لقاء البرهان – نتنياهو خرق للوثيقة الدستورية
خرق البرهان الوثيقة الدستورية عندما تدخل في صلاحيات مجلس الوزراء بلقائه مع نتنياهو الأثنين 3 فبراير 2020 ، وفتح مجال السودان الجوي لمرور طائرة نتنياهو، كما خرق قانون 1958 الذي يمنع التعامل والتعاقد مع اسرائيل، الذي حدد العقوبة التي تصل عشر سنوات أو الغرامة أو العقوبتين معا، فضلا أن قضية التعامل مع الكيان الصهيوني لا يمكن أن يقرر فيها فرد بمعزل عن شعب السودان ومؤسساته البرلمانية والدستورية، باعتبار رفض التعامل معه من ثوابت شعب السودان منذ عام 1948 ، فالكيان الصهيوني كان يصنف مع الأنظمة العنصرية في جنوب افريقيا، واستحق استهجان كل الحركات الوطنية التحررية وعداء العالم بأسره وبمختلف أعراقه ودياناته، حتي أن الأمم المتحدة اتخذت قرارا في احدى دوراتها: اعتبار الصهيونية شكل من اشكال العنصرية، فكيف يلتقي البرهان الكيان الصهيوني؟؟!!
معلوم أن قيام الكيان الصهيوني في أرض فلسطين عام 1948م، ارتبط بتشريد الفلسطينيين من أراضيهم، ولعب دور حصان طروادة لضرب الحركات الوطنية التحررية المناهضة للاستعمار والمطالبة بالتنمية المستقلة، كما حدث عندما اوقف المد الثوري في العالم العربي بعد الحرب العالمية الثانية، وكما حدث عندما تحالفت اسرائيل مع فرنسا وبريطانيا في العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956م، بعد تأميم الرئيس جمال عبد الناصر لقنال السويس، والعدوان الاسرائيلي في يونيو 1967م والذي كان من أهدافه ضرب النظام الوطني في مصر ووقف حركة التغيير الاجتماعي التي قادها الرئيس السابق جمال عبد الناصر، وجاءت لاءات الخرطوم الثلاثة في مؤتمر القمة العربي بالخرطوم: لا صلح ولا تفاوض ولا سلام مع اسرائيل، وبالتالي فان اسرائيل لم تكن محايدة في الصراع ، بل كانت أداة الثورة المضادة في المنطقة العربية لضرب اي نهوض تحرري مستقل عن سيطرة الغرب الرأسمالي بقيادة امريكا، ومازالت تلعب هذا الدور في المنطقة بهدف اعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة من اجل الاستمرار في نهب مواردها البترولية، وتأمين موقعها الاستراتيجي لمصلحة امريكا في صراعها الضاري مع المراكز الأخري للنظام الرأسمالي العالمي في مرحلة العولمة الراهنة ( دول الاتحاد الاوربي، اليابان)، وتطويق الصين وروسيا حتي لا تنهض مرة اخري في الصراع ضد المصالح الأمريكية في المنطقة. هذا فضلا، عن أن الكيان الصهيوني منذ أن قام نتيجة لوعد بلفور عام 1917م، والذي كان تعبيرا عن تشابك مصالح الاحتكارات الصهيونية والانجليزية و الأمريكية لتأمين وطن يهودي، وعلي أساس ذلك انتظمت الهجرة اليهودية لفلسطين تحت ستار انها أرض الميعاد زورا ، وشجعت الاحتكارات الصهيونية العصابات اليهودية المسلحة في فلسطين لطرد العرب من اراضيهم عن طريق الترغيب والترهيب، والذي اخذ الصدام المسلح عام 1947م.
ومعلوم، أن اليهود لم يكونوا قومية مميزة في ارض فلسطين ، فمن مقومات القومية: الارض والحياة الاقتصادية المشتركة والتاريخ المشترك واللغة الواحدة والطابع النفسي المعبر عنه في الخطوط الرئيسية والمميزة في الثقافة الوطنية.
وكما أشار ماركس: أن تحرر اليهود من الاضطهاد يرتبط بتحرر الامم التي يعيشون وسطها من القهر القومي والطبقي، حيث تزول الفروقات الداخلية ويذوبون فيها.
هذا فضلا عن ان قيام دولة الكيان الصهيوني لم يحل مشكلة اليهود ، فالتحقيقات الصحفية الكثيرة اوضحت أن هناك تمييز عنصري بين اليهود القادمين من اوربا والقادمين من المجتمعات الآسيوية والافريقية، واذا كان التمييز العنصري موجودا داخل اليهود انفسهم، فما بالك بالتمييز العنصري ضد القوميات الأخري!!!.
جاء احتلال أفغانستان والعراق بهدف تامين النفط ، والاتجاه لضرب ايران ، والدور الذي لعبته اسرائيل وما زالت تلعبه في تنفيذ هذه المخططات مثل العدوان علي سوريا وغزو لبنان والمجازر التي ارتكبتها ضد الشعب اللبناني وحتي العدوان ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وما خلفه من شهداء وجرحي، فضلا عن أن كل الدول التي تعاملت مع الكيان الصهيوني لم تجنى غير الخراب ، كما حدث في جنوب السودان واريتريا، وبقية الدول الأفريقية.
كما جاءت صفقة القرن الذي أبرمها ترامب " صفقة من لا يملك لمن لا يستحق" التي تقرر فيها : الاعتراف بالقدس عاصمة اسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية اليها، وضم هضبة الجولان ، وشرعنة المستوطنات، ويهودية اسرائيل ، وتكوين دولة فلسطينية مجردة من السلاح، أي خضوع الفلسطينيين للاحتلال والتنازل عن حقوقهم المشروعة المضمنة في المواثيق الدولية ، والتي وجدت معارضة شديدة ورفضا من شعوب المنطقة، وتم التمسك بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. .
تضامن شعب السودان مع الشعب الفلسطيني عام 1948م، واسهمت قواته المسلحة في حرب فلسطين ضد الكيان الصهيوني، ولازال الناس يذكرون بسالة الضابط زاهر سرور السادات ورفاقه في معركة تحرير فلسطين.كما وقف شعب السودان مع مصر ضد العدوان الثلاثي علي مصر وأرسل الفدائيين لمواجهة ذلك العدوان، وتضامنت شعوب العالم مع مصر ضد ذلك العدوان، اما عدوان 1967م، ضد مصر فقد واجهه شعب السودان بموكب ضخم لمقابلة الرئيس عبد الناصر في مؤتمر القمة العربي عام 1967 في الخرطوم والذي وصفه عبد الناصر: بانه كان ملهما لصمودنا ضد العدوان، وكان لذلك اثره في قرارات مؤتمر القمة العربي والذي خرج بلاءاته الثلاثة ، كما تضامن شعب السودان مع شعب مصر في حرب اكتوبر 1973م والتي اكدت امكانية مقاومة الاحتلال ، كما رفض شعبنا استسلام السادات للعدو الصهيوني في زيارته التاريخية لاسرائيل والتي ادت الي تطبيع العلاقة معها، وحتي اتفاقات اوسلو التي اكدت حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة اجهضها الكيان الصهيوني بعدوانه المستمر علي الشعب الفلسطيني ، كل ذلك لم يغير من طبيعة العدو الصهيوني.
رفض شعب السودان اللقاءات السرية التي قام بها الديكتاتور نميري في عام 1982 مع وزير الدفاع الاسرائيلي شارون، والتي أدت لصفقة ترحيل اليهود الفلاشا الي اسرائيل، والتي تم استئنافها عام 1985 في عملية " سبأ " الشهيرة لترحيل الفلاشا، والتي كانت من ضمن أسباب قاصمة الظهر لنظام التميري.
كما رفض شعب السودان مواصلة نظام البشير لقاءاته السرية مع اسرائيل، فقد تم لقاء سري في اسطنبول بين مبعوث من الخارجية الاسرائيلية بروس كشدان، ووفد برئاسة محمد عطا المدير السابق لجهاز الأمن، بوساطة رجل أعمال تركي، فضلا عن أنه كان من شروط أمريكا لرفع العقوبات اتخاذ موقف ايجابي من اسرائيل ، واستجاب نظام البشير وقطع علاقاته مع ايران ، وقف دعم حماس ، وجاءت الدعوات للتطبيع مع اسرائيل التي دعا لها ابراهيم غندور عام 2015 ، وكان مبارك الفاضل من المؤيدين لتلك الدعوة عندما كان مشاركا في حكومة الانقاذ.
جاء البرهان ليسير في خط نظام البشير لينقل تلك الدعوات الي العلنية بلقائه مع نتياهو، حيث أشارت مصادر اسرائيلية الي أن البرهان طلب من نتنياهو التوسط لرفع العقوبات ورفع السودان من لائحة الارهاب، ومعروف أن امريكا ابتزت نظام البشير حيث وعدت البشير برفع العقوبات والرفع من قائمة الدول الراعية للارهاب ، وعدم التقديم للجنايات الدولية في حال فصل الجنوب ، بالفعل فصل البشير الجنوب ، ولم يتم الرفع من قائمة الدول الراعية للارهاب!!!
برز من لقاء البرهان – نتنياهو الخلل الأساسي في "الوثيقة الدستورية " التي كرّست السلطة في يد المكون العسكري وهيمنته علي وزارة الدفاع والداخلية والأمن، وشركات الجيش الاقتصادية، والإعلام، وبنك السودان. الخ، وتقنين الدعم السريع دستوريا، والابقاء على الاتفاقات العسكرية الخارجية التي ابرمها النظام السابق، وابقت علي وجود السودان في حلف حرب اليمن، ووجود القواعد العسكرية، ووجود السودان في قوات الأفروكوم.
جاء من ضمن أهداف لقاء البرهان – نتنياهو، كما أوردت الصحف الاسرائيلية، بحث استضافة الموساد في السودان بدلا من الجنوب الذي أصبح غير مستقر، ومنع نقل السلاح الي ليبيا والي المقاومة في غزة، كما لعب رهن ارادة السودان للخارج وحلف حرب اليمن دورا كبيرا في الترتيب للقاء البرهان - نتياهو.
لا بديل من أجل مواصلة تعديل الوثيقة الدستورية، والحفاظ علي السيادة الوطنية والعلاقات الخارجية القائمة علي المنفعة والاحترام المتبادل، ورفض دعاوى التطبيع مع اسرائيل التي لم يجنى الافارقة ودولة الجنوب شيئا بالتطبيع معها، ورفض صفقة القرن، والخروج من حلف اليمن، واستعادة الاراضي المحتلة ( شلاتين ، حلايب، الفشقة)، وتحسين الأوضاع المعيشية ، واستعادة الممتلكات المنهوبة، وشركات الجيش والأمن وعناصر النظام البائد للمالية، والتحكم في البنوك والنقد الأجنبي، وعائدات الذهب وابترول ووقف التهريب وتجارة العملة، وقيام المجلس التشريعي والولاة المدنيين وضرورة تمثيل النساء ، والغاء قانون النقابات 2010 ، والعودة لقانون 1987 لحين اجازة القانون الجديد الذي يكفل ديمقراطية واستقلالية العمل النقابي، واستقلالية لجان المقاومة، والغاء كل القوانين المقيدة للحريات، والخروج من نهج النظام البائد في السلام ، بالحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة.
alsirbabo@yahoo.co.uk