لن يختلف الحال كثيرا … بقلم :د. عمر بادي

 


 

د. عمر بادي
15 April, 2010

 

 

الإنتخابات التي تدور رحاها هي حدث في حد ذاتها , فهي تتكرر بعد ربع قرن من الزمان , و فرادتها تتمثل في خوض جل المقترعين من فئة الشباب لها لأول مرة , و أيضا تتمثل في إيقان الناس بالفائز فيها حتى قبل خوضها . إذن هي مكشوفة النتيجة بحكم شيئين ساعدا في ذلك : أولا طعن معظم الأحزاب و المراقبين في نزاهتها , و ثانيا مقاطعة بعض الأحزاب الرئيسية لها سواء مقاطعة كلية أو جزئية . لذلك سوف لا يختلف الحال كثيرا بعد الإنتخابات عما كان قبلها . سوف يظل حزب المؤتمر الوطني مهيمنا , و سوف يظل فرسانه يصولون و يجولون في الميدان الذي لن يتغير هو أيضا .

بذلك سوف يفقد التحول الديموقراطي ركنا من أركانه و هو التداول السلمي للسلطة , فقد دخلت الأحزاب – عدا الحزبين الحاكمين – إلى الإنتخابات و هي منهكة و خائرة و مفلسة جراء التضييق الذي لفها طوال عقدين من الزمان , بينما حزب المؤتمر الوطني يملك المال و التنظيم و التجربة الطويلة في الحكم . كان أمل تلك الأحزاب أن تلتقي في تحالف يمهد لها دخول جولة ثانية في الإنتخابات الرئاسية و من ثم التنافس القوي ضد مرشح حزب المؤتمر الوطني الرئاسي . لكن سحب الحركة الشعبية لتحرير السودان لمرشحها الرئاسي ياسر عرمان كان سببا في تعميق المقاطعة التي كانت فكرة من ضمن أفكار أخر .

كان التشكيك في نزاهة الإنتخابات هو محور إلتقاء كل الأحزاب عدا المؤتمر الوطني , و لكن توزعت بهم السبل في ما يجب عمله . بعضهم طالب بتأجيل الإنتخابات و حينما رفض طلبه قرر مقاطعتها كليا , و بعضهم قاطعها جزئيا , وبعضهم قرر خوضها على كل الأصعدة .الذين قرروا خوضها كانت حجتهم أن يستفيدوا من التجربة و أن يخلقوا معارضة و لو ضعيفة في البرلمان و المجالس الأخرى . أما الذين قرروا مقاطعتها فتعللوا بأنهم يربأون أن يكونوا واجهة لإصباغ الشرعية على نظام الإنقاذ . كان هذا هو رأي حزب الأمة القومي و رأي الحزب الشيوعي .

مكمن الخطورة هنا أنه لا يوجد ضمان من أن النزاهة سوف تكون كاملة الدسم في الإنتخابات القادمة بعد أربع سنوات , خاصة و أن معظم الإنتخابات الأخيرة في كينيا و زيمبابوي و أثيوبيا و موريتانيا و إيران و حتى العراق لم تخل من عدم نزاهة و ربما يتكرر الأمر عندنا بعد السنوات الأربع . ماذا تفعل حينذاك هذه الأحزاب المقاطعة ؟ هل تقاطع مرة أخرى ؟ حينذاك لن يكون لها سوى خيار التصادم مع السلطة . هذا الإشكال هو ما دعا السيد الصادق المهدي أن ينوه منذ الآن إلى إمكانية مشاركة حزبه في مؤسسات الدولة بعد الإنتخابات إذا ما توصلوا إلى صيغة للترضيات , و قد أقر السيد علي عثمان محمد طه هذا المنحى و أشار في حديث له أن الدولة القادمة بعد الإنتخابات لن تكون دولة الحزب الواحد . هذا تقارب لا بد لنا أن نحمده , لأنه سوف يقود إلى الوسطية الحقة و سوف يقضي على كثير من الأفكار المتشددة التي كانت سائدة و التي فرّقت و ملأت النفوس أضغانا . هنا سوف يكون الإمتحان عسيرا لحزب المؤتمر الوطني في مدى حقيقة إنتقاله من الشمولية إلى التعددية و قبوله بالآخر .

لقد شاهدت حملة الرئيس البشير الإنتخابية في جنوب السودان و زياراته لمعظم المدن الكبرى في الإقليم و إقترابه من الأهالي بإرتدائه لأزيائهم التي جعلته يبدو منهم و أكثر قربا لهم من الساسة الجنوبيين أنفسهم . لقد افلح حزب المؤتمر الوطني في عملية التعبئة و الحشد الجماهيري أثناء هذه الزيارات بحكم تجربته الطويلة في العمل التنظيمي و بحكم إمكاناته المادية . لقد عدد السيد الرئيس لجماهير الجنوب مشاريع التنمية التي تم إنجازها بالجنوب كالطرق المسفلتة و الجسور و ترقية النقل النهري و السكك الحديدية و قيام الجامعات و وعدهم بقيام جامعة الزعيم جون قرنق بكلياتها المتعددة ..

هذا جيد , و يمس في دخيلتي ما ظل يؤرقني حقا . أقول إن كنا قد أخطأنا في تحليلاتنا السابقة , و أرجو ذلك , بشأن مؤامرة فصل الجنوب , فإن المطلوب من الرئيس البشير في هذه الحالة أن يثبت أنه يسعى كي تكون الوحدة جاذبة , و أن يعمل بإمكانات حزبه المهولة لتحقيق ذلك في ما تبقى من زمن حتى قيام الإستفتاء في بداية العام القادم .

ليس المهم من يحكمنا , في دولة القانون و الحرية و المساواة و المصداقية و النزاهة و الشفافية , لأن سيف التقويم في كل الأحوال يكون مسلطا . هل يمكن أن تكون لنا دولة فيها مساواة بين المواطنين و فيها نبذ لسياسة التمكين و فيها تشديد على منتهكي المال العام و فيها رفع للمعاناة عن كاهل المواطنين ؟ أرجو ذلك , و لو بعد عقود من الزمان .

omar baday [ombaday@yahoo.com]

 

آراء