لحظــة عــدم أو لحـظة حــياة
عــزيزة عبد الفــتاح محمــود
5 April, 2014
5 April, 2014
كغيري من المنتمين للدول النامية والآن أصبحت أقل نموا ً ، لا أجيد تقديم الحلول ولكن يجذبنا الإستغراق في المشكلة والدوران بداخلها لفترة طويلة من الزمن حتي ـ هذا إن حالفنا الحظ ـ تأتينا خبطة من ذات المين أو ذات الشمال فنفيق ونحن في ـ وسط الدايرة ـ وأيضا ً كثيرا ً ما أمـّنت علي أن مالك الحزين ذلك الطائر الذي لانعرف سبب حزنه ، أنه طائر متفوق حتي ولو بادر بحل ّ لمشكلة لا تخصه وعجز عن حل ّ مشكلته الخاصة عند المواجهة إلا أنه مخلص في حلـّه لمشكلة علي الأقل وبذا يكون قد أنقص من عدد المشاكل ورضي بأن يكون الضحية . القصة معروفة عندما إشتكت (القمرية) لمالك الحزين بأن الثعلب يأتيها كل يوم تحت الشجرة التي تضع فيها صغارها ويهدّدها بأن ترمي له الصغار لقمة سائغة وإلا تسلّق هو الشجرة وأكلها هي وصغارها ، فتقوم القمرية المسكينة برميّ الصغار واحدا ً وراء الآخر ليستمتع الثعلب بوجبة بروتين حيواني كاملة ، الي أن صادف وسمع مالك الحزين بقصة القمرية فأرشدها الي أن لا تنصاع الي تهديدات الثعلب وتأمره بلهجة تحدي أن يحاول أن يتسلق الشجرة (لو راجل وماعندي صغار برميهم ، أنا لا قياهم في الشارع ) ..! وهذا ما كان من أمر القمرية بالحرف ، الثعلب المكار عرف أن هذا التدبير ليس من بنات أفكار القمرية ، فسألها من علّمك (يا جميل) فأخبرته بأنه مالك الحزين . الثعلب ترصّد لمالك الحزين وبعد السلام والتحايا سأله : (دحين يا مالك ، لو مرة الرياح جاءتك من جهة الشمال ، تقبّل وين ؟) فردّ مالك : ( شايف جناحي الكبير دا ؟ حأرفعو زي المظلة كدا جهة رياح الشمال ). الثعلب : (أها لو جاءتك من اليمين ) فقال الحزين : (طوااااااالي بس شفت أرفع ليك جناحي اليمين قصاد ريح اليمين) ، (طـيّب لوجاءتك من كل الجهات .. تعمل شنووووووو؟) ، ( ما بلف علي جناحيني الإتنين ديل ..! ) ، (كدي وريني يا شاطر) ... الثعلب يعرف كيف يتحصل علي لقمته يوما ً بيوم ونهـنئ الثعلب علي صبره الذي أوصله الي الحصول علي طائر كبير ، بالغ راشد ( لكن دقس مرة ) زي مالك الحزين . نعود الي كون إنتماءنا الي الدول النامية ، رغم مأساوية القصة التي أعدت سردها من ذاكرة تنتمي الي (كذا) جيل الي الوراء ، يمكننا الإستفادة منها إقتصاديا ً ولكن أيضا ً دون مطالبة بحلول فنحن بحكم إنتماءنا الأقل من التنموي لا نملك حلولا ً ولكن لا بأس من إعادة (حكي ) المشكلة والحوار بشأنها مرة بعد مرة وتقديم النصيحة ثم تعداد كم يكفي ضحايا طيور من نوع مالك الحزين تحديدا ً لنعالج مشكلة العطالة وماهي بعطالة .
قلنا أن الطائر مالك الحزين راح ضحية تقديم النصح البيّن لغيره وفشل في أن يحمي نفسه بنصيحة أو حتي توخي الحذر . تلك اللحظة التي فشل فيها مالك في إستيعاب ما يواجه ، هي لحظة إعدامه بالضبط . قد يكون هناك تساؤل ـ وهو مشروع بالطبع ـ وما علاقة لحظات مالك الحزين العدمية وفشله في إتخاذ القرار المفضي الي نجاته من بين فكي الثعلب ، وحياتنا نحن كدول تنتمي الي العالم الثالث ؟ أقول ليكم .. ببساطة لأننا نتشارك اللحظات ذاتها ، نحن ومالك والثعلب والقمرية ، تضمنا جميعا ً نفس اللحظات . وإليكم دليل واقعي معاش ، مثلا ً القرار الذي إتخذته ولاية شمال دارفور بتأجيل إمتحانات كذا ألف طالب أساس ، هي ذات اللحظات التي يتشارك فيها كذا ألف طالب من الولاية الشمالية معرفة نتائجهم وجهدهم وإعلان فرحهم بإستشراف مرحلة جديدة من حياتهم . وبعملية حسابية يتدخل فيها توقيت اللحظات ، فقد لا يقرر عدد ألف تلميذ مثلا ً من الولاية دخول الإمتحانات ، ليس لأنهم قرروا لحظات عدمهم بنفسهم ولكن لأن أسرتهم قررت قرار حياة والنجاة بالنزوح الي مدينة أخري ، فما يبدو لحظة عدم هو قرار نجاة ولكن مع فارق سنة دراسية بالناقص . مثال ثاني ، بينما أقرر بداخلي أن أستمر بقوة بصدد ما أنا مقبلة عليه ، وهو علي درجة من الرفاهية علي فكرة ، مقارنة بما يقرره (بائع الموية) بشأن تغيير مكان عمله أو توسيع معرفته وتوثيقها بأفراد عاملين بالمحلية القريبة أو قرار (ست الشاي) بتطوير أدوات عملها وتجربة إستخدام أكواب شاي (Disposable) حسب نصيحة إعلامي مهم جدا ً بالبلد وعلي فكرة أيضا ً التقنية التي تقدّم بها الإعلامي المهم بنصيحته لستّات الشاي لا علاقة لها بتقنية نصائح مالك الحزين ، فلم ترد أي معلومة بإمكانية أن يذهب الإعلامي بعيدا ً في نصائحه الي حد ّ ما ذهب مالك الحزين . فأي ّ منهم هي لحظات حياة والأخري لحظات عدم ؟ مثال ثالث لا غير ، اللحظات الجادة جدا ً في التعامل بينك وبين من يسميهم السياسيون المهمشين ، ولنقل بائع كتب ،سلعة علي درجة عالية من الرقي ّ ولكنها في هذا الزمن تحديدا ً بضاعة كاسدة ، فثمة سؤال : طوال الخمس عشرة ساعة من اليوم ، كم عدد الكتب التي من الممكن أن يبيعها ؟ مقارنة ببائع الرصيد مثلا ً ومقارنة بمرتبك الشهري ومقارنة بمخصصات دستوري في أحد المجالس التشريعية ، لاحظ أننا جميعا ً ننتمي الي نفس اللحظات ، القرار بأيدينا جميعا ً ، فبائع الكتب يواصل في بيعه اليومي وريعه إن أتي وأنت تستمر في القبض علي مرتبك والدستوري يطالب بمستحقاته متي ما تأخرت . هل فكّرت يوما ً في مشاركة لحظة عدم مع (هؤلاء) ، أم أن إنكفاءك اليومي علي لحظاتك الخاصة أمر مقلق ومنغلق .. الغريب أن الموضوع عندما خططت للكتابة فيه لم يكن له علاقة بسريالية اللحظات وتمدّدها وإنما أكـيدة أن له علاقة بماذا تعني كلمة : تغــيّير وبما أننا ننتمي الي دول العالم الثالث ولا علاقة لنا بإيجاد حلول ولكن الدال علي الخير كفاعله ، فمالك الحزين يقول أن كلمة تغــيّير هي أن نقـر ّ جميعا ً بإمكانية تشاركنا لحظة حياة .
zizetfatah@yahoo.com