لماذا يحتاج السودان الان الي حل سياسي عاجل بعد انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١

 


 

 

بالرغم من ان العملية السياسية التي ابتدرتها بعثة الامم المتحدة (يونيتامس)، ثم تبنتها الالية الثلاثية للامم المتحدة، والاتحاد الافريقي، والايقاد، لا تزال تراوح مربعها التشاوري الاول بعد عدة اشهر وتعقيدات عديدة ابرزها تدخلات الاتحاد الافريقي ومبعوثه ولد لبات، والتي ينظر اليها كثيرون في النادي السياسي السوداني بمنظور سلبي، الا ان الحاجة الي حل سياسي يعالج الازمات الناتجة عن انقلاب ٢٥ اكتوبر ويعكس مسارها اصبحت اكثر الحاحا وذلك لعدة اسباب:
اولها الاقتصاد: حيث ادى انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ الي خسائر كبيرة اصابت الاقتصاد السوداني وعطلت حصاد ثمار الاصلاحات الصعبة التي قامت بها حكومة حمدوك الاولى والثانية، بعد ان دنا قطافها. فعلى سبيل المثال، تم ايقاف مشاريع البنك الدولي التي كانت قيد التنفيذ والتي بلغ حجمها في ذاك الحين ٧٦٠ مليون دولار، وكان من المنتظر ان ينال السودان منحة بقيمة ٥٠٠ مليون دولار لدعم الموازنة السنوية بحلول نهاية شهر ديسمبر ٢٠٢١ من البنك الدولي، بالاضافة الي ٥٠٠ مليون دولار اخرى لدعم مشاريع تنموية في مجالات الطاقة والامن الغذائي وادارة الموارد الطبيعية. وقد تم ايقاف هذه المنح التي كان من المنتظر ان تدخل في ميزانية العام الحالي ٢٠٢٢ بسبب الانقلاب. وايضا كان من المنتظر ان يتلقى السودان من الوكالة الدولية للتنمية International Development Agency منحة بقيمة ٢ مليار دولار في فبراير ٢٠٢٢، والتي تم تجميدها ايضا بسبب الانقلاب، وضاعت بشكل كامل على السودان بانقضاء ابريل الماضي. وكذلك تم تجميد الدعم الاقتصادي المقدم الي السودان والذي تم اقراره من الكونغرس الامريكي بعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب والذي تبلغ قيمته ٧٠٠ مليون دولار وتجميد منحة القمح التي تم الاتفاق على تقديمها سنويا من الحكومة الامريكية والتي بلغ حجمها ٣٥٠ الف طن متري من القمح والتي تصل قيمتها المادية الي حوالي ١٢٥ مليون دولار (وزادت حاليا بسبب زيادة اسعار القمح عالميا) والتي كانت تغطي اكثر من ثلث احتياج السودان السنوي للقمح، بسبب انقلاب ٢٥ اكتوبر. وايضا توقفت عملية اعفاء ديون السودان العالمية والتي تصل الي حوالي ٧٠ مليار دولار بعد الانقلاب، وذلك بسبب عدم الايفاء بالمواعيد المضروبة لتقييم العملية في فبراير وابريل وعدم وجود خطة اقتصادية واضحة بعد الانقلاب، وعدم وجود حكومة مدنية معترف بها من قبل العالم للتعامل معها. فلا احد يتوقع من العالم ان يقوم باعفاء ديون دولة او دعمها لتستخدم مواردها المالية في شراء الرصاص وادوات القمع ضد شعبها. وكذلك توقف برنامج دعم الاسر (ثمرات) والذي كان يوفر احتياطي نقدي مقدر من العملة الاجنبية ليساهم في تثبيت سعر الصرف بعد تحرير العملة، وكذلك يوفر دعم نقدي مباشر للاسر. كل ذلك توقف بعد انقلاب ٢٥ اكتوبر ولكن احتماليات عودته مرهونة بحل سياسي يعيد مسار التحول المدني الديموقراطي الي البلاد.
ان العملية السياسية الحالية هي تكتيك تفاوضي في نفس سياق الثورة السلمية التي تبناها الشعب السوداني منذ ديسمبر 2018، والهدف منها هو التوصل إلى حل يعيد مسار الثورة السودانية إلى مسار التحول الديمقراطي الحقيقي بقيادة مدنية في السودان. هذا الحل لا ينبغي ولن يكون محايدا اتجاه قضايا الثورة الاساسية وعلى رأسها العدالة والحريات وتحقيق السلام الشامل والعادل بشكل يودي الي الاستقرار الدائم والديموقراطية الراسخة في السودان، وتبقى كل ادوات النضال السلمي الاخرى متاحة للعمل بها، في حالة عدم التوصل الي هذا الحل بالشكل الذي يرضي تطلعات وامال السودانيين واهداف ثورتهم المجيدة. ان الحل السياسي يعني عكس مسار انقلاب 25 أكتوبر بأقل الخسائر، وايقاف تمدده وفرضه كامر واقع، ولكن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى توطيد الانقلاب وإجهاض آمال وتطلعات ثورة ديسمبر. بل وقد يؤدي الي ما هو اخطر وهو عودة النظام القديم ورموزه باقنعة وشعارات جديدة، وهو ما بدأنا نشاهده بالفعل في مجالات كثيرة، نتيجة لحيرة الانقلابيين وتخبطهم. اخطر ما يمكن ان يحدث الان في السودان، هو عودة النظام البائد ورموزه للانتقام والتشفي من السودانيين بعد نجاح ثورتهم في اقتلاع حكم نظام المؤتمر الوطني البائد.
وعلى صعيد اخر، فان تعدد مراكز الانقلاب وتعدد المليشيات والقوات العسكرية والحركات المسلحة في البلاد، يهدد باندلاع اشتباك بينهم قد يؤدي الي حرب اهلية لا تبقى ولا تذر. ومن الضروري ان يخاطب اي حل سياسي حقيقي هذه المعضلة والقنبلة الموقوتة بشكل توافقي بحيث نخلص عبره الي صناعة جيش وطني واحد جديد بعيد عن ميدان السياسة، ومخلص لدوره في حماية الوطن والديموقراطية.
على القيادات السياسية للبلاد ان تنهض بشكل حقيقي لاداء دورها ومواجهة مهامها. الثوار في الشارع ولجان المقاومة وكافة التنظيمات القاعدية لم يقصروا وقاموا باداء دورهم في التعبير عن رفض الانقلاب ومقاومته ونزع اي شرعية شعبية عنه وعن الشركاء فيه. وقدموا في ذلك تضحيات جسيمة وعبروا عن بطولات كبيرة. الان جاء وقت السياسيين لاداء دورهم في تقليل كلفة هذه المقاومة وفرض حل سياسي يرضي طموحات الشارع ويرجع العسكر للثكنات ويعيد التحول الديمقراطي في السودان الي مساره السليم. وكما على الالية الثلاثية ان تقوم باداء دورها بشكل جاد في مخاطبة المشكلة عبر تحديد طبيعتها بشكل حقيقي بين معسكر الانقلاب ومعسكر مقاومة الانقلاب بدلا عن خلط الاوراق العبثي الذي يقوم به الوسيط الافريقي ولد لبات في محاولة تغبيش طبيعة ما حدث في ٢٥ اكتوبر. الوضع في السودان لا يحتمل التلاعب به لخدمة اغراض اخرى غير متعلقة بالطبيعة الحقيقية للازمة وجريمة الانقلاب الذي حدث في ٢٥ اكتوبر. واي حل ينبغي ان ينبني على هذا التشخيص الواضح لما حدث في ٢٥ اكتوبر كانقلاب عسكري واستيلاء غير شرعي للسلطة بواسطة الانقلابيين ليحظى بالقبول الجماهيري والاستدامة.

khalidmukhtarsalim@gmail.com

 

آراء