكل شمولية الدولة الدينية الضمائر كما تنتهك و تبتلع الحريات الفردية و الجماعية قبلها، أم أن الضمير هو شى مثل "الزائدة" يرتبط وجوده بوجود الحرية وبانعدامها تنمو مكانه "طفابيع" أخرى -في قول القاص بشري الفاضل- و تختفي القيم المرتبطة به (الضمير) من الأمانة والصدق و الأخلاق و غيرها.
ورغم اختلاف الأراء حول تلك المؤتمرات وما أسماه البعض تشهيراً، و أن مكان ذكر أسماء الذين نهبوا المال العام هو ساحات القضاء ، إلا إني أرى أن تلك المؤتمرات لها الأثر الايجابي الكبير في تقليل الفساد مستقبلاً. وذلك أن وسيلة "الرَّدع بالنَّشر الإعلامي" شى هام في تقديري في محاربة الفساد . السبب بسيط، و هو أن أغلبية البشر "خاصة في مجتمعاتنا الشرقية" يخافون الفضيحة أكثر مما يخافون الله أو القانون. بقى شى واحد لكنه هام و"عليه الرَّك" وهو يجب أن تكون أدلة الفساد في الحالات المذكورة واضحة ومقنعة و غير قابلة للدحض.
نأتي الان الي بيت القصيد في هذا المقال. إن الشى الذي يمكن أن يفسد على لجنة التفكيك دعم الغالبية العظمى من الشعب السوداني لها في عملها و متابعة كشفها لما تم من فساد وإسترداد المنهوب من المال العام هو التراخي في المحاسبة أحياناً أو الثقة المطلقة في اللجان المساعدة لها في مؤسسات الدولة المختلفة. اللجان المذكورة هي فروع للجنة الأم وهي تقوم بالتوصية بالفصل بغرض تفكيك التمكين من قبضة الإنقاذين (الكيزان، في عرف الشارع) على مفاصل تلك المؤسسات حتى تنطلق عجلة إتخاذ القرار السليم و سرعة إنجازه لمصلحة الجميع.
لكن هنالك أسباب تدعو للحذر وهي متنوعة وأوضحها الطبيعة البشرية والنفس الأمارة بالسوء، على الأقل من كثرة مظالم نظام الإنقاذ وما قام به زبانيته ومنسوبيه في المواقع المختلفة وخارجها ، على الجماعات والأفراد و من بينهم ربما أعضاء تلك اللجان. ولذلك فالأفضل للجنة التفكيك الأم العمل بالقول المشهور (الحزم سوء الظن بالناس). تكونت كثير من هذه اللجان الفرعية من عضوية لا تخلو من ناشطين سياسيين ، و الشباب من بينهم ليسوا قليلي العدد، وهذه التركيبة قابلة للاخطاء والتجاوزات. وترياق تجاوزات هذه اللجان عموماً ولجم غضبتها علي منسوبي النظام لتكون في حدود ما يستوجب الفصل من أسباب تمدها بها اللجنة العليا ، هو إخضاع توصياتها لتدقيق وتمحيص شديدن وفقاً للمعايير التى تأخذ بها اللجنة العليا كأساس للفصل في إطار مهمتها .

أشرت في مقال سابق (سودانايل الالكترونية وصحف ورقية اخري في 4 ابريل 2020) بعنوان "لجنة التفكيك وملء الشواغر: باب الشفافية واسع" إلى أهمية أن تراعي لجنة تفكيك نظام الإنقاذ طرح ما أجازته من أسباب مؤدية لفصل منسوبي النظام السابق ونشرها علي الملأ في وسائل الاعلام. وقلت أن رأيى هو أنه لا يجب أن يكون الفصل فقط بجريرة إنهم ينتسبون للمؤتمر الوطني وواجهاته ومسمياته المختلفة لأن ذلك إرث ثلاثين عاما لا يمكن محوه في لحظة واحدة. ولكن يطال الفصل المتعدين منهم على الوظيفة العامة فسادا، أو بعدم احقية توليها في المقام الأول من بين أسباب أخري. والأصل هنا هوأن ثورة ديسمبر - أبريل المجيدة لا يمكن أن تخلق لها جيشاً مضادا من الأفراد و الأسرممن يعتقدون أنهم مظلومون من قبل الثورة. و من الأسباب الموجبة للفصل –كأمثلة- يمكن أن أشير إلى التالي :
- الشخص الفاسد
- الموظف الذي حاز على الوظيفة دون وجه حق (دون منافسة مثلاً)
- الذي تم نقله من مؤسسة أخرى ليس لها علاقة بالعمل في المؤسسة الجديدة أو بغرض التجسس على زملائه أو رؤسائه أو تسريب الوثائق والمكاتبات الرسمية لجهة ثالثة
- المنتسب إلى النظام السياسي (أي عضو المؤتمر الوطني) الذي كان سلوكه عنيفاً و مهدداً (بشتى الوسائل) للعمل المؤسسي ولزملائه لأغراض سياسية أثناء تسلط النظام
- الذي ترك العمل وذهب مجاهداً في الحرب (لأسباب دينية) فالروح الجهادية أوالقتالية الذي تشبع بها لا تجعل منه شخصاً مأموناً في مؤسسة مدنية عملها يخضع للرأي والرأي الاخرمن الزملاء والرؤساء.
- عدم فصل الزوجين معا حتي اذا انطبقت الاسس والمعايير علي كليهما، مراعاة للاسرة إذ لا ذنب لأطفالهما فيما فعلا.
قائمة الاسباب أعلاه أوردتها كأمثلة و وجهة نظر شخصية قابلة للحذف والإضافة ، لكن الشىء المهم هو وجود مثلها لتكون الدليل الواجب الالتزام به و الموّجه لتصرفات اللجان الفرعية المساعدة والتي توصي بالفصل في المؤسسات المختلفة.
لقد علمت أن للجنة العليا للتفكيك قائمة بالأسباب الموجبة للفصل أطول مما ذكرت و لكنني حقيقة لم أطلع عليها إذا تم نشرها في أي وسيلة إعلامية . أما إذا لم يتم النشر أصلا يكون ذلك خللاً بيّناً ودرعا دفاعيا للجنة – قامت بإهماله – لأن الشفافية هي الوسيلة الفعالة ضد كل مروجي الإشاعات و الناقمين علي اللجنة من أبواق النظام السابق. وهم في حملتهم عليها لا يصدرون عن حجج مقنعة سوى أنها لجنة تشّفي وإنتقام. وحقيقة فإن من يشاهد برنامجي القناة السودانية "صنائع الشر" و "بيوت الأشباح" المشار إليهما آنفاً لا يمكنه إلا إزدراء من يدافعون عن نظام الإنقاذ و منسوبيه من الفاسدين والقتلة ومخربي مؤسسات وطن يكفيه ما فيه من ظلم ابنائه.

خلاصة رأيى أن الظلم مرفوض مهما كان مصدره، و "الثوري" و "الكوز" كلاهما بشر، لكن السلوك يجب أن يختلف – خاصة و قد رأينا من شرور النظام السابق ما لا يصدق وما لا يجب أن تسمح الثورة بمثله ولو بنسبة واحد في الألف . أسمع أنه اللجنة تقول عن حق الاستئناف للمتظلمين ، و في رأيى هذا ليس سبباً كافيا ولا معقولاً لرد الظلم عند المصدر وقبل أن يتم إتخاذ القرار النهائى المذاع على الملأ وأقصد هنا بالتحديد حالة فصل الأفراد.
الأخوه أعضاء لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو الموقرين. رجاء أنشروا معايير الفصل والزموا لجانكم الفرعية بها وكونوا لجاناً موثوقة ممن ترون لمراجعة القوائم قبل النشر و قبل أن تتراكم الإستئنافات بعد اتخاذ القرار وتزداد عليكم السهام المغرضة التي يمكن ردها قبل أن تنطلق. حصِّنوا اللجنة بالحكمة ، والحزم مع اللجان الفرعية. الدولة العميقة عندها ما يكفي من اساليب شيطنة فلا تعطوها اسبابا إضافية.
صديق امبده
5مارس 2021

sumbadda@gmail.com

 

آراء