لمن تقرع “الحلل الفارغة”؟؟!!

 


 

 



من تبينا شفنا الحلة تغلي... ومو دايري تسخين
مما قمنا نغرف فى اللحم....ونعشي البطينين
وإما شبعوا لامن ناموا...النوم آبيجينا دوام مساهرين
ده كان حالنا.. وحال أماتنا..... زمن الزمن زين
قبال نتحكم من ناسن...تقول ما سمعوا بالدين
قلوبن من حجر... لا رحمونا ولا لحقوا مسكين
هذه الكلمات تعبر عن حال أمهاتنا وأخواتنا البواسل اللائي خرجن الى ميدان منزل الزعيم الأزهري ليقرعن "حللهن" الفارغة تعبيرا عن حالة الفقر والمسغبة التى يعشنها مع أطفالهن الذين يتضورون جوعا جراء سياسات الدولة الرسالية التى فرضها على الشعب السودان قادة ينعتون أنفسهم بالبدريين، وهم الى أبي جهل أقرب. فالتحية والتجلة نهديها الى منظمة "لا لقهر النساء" التى قامت بتنظيم تلك الوقفة الإحتجاجية المعبرة، ونحنى رؤوسنا إكراما وإجلالا لهن وهن يتقدمن مسيرة شعبنا الأبي الظافرة لوضع نهاية للمأساة التى ظل يعيشها لفترة قاربت ربع قرن من الزمان. كما نأمل أن تستمر مثل هذه الوقفات من قبل أمهاتنا وأخواتنا حيث أثبتت فعاليتها وأتت أكلها فى الأرجنتين، على سبيل المثال لا الحصر.
إن إختيار ميدان الأزهري لم يكن، فى تقديري، إعتباطا لأن الزعيم الأزهري يمثل رمزا للوطنية الحقة ولإنتمائه لتراب وشعب السودان. زعيما كان يعيش على الكفاف طيلة حياته حتى لقى ربه راضيا مرضيا. لم يسرق، ولم ينهب، ولم يفسد، ولم يتلاعب بأموال الشعب السوداني، وموارده، وثرواته. بل أنه كان يستدين من تجار الحزب الإتحادي، كما فعل مع السيد النفيدي، وكتب إقرارا بذلك، وهو حينها كان رأسا للدولة. لقد فعل الزعيم الأزهري ذلك لأنه جاء الى موقع الرئاسة جراء نظام ديمقراطي منتخب من الشعب فى إنتخابات حرة ونزيهة، ولم يسرق السلطة السياسية بليل. لذلك فإن من بدأ مسيرة حكمه بالسرقة، لابد وأن يكون أصلا لصا محترفا، كما دلت على ذلك كارثة الإنقاذ المريرة التى أتت بمجموعة من اللصوص، و’شذاذ الآفاق‘ ، فعلا لا قولا، الى سدة الحكم.
إن الزعيم الأزهري وغيره من الأخيار الذين تولوا زمام الأمور فى هذا البلد لم يدعوا أنهم جاءوا ليحكموا بإسم الله، ولم يزعموا بأنهم أنبياء، ولم يحملوا المصاحف على أسنة الرماح ولكنهم، ولشدة إيمانهم وتقواهم، فقد كانوا يراعون تعاليم الإسلام السمحة وقيمه الرفيعة فى كل خطوة يخطونها، وفى كل قرار يتخذونه، دون هرج أو مرج، أو كذب بإسم الدين فى وضح النهار. لذلك كانت عقولهم وأفئدتهم دائما وأبدا مع الضعفاء والمساكين والغلابة من بنات وأبناء شعبنا. وكانوا دائما يضعون مصالح وإحتياجات الشرائح الضعيفة فى المجتمع نصب أعينهم، دون محاربة من يكتسبون رزقهم بالحلال الطيب من شرائح المجتمع الأخرى.
لقد ظل المجتمع السوداني متماسك ومتراحم يشد بعضه بعضا لا تكاد تفرق بين الغني والفقير، نسبة لأن الغني قد إكتسب ماله بالحلال، ولأن الفقير كان يكد جل يومه ليوفر لقمة العيش لأطفاله بالحلال أيضا. وكان الأغنياء يمدون يد المساعدة للشرائح الفقيرة دون من أو أذي. إن مثل هذه النماذج كانت توجد فى جميع مدن السودان وأريافه. لذلك تولدت روح المحبة بين أفراد المجتمع ولا تجد مكانا للغيرة أو الحسد. بل كان الفقير يدعوا الله تعالي سرا وجهرا أن يزيد من خير الغني لأنه يعرف تماما بأن الغني لن يقصر فى حقه.
إن هذه النماذج الطيبة قد إختفت تماما فى ظل الدولة الرسالية التى فرضها "شذاذ الآفاق" على الشعب السوداني لفترة قاربت الربع قرن من الزمان. إن السياسات التى طبقها "هؤلاء الناس" قد أفرزت شريحة طفيلية لم تعرف الرحمة الى قلوبهم مسلكا. وبما أن الشرائح الطفيلية ظلت، ومنذ فجر الخليقة، تقتات على مص دماء الآخرين، فإن طفيليي دولة البدريين لم يكونوا إستثناءا. لكن الأسوأ من ذلك، وما تفوقوا به على طفيليات الأنظمة التى سبقتهم، هو أن تلك الطفيليات كانت تنمو و تتنفس مستغلة ثغرات الأنظمة والقوانين واللوائح التى كانت تحكم دولها ومجتمعاتها، عكس شريحة الإنقاذ الطفيلية التى سرقت جهاز الدولة بأكمله أولا، ثم سخرته بجميع أنظمته وقوانينه ل’مص‘ دماء الشعب السوداني حتى ’آخر نقطة‘، كما هو حاصل الآن!
يمكننا أن ندلل على صحة ما نزعم بالجرائم الإقتصادية الأخيرة التى قرر طفيليو الإنقاذ إرتكابها فى حق الشعب السوداني، والمتمثلة فى الكذبة الكبرى التى أسموها رفع الدعم عن المحروقات. لقد أوضح العديد من الكتاب الذين سبقونى فى الكتابة حول هذا الموضوع فرية هذا الزعم حيث أنه يستحيل إزالة دعم لم يكن موجودا بالأساس. إذ كيف يمكن إزالة دعم عن سلعة تتكسب منها الحكومة، وتجني من ورائها شرائحها الطفيلية الأموال الطائلة؟! إنها لا تعدوا أن تكون كذبة أخرى من أكاذيب هؤلاء الأبالسة الذين يتحرون الكذب دون أن يرمش لهم جفن!
لقد أوضحنا فى مقال سابق بعنوان، "الإقتصاد السوداني بين مطرقة ’الجن‘ ..و سندان ’الإستغفار‘"، النموذج الإقتصادي السليم الذى يجب أن تنبني عليه تقديرات الميزانية السنوية للدولة. وكيف أن وزير المالية الحالى قد أعد ميزانيته للعام 2012م على إفتراض تدفق إيرادات النفط بإعتبار أن السودان سيظل دولة موحدة بعد التاسع من يوليو عام 2011م، فى الوقت الذى كان الجميع يعلم بحتمية إنفصال الجنوب فى ذات الشهر. ليس هذا فحسب، بل إمعانا فى تجاهله لأبجديات علم الإقتصاد فى إعداد الموازنة العامة للدولة، فقد أعد سيادته الميزانية المعدلة للدولة، حال ثبوت إستحالة تدفق أموال البترول، على بديل محفوف بالمخاطر، وكان على سيادته أن يكون أول العالمين بذلك، وهو إفتراض تدفق نفط دولة الجنوب عبر أنابيب البترول الى ميناء بشائر بسعر 36$ للبرميل الواحد...فتأمل! هل يا ترى هو الغباء الفطري، أم الإنتهازية والجشع هما اللذان قادانه الى تبني مثل هذا الخيار؟!
وحينما إستحال على وزير المالية خيار ال36$ لبرميل النفط، لجأ سيادته الى ’الحيطة القصيرة‘، كما عودنا قادة الدولة الرسالية دوما، وهو الشرائح الضعيفة من الغلابة من بنات وأبناء الشعب السوداني. إن سياسة فرض الضرائب وزيادة الأسعار لا يلجأ إليها إلا حاكم دكتاتوري يحكم بالحق الإلهي المطلق ولا يخضع للمحاسبة من أحد، حيث لا يستقيم عقلا أن تفرض المزيد من المعاناة على أناس يعيشون أصلا تحت ’خط الموت الأحمر‘، وليس خط الفقر المتعارف عليه فى أدبيات علم الإقتصاد، هذا ناهيك عن الجوانب الدينية والأخلاقية للموضوع، لأناس لا يعرفون عن الدين الحق شيئا سوى القشور!!
إن فرض الضرائب وزيادة الأسعار هي الحلول التى يلجأ إليها قصيري النظر، ومعدومي الخيال، من الساسة الذين يتميزون بالكسل الذهني، ولا يودون إعمال الفكر، أو العلم، لإستنباط حلول عملية تتمكن من تجاوز الأزمة دون إلحاق الأذي بشرائح الغلابة والمساكين من عامة أفراد الشعب.
فى الحقيقة يتمثل الحل الجذرى للأزمة الراهنة فى الإطاحة بهذا النظام الفاسد المستبد الى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه. ولكن هنالك حلول مؤقته كان يمكن اللجوء إليها قبل زيادة الأسعار تتمثل فى وقف الحرب اللعينة فى جنوب البلاد "الجديد"،التى ستجر المزيد من الكوارث، وستقضي على الأخضر واليابس، ومن ثم تخفيض الصرف الحكومي بمعدلات كبيرة، وخصوصا فى موازنة القوات النظامية والأجهزة الأمنية. فهل يعقل أن تكون ميزانية تلك الأجهزة تعادل 70% من حجم الموازنة العامة؟
ثم يلي ذلك تخيض عدد الوزراء بحيث لا يتجاوز الخمسة عشر وزيرا، على أفضل تقدير. يلي ذلك إلغاء الحكم الفدرالي بصورته الراهنة حيث أصبح حاضنة للفساد، والترضيات السياسية، وتبديد الأموال أكثر منه خدمة للناس وتوفير إحتياجاتهم الأساسية. ثم بعد ذلك السعي الجاد لإسترداد أموال الشعب التى نهبتها الشرائح الطفيلية فى وضح النهار حيث يتحدث البعض عن وجود إستثمارات لتلك الشرائح تعادل ال13 مليار دولار فى ماليزيا لوحدها. إن هذا المبلغ كان يمكن أن يكون كافيا لسد العجز فى موازنتهم الراهنة، لو تدبروا أمرهم بصورة صحيحة. ولن نتحدث فى هذا الشأن عن محاربة الفساد، الذى ينخر فى جسد الإقتصاد والمجتمع، لعلمنا التام بإستحالة ذلك فى دولة غارقة فى الفساد من رأسها حتى أخمص قدميها. ولو فعلنا ذلك سنكون كمن يؤذن فى مالطا.
إن إتخاذ مثل هذه الإجراءات بصورة جادة كان يمكن أن تخفف من وطأ الأزمة على الفقراء والغلابة والمساكين. ولكن بدلا من ذلك لجأ النظام كعادته الى ’اللعب على الذقون‘ عن طريق مسرحياته السمجة سيئة الإخراج كتلك التى فعلها على عثمان فى برلمانه الكرتوني. إنني مقتنع تماما بأن هذا الرجل ليس مقتنعا هو نفسه بما قاله تحت قبة برلمانه، فهل يفترض أن حديثه هذا سيقنع الآخرين؟ ولكن ماذا نقول غير،’ من خلا عادتو..قلت سعادتو‘، على رأي المثل الشعبي.
لو فعل قادة الدولة الرسالية ذلك لما أضطرت نساء السودان الى الخروج من منازلهن و قرع ’حللهن‘ الفارغة فى ميدان الزعيم الأزهري. أتمنى أن يكون قد فهم البدريون رسالة أمهاتنا وأخواتنا، وهي واضحة وضوح الشمس، حيث لا تتطلب خروج البشير فى جنح الظلام ليرى بأم عينيه مظاهرات الشعب السوداني. هل يمكن لأي شخص عاقل أن يخرج ليلا، والناس نيام فى بيوتهم، ليراهم فى الشوارع فى ذات الوقت، إلا إن كانوا أشباحا!! وإنني لا أستبعد من قائد شيد بيوت الأشباح لتعذيب معارضيه ومخالفيه فى الرأي، إفتراض أن الشعب قد تحول بالفعل الى أشباح. ما أود تأكيده لهذا الرجل هو أن تلك الأشباح ’الإفتراضية‘ سوف تلاحقه ليلا ونهارا، و سوف تغلق منامه، الى أن يفهم ماذا يريد ’شذاذ الآفاق‘، أو ينتهي به المطاف مقبورا، أو فى محكمة لاهاي!!
أختم بالقول أن أسلوب البطش والقمع الوحشي الذى مارستوه ضد أمهاتنا وأخواتنا لن يجدي نفعا لكم، لأن هؤلاء النساء بمثابة خطوطا حمراء بالنسبة لشباب السودان. وإن الإعتداء على النساء والأطفال لا يمارسه إلا من لم يتبقى لديه ذرة من رجولة. وأنكم ستدفعون ثمنا غاليا للغاية جراء هذه الممارسات التى لا تمت لشعب السودان بصلة. وأن شباب السودان لقادر على الدفاع عن نفسه، وكذلك على نسائه وأطفاله، من قساوة وهمجية ’شذاذ الآفاق‘ من الكوادر التى دربتموها خصيصا لإرتكاب مثل هذه الجرائم. كما أود أن أذكركم كذلك بأن يوم الحساب بينكم وبين الشعب ليس ببعيد، وهو أقرب إليكم من حبل الوريد، لو تعلمون!!

27/6/2012م
Ibrahim Karsani [shiba1949@hotmail.com]

 

آراء