لم نرضى بالترييف، جاءنا الإغلاق
بورفيسور مهدي أمين التوم
3 April, 2023
3 April, 2023
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يدهشني ما ورد من سخف فلولي في المؤتمر الصحفي الذي نظمته أمس ما تُسمى بالإدارة الأهلية في ولاية الخرطوم..الذي أدهشني فعلاً هو كمية الشراتي و الأمراء و العُمَد القبليين الذين يمارسون سلطاتهم القبلية داخل مراكز الخرطوم الحضرية ، بل و تصل بهم الجرأة و يقرروا ، علي مرأى و مسمع من سلطات الأمر الواقع ، المركزية و الولائية ، إغلاق ولاية الخرطوم عنوة يوم الأربعاء القادم الموافق 5 أبريل 2023 م ، إحتجاجاً علي الإتفاق الإطاري !!! و كل المتحدثين الذين تسابقوا للحديث في المنصة، لم يقدم أي منهم نفسه علي أنه سوداني أو أنه خرطومي ، بل جاؤوا ، علي كثرتهم ، مُعَرِّفين أنفسهم بقبائلهم و برتبهم الإدارية القبلية ...كان الأمر ، مع عَوَاره السياسي، و وضوح إنتماء عناصره لعهد الإنقاذ البائد ، و مع عدم إختفاء أصابع برهانية في تنظيمه لشيئ في نفس يعقوب ، كان فيه تأكيد عملي لظاهرة الترييف الحضري و ما يتمخض عنها بالضرورة من تغيرات ما كنت أظنها تصل حد التحدي و الجرأة علي سلطات الحكم المركزي بالصورة التي بدت في ذلك المؤتمر التلفزيوني ذكرني هذا الموقف بفقرة في مقالة لي سابقة بعنوان ( أحلام قبل الرحيل الأبدي ) نشرتها قبل تسع سنوات في عام 2014 م، جاء فيها :
" أحلم بزوال عهد الترييف الذي نعيشه حالياً في العاصمة و كل مدن السودان الرئيسية بسبب الهجرات غير المنظمة و غير التدريجية للمدن و التي أحدثتها ظروف طبيعية و سياسية خارجة عن إرادة المهاجرين . و المشكلة ليست في الهجرة ، فكلنا أبناء و أحفاد مهاجرين ، بالذات للعاصمة ،لكنها كانت في الماضي هجرات محدودة و تدريجية مكَّنت القادمين من إستيعاب روح المدينة و إلتزاماتها، فذابوا في المدينة ، و أصبحوا جزءاً من الكيان الحضري ..لكن سنوات الجفاف و التصحر ، و صراعات الهامش و المركز جعلت الرحيل للعاصمة بالذات مهرباً لا مناص منه ، و لم يجد المهاجرون الجُدُد الوقت الكافي لإستيعاب متطلبات المدينة ، و التأقلم عليها ، فأنشأوا لأنفسهم مجتمعات قروية في قلب المدينة و حواريها و أزقتها ، و مارسوا ما كانوا عليه في قراهم و بواديهم من ثقافات و علاقات ، و انعكس كل ذلك في ظاهرة الترييف التي طغت علي العاصمة و غيرها من المراكز الحضرية ، فتدهور الحال ، و انحطت البيئة الحضرية بدل أن تتقدم بنفسها و بالقادمين إليها زرافات و وحدانا ، و تراكمت النفايات ، و أصبح الجيران لا يعرفون بعضهم البعض ، و أصبحت السلوكيات العامة لا يربطها إطار جمعي متفق عليه ، و هاجت المدينة و ماجت بشكل يجعل عودة المدينة لطبيعتها الحضرية أحد أحلام ما قبل الرحيل الأبدي.."
لكن هيهات العودة ...فالقوم لم يكتفوا فقط بترييف العاصمة و ممارسة سلطاتهم القبلية علي رعاياهم في ربوعها ، بل يريدوا أن يكونوا سلطة حكم موازية في عاصمة البلاد فها هم بكل جرأة و عبر أجهزة الإعلام المرئية و المسموعة يتحدون الكل ، حكومة و شعباً، و يقررون إغلاق كل مداخل العاصمة عنوة في حركة تجسِّد مقولة ( الخرطوم دي حقت أبو منو ) ، التي أطلقها يوماً أحد الغزاة الذين ينطبق عليهم تساؤل أديبنا الطيب صالح : من أين جاء هؤلاء ، و أضيف إليه : إلى أين يسوقنا هؤلاء ؟
و لك الله يا وطني
بروفيسور
مهدي أمين التوم
2 أبريل 2023 م
mahditom1941@yahoo.com
لم يدهشني ما ورد من سخف فلولي في المؤتمر الصحفي الذي نظمته أمس ما تُسمى بالإدارة الأهلية في ولاية الخرطوم..الذي أدهشني فعلاً هو كمية الشراتي و الأمراء و العُمَد القبليين الذين يمارسون سلطاتهم القبلية داخل مراكز الخرطوم الحضرية ، بل و تصل بهم الجرأة و يقرروا ، علي مرأى و مسمع من سلطات الأمر الواقع ، المركزية و الولائية ، إغلاق ولاية الخرطوم عنوة يوم الأربعاء القادم الموافق 5 أبريل 2023 م ، إحتجاجاً علي الإتفاق الإطاري !!! و كل المتحدثين الذين تسابقوا للحديث في المنصة، لم يقدم أي منهم نفسه علي أنه سوداني أو أنه خرطومي ، بل جاؤوا ، علي كثرتهم ، مُعَرِّفين أنفسهم بقبائلهم و برتبهم الإدارية القبلية ...كان الأمر ، مع عَوَاره السياسي، و وضوح إنتماء عناصره لعهد الإنقاذ البائد ، و مع عدم إختفاء أصابع برهانية في تنظيمه لشيئ في نفس يعقوب ، كان فيه تأكيد عملي لظاهرة الترييف الحضري و ما يتمخض عنها بالضرورة من تغيرات ما كنت أظنها تصل حد التحدي و الجرأة علي سلطات الحكم المركزي بالصورة التي بدت في ذلك المؤتمر التلفزيوني ذكرني هذا الموقف بفقرة في مقالة لي سابقة بعنوان ( أحلام قبل الرحيل الأبدي ) نشرتها قبل تسع سنوات في عام 2014 م، جاء فيها :
" أحلم بزوال عهد الترييف الذي نعيشه حالياً في العاصمة و كل مدن السودان الرئيسية بسبب الهجرات غير المنظمة و غير التدريجية للمدن و التي أحدثتها ظروف طبيعية و سياسية خارجة عن إرادة المهاجرين . و المشكلة ليست في الهجرة ، فكلنا أبناء و أحفاد مهاجرين ، بالذات للعاصمة ،لكنها كانت في الماضي هجرات محدودة و تدريجية مكَّنت القادمين من إستيعاب روح المدينة و إلتزاماتها، فذابوا في المدينة ، و أصبحوا جزءاً من الكيان الحضري ..لكن سنوات الجفاف و التصحر ، و صراعات الهامش و المركز جعلت الرحيل للعاصمة بالذات مهرباً لا مناص منه ، و لم يجد المهاجرون الجُدُد الوقت الكافي لإستيعاب متطلبات المدينة ، و التأقلم عليها ، فأنشأوا لأنفسهم مجتمعات قروية في قلب المدينة و حواريها و أزقتها ، و مارسوا ما كانوا عليه في قراهم و بواديهم من ثقافات و علاقات ، و انعكس كل ذلك في ظاهرة الترييف التي طغت علي العاصمة و غيرها من المراكز الحضرية ، فتدهور الحال ، و انحطت البيئة الحضرية بدل أن تتقدم بنفسها و بالقادمين إليها زرافات و وحدانا ، و تراكمت النفايات ، و أصبح الجيران لا يعرفون بعضهم البعض ، و أصبحت السلوكيات العامة لا يربطها إطار جمعي متفق عليه ، و هاجت المدينة و ماجت بشكل يجعل عودة المدينة لطبيعتها الحضرية أحد أحلام ما قبل الرحيل الأبدي.."
لكن هيهات العودة ...فالقوم لم يكتفوا فقط بترييف العاصمة و ممارسة سلطاتهم القبلية علي رعاياهم في ربوعها ، بل يريدوا أن يكونوا سلطة حكم موازية في عاصمة البلاد فها هم بكل جرأة و عبر أجهزة الإعلام المرئية و المسموعة يتحدون الكل ، حكومة و شعباً، و يقررون إغلاق كل مداخل العاصمة عنوة في حركة تجسِّد مقولة ( الخرطوم دي حقت أبو منو ) ، التي أطلقها يوماً أحد الغزاة الذين ينطبق عليهم تساؤل أديبنا الطيب صالح : من أين جاء هؤلاء ، و أضيف إليه : إلى أين يسوقنا هؤلاء ؟
و لك الله يا وطني
بروفيسور
مهدي أمين التوم
2 أبريل 2023 م
mahditom1941@yahoo.com