لو أدرنا ظهرنا لجنوبنا !
منى عبد الفتاح
21 August, 2013
21 August, 2013
كيف لا
وقفتُ مليّاً عند دعوة بعض كتّاب الصحف إلى ترك ما للجنوب للجنوب بدعوى أنّ الذي يحدث هناك شأن داخلي لا دخل لحكومتنا أو المعارضة به. وإن كان حماس بعض قوى المعارضة الزائد للتكرم باقتراح الحلول لدولة الجنوب بينما تقصّر الحلول عن المشاكل الداخلية، هو مصدر هذا الانتقاد فإنّه لا يعني صرف النظر بتاتاً عن المشكلة حتى ولو من باب التدارس والتشاور وتحليل مدى تأثير نتائجها على السودان.
أدرنا ظهرنا من قبل وعاندنا أنفسنا ووقفنا ضد مصلحتنا بإيقاف مرور نفط الجنوب الذي كان في وقت من الأوقات هو نفط السودان الموحد كله، فماذا كانت النتيجة؟ هذه المرة لا تقتصر المشكلة على صراع السلطة والنفوذ في حكومة الجنوب فحسب وإنّما هناك صراع آخر يغذي صراع السلطة هذا وهو القتال بين الجيش الشعبي وتمرد آخر بقيادة ديفيد ياو ياو في ولاية جونقلي وتجدد الصراعات بين قبيلتي النوير والمورلي مما ينذر بكارثة حرب أهلية جديدة ستقوّض الأمن في دولة الجنوب ، والذي سيؤثر مباشرة على أمن السودان.
بداهة تأثير هذه المشاكل على الأمن والاقتصاد بالإضافة إلى النفط الذي ثبتت خسارته كليّاً أو جزئياً إن تم الاتفاق، لا يحدّ من ظهور بنود أخرى تلعب هي الأخرى دوراً رئيساً وهي قناة جونقلي . فبعد أكثر من عشرين عاماً من توقف المشروع قام الرئيس سلفا كير في فترة توليه نائب الرئيس السوداني بفتح مشروع القناة الذي توقف عام 1983م بسبب الحرب وكان وقتها لم يتعدّ العمل فيه العامين. ولا ننسى أنّ مشروع القناة كان الأطروحة التي أعدّها الزعيم الراحل جون قرنق لنيل درجة الدكتوراة من جامعة إيوا بالولايات المتحدة وكان موضوعها عن أثر قناة جونقلي على المواطنين المحليين وقضية التنمية الاجتماعية الاقتصادية بالسودان.
الآن تغنّي "جونقلي" كما غنت من قبل " الحصان الذي فر" ، أغنية الدينكا الشهيرة حول مناطق البيبور التي لم يغمض لها جفن زمن الحرب ، أو كما تقول إحدى أغانيها الرائجة ، فذلك ليس بفعل أداء رقصتها على إيقاع النقارة ، وإنّما بسبب أنّ هناك شعبان تعبا من الحرب وبدأ يستعيدان الأمل في عودة وانتعاش الحياة. التوقعات الكبيرة هي في أنّ هذا المشروع المائي سيوفر أربعة مليارات متر مكعب من المياه لكلّ من السودانين ومصر والتي تضيع في المستنقعات بسبب التبخر. كما سيوفر الأراضي الخصبة للزراعة بشق القناة وانتعاش النشاطات الاقتصادية والتجمعات السكنية حول المنطقة . أما كل ذلك فليس قبل الفراغ من الدراسات وإيجاد الحلول التي يمكن أن تحفظ التوازن البيئي وتأثير القناة الايجابي ومعالجة السلبي منها .
وإلى أن يسيّر خط الملاحة النهرية بين دولة الجنوب والشمال خلال هذه القناة ، وإلى أن يوطن الرحّل بعد استصلاح الأراضي ، وإلى أن نرى المواطنين جنوبيين وشماليين يعبرون الطريق البري بين بور وملكال ، ثم حتى تستطيع الحيوانات البرية عبور الخندق الموجود الآن بأمان، فلن نحتاج إلى نقل تاريخ السودان القديم وتجميله ونقله ممزوجاً بحياء التقصير والإهمال وعقدة الذنب للأجيال قادمة .
إذا كانت تداعيات حرب الجنوب السياسية والأمنية تتميز بقدر كبير من المرارة، وتميل بسخونتها إلى احتلال مواقع الصدارة في واجهة الأحداث حتى بعد الإنفصال، فإنّ ما ارتبط بها من تداعيات اقتصادية تنموية يطرح نفسه الآن كواحد من خسائر الانفصال أو أرباحه وذلك حسبما تخلقه الظروف الراهنة التي نصنعها بأيدينا .
(عن صحيفة الخرطوم)
moaney [moaney15@yahoo.com]