للتذكير: مهام الانتقال..!! بقلم: اسماعيل عبدالله

 


 

 

بعد التكالب الحزبي والطائفي والقبلي العنيف الذي حل بالفترة الانتقالية فختمها بالانقلاب العسكري، ضاعت ملامح الأهداف الحقيقية التي من أجلها وضع علماء السياسة وفقهاء القوانين الدستورية ما يسمى بالحكومات المؤقتة، التي لا يتجاوز دورها وظيفة الجسر الناقل للضفة الأخرى (الانتخابات العامة)، والأخطاء العميقة المرتكبة ممن أوكلت إليهم مهام الترتيبات الانتقالية – (مجلس عسكري، حرية وتغيير، اتفاق جوبا)، هي من أودت بنا لهذا الحال الآني السادر في غي الفوضى الدستورية والعشوائية السياسية، فما كان يجب أن يتم التلاعب بالاستحقاق الانتقالي بهذه الطريقة الشاذّة، التي هيأت الأوضاع العامة لولوج جماعات حزبية وحركية فوضوية لا هم لها سوى اعتلاء المنصب الدستوري وكفى، بغير كفاءة مهنية ولا ميزة أخلاقية، فعملية سطو اللاعبين الثلاثة آنفي الذكر على أجهزة الحكم الانتقالي، أورثت الناس ضبابية المشهد وتناقضات المواقف وانعدام رؤية المتحدثين بهمّة عن ضرورات الانتقال، وانعدام الرؤية هذا أتى من خطلِ جعْلِ المرحلة المؤقتة هدفاً أساسياً بحد ذاتها، فجميع هؤلاء اللاعبين مدنييهم وعسكرييهم وحركييهم وملائشييهم، لا يعتبرون هذا الماراثون (المؤقت) سوى فرصة للوصول للمآرب السلطوية (الدائمة)، وهذا منبعه ثقافة الساسة السودانيين المنطلقة من الانتهازية كمبدأ.
المفيد المختصر أن الحزبيين والحركيين المتكالبين على الانتقال الذي يجب أن يكون الجسر الناقل، والسراط المستقيم العابر بالجميع نحو جنّة صناديق الاقتراع الآتية بمن يضع الدستور الدائم للبلاد، عليهم أن يعوا ويعلموا أن نأيهم عن ميدان الانتقال وتفرّغهم الكامل لادارة شئونهم الحزبية والحركية، هو الأنفع جدوى لهم من حصر جهدهم حول مكاسب المرحلة المؤقتة، التي يجب أن يشغل هياكلها أكفاء مستقلون لا يركنون للأجندة الحزبية، واجبهم مهني صرف ينحصر في وضع الترتيبات الدستورية الضامنة للعبور الآمن، نحو التصويت الشعبي الحر والمباشر لاختيار سلطة الشعب، وتجريف البنيان الفاسد الذي أسسته الدولة البائدة الظالمة، بتفكيك وإزالة خلايا سرطان الفساد الذي بنى أعشاشه وأقامها بين أروقة المؤسسات الحكومية بعد صبيحة الثلاثين من يونيو، فحكومة الكفاءات المهنية المستقلة عليها تقع مسؤوليات الواجب الأخلاقي قبل ضرورات العمل الدستوري، بأن تضع نصب عينها وجوب تفتيت هذه الخلايا التي امتصّت دماء الناس بكل ساديّة وعنجهية وعزّة آثمة، فالكفاءة الأخلاقية والقيمية لانجاز مشروع الانتقال لها من الأولوية ما يضعها فوق كل الأولويات، ومعالجة ما أصاب كبد الدولة في عهود الظلام ليس بهذه السهولة التي يرى فيها البعض أن شركاء الدكتاتور مؤهلين لهذه المعالجة.
المهدد الأول والأخير الذي يعلم مكمن خطورته الطفل الوليد بين أحضان أمه، هو الجيوش والمليشيات التي اكتظ بها دولاب الدولة على حين غفلة من المتكالبين على سلطة الشعب، هذا الخطر الداهم الذي ركّز على إرهاصات خطورته المبعوث الأممي في آخر حوار أجرته معه قناة العربية – الحدث، وعُمق هذا التهديد يجيء من تبعات الخطأ الكارثي لما سُمي زوراً باتفاقية جوبا للسلام، التي زجّت بمليشيات إثنية منفلتة وغير منضبطة - أحداث يوناميد بالفاشر- في مفاصل الدولة دونما تفويض شعبي ولا انتخاب ديمقراطي، ولو كانت للمدنيين والعسكريين من خطيئة يدفعون ثمنها قريباً، فهي خطيئة السماح لمجموعات قبلية باختطاف القرار الشعبي لاقليم كبير يمثل سكانه ثلث الديموغرافيا، ليس هذا وحده فحسب بل اتاحة الفضاء السياسي لهذه الجماعات العشائرية بحيث أصبحت تشكل نداً سياسياً يناطح الكتل السياسية التاريخية، فقد جاءت جوبا شيئاً إدّا بتهديدها لوحدة كيان الدولة الوطنية، وذلك بتصريحات رموزها الجهويين وتهديداتهم باشعال الحروب العنصرية وتنزيح سكان المدن الآمنة، وما على عقلاء الانتقال الجديد إن جاء من بين صفوفهم رجل رشيد، إلّا أن يكفروا عن خطيئة رفاقهم - (جوبا)، ويعيدوا الأوضاع لطبيعتها، بتحجيم هذه الشرذمة المختطفة للقرار الشعبي لجزء عزيز من هذه الأرض التي لنا.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
16 اكتوبر 2022

 

آراء