لم نرضى بالترييف، جاءنا الإغلاق

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
لم يدهشني ما ورد من سخف فلولي في المؤتمر الصحفي الذي نظمته أمس ما تُسمى بالإدارة الأهلية في ولاية الخرطوم..الذي أدهشني فعلاً هو كمية الشراتي و الأمراء و العُمَد القبليين الذين يمارسون سلطاتهم القبلية داخل مراكز الخرطوم الحضرية ، بل و تصل بهم الجرأة و يقرروا ، علي مرأى و مسمع من سلطات الأمر الواقع ، المركزية و الولائية ، إغلاق ولاية الخرطوم عنوة يوم الأربعاء القادم الموافق 5 أبريل 2023 م ، إحتجاجاً علي الإتفاق الإطاري !!! و كل المتحدثين الذين تسابقوا للحديث في المنصة، لم يقدم أي منهم نفسه علي أنه سوداني أو أنه خرطومي ، بل جاؤوا ، علي كثرتهم ، مُعَرِّفين أنفسهم بقبائلهم و برتبهم الإدارية القبلية ...كان الأمر ، مع عَوَاره السياسي، و وضوح إنتماء عناصره لعهد الإنقاذ البائد ، و مع عدم إختفاء أصابع برهانية في تنظيمه لشيئ في نفس يعقوب ، كان فيه تأكيد عملي لظاهرة الترييف الحضري و ما يتمخض عنها بالضرورة من تغيرات ما كنت أظنها تصل حد التحدي و الجرأة علي سلطات الحكم المركزي بالصورة التي بدت في ذلك المؤتمر التلفزيوني ذكرني هذا الموقف بفقرة في مقالة لي سابقة بعنوان ( أحلام قبل الرحيل الأبدي ) نشرتها قبل تسع سنوات في عام 2014 م، جاء فيها :
" أحلم بزوال عهد الترييف الذي نعيشه حالياً في العاصمة و كل مدن السودان الرئيسية بسبب الهجرات غير المنظمة و غير التدريجية للمدن و التي أحدثتها ظروف طبيعية و سياسية خارجة عن إرادة المهاجرين . و المشكلة ليست في الهجرة ، فكلنا أبناء و أحفاد مهاجرين ، بالذات للعاصمة ،لكنها كانت في الماضي هجرات محدودة و تدريجية مكَّنت القادمين من إستيعاب روح المدينة و إلتزاماتها، فذابوا في المدينة ، و أصبحوا جزءاً من الكيان الحضري ..لكن سنوات الجفاف و التصحر ، و صراعات الهامش و المركز جعلت الرحيل للعاصمة بالذات مهرباً لا مناص منه ، و لم يجد المهاجرون الجُدُد الوقت الكافي لإستيعاب متطلبات المدينة ، و التأقلم عليها ، فأنشأوا لأنفسهم مجتمعات قروية في قلب المدينة و حواريها و أزقتها ، و مارسوا ما كانوا عليه في قراهم و بواديهم من ثقافات و علاقات ، و انعكس كل ذلك في ظاهرة الترييف التي طغت علي العاصمة و غيرها من المراكز الحضرية ، فتدهور الحال ، و انحطت البيئة الحضرية بدل أن تتقدم بنفسها و بالقادمين إليها زرافات و وحدانا ، و تراكمت النفايات ، و أصبح الجيران لا يعرفون بعضهم البعض ، و أصبحت السلوكيات العامة لا يربطها إطار جمعي متفق عليه ، و هاجت المدينة و ماجت بشكل يجعل عودة المدينة لطبيعتها الحضرية أحد أحلام ما قبل الرحيل الأبدي.."
لكن هيهات العودة ...فالقوم لم يكتفوا فقط بترييف العاصمة و ممارسة سلطاتهم القبلية علي رعاياهم في ربوعها ، بل يريدوا أن يكونوا سلطة حكم موازية في عاصمة البلاد فها هم بكل جرأة و عبر أجهزة الإعلام المرئية و المسموعة يتحدون الكل ، حكومة و شعباً، و يقررون إغلاق كل مداخل العاصمة عنوة في حركة تجسِّد مقولة ( الخرطوم دي حقت أبو منو ) ، التي أطلقها يوماً أحد الغزاة الذين ينطبق عليهم تساؤل أديبنا الطيب صالح : من أين جاء هؤلاء ، و أضيف إليه : إلى أين يسوقنا هؤلاء ؟
و لك الله يا وطني
بروفيسور
مهدي أمين التوم
2 أبريل 2023 م
mahditom1941@yahoo.com

 

آراء