ليبيا والسودان والعراق واليمن !!

 


 

 

إبّان ذروة حمّى الهوس الديني أيّام حكم (الأمويون الجُدُدْ) - كما وصفهم أحد قيادات التنظيم (المحلول)، بدايات شهور تسعينيات القرن الخاتم للألفية الثانية، ردد (المجاهدون) الأهزوجة الحماسية الداعية للوحدة الواثبة للأمام والمشرئبة نحو هامة الزمن، بين ليبيا والسودان والعراق واليمن، ولكأني بتلك الأهزوجة المتشنجة المستجيشة ضراوة والمستفزة للعاطفة الدينية غير المرشّدة، كانت طائر الشؤم النابش بمخالبه السّامة للحمة الوحدة الوطنية والاجتماعية لهذه البلدان الأربعة، فمنذ أن هتف المغرر بهم من فقراء السودان في ميادين معسكرات الدفاع الشعبي بالقطينة وفتّاشة والعيلفون، ودعوا لهذه الوحدة الخيالية، ضرب النحس هذه الدول الرباعية فأصيبت بداء الفتنة الدينية والطائفية، وفتك بها مرض الهوس الديني الذي لا جدوى للشفاء منه إلّا بعد أن يفتت عضد الأمة والدولة، هذه الأٌقطار تشابهت وتشاكل أمرها وأصبحت أحوالها متصدره لنشرات أخبار القنوات الشرق أوسطية والعالمية، فحينما ترى الصور والمشاهد الحارقة للقلوب والقاتلة لفلذات الأكباد في كل من بغداد وصنعاء وطرابلس والخرطوم، يتبادر إلى ذهنك أن هذه العواصم جميعها تقع إحداثياتها بين خطوط الطول والعرض نفسها، ومرة أخرى سوف تُصدم لو علمت حقيقة البعد الجغرافي الكبير عن بعضها البعض، والدهشة الكبرى ستغزو عقلك وتؤلم قلبك عندما ينمو لعلمك أن القاسم المشترك بينها هو فقط التعصب المذهبي والديني.
الأخبار المبثوثة عن هذه الشعوب الأفريقية والعربية والشرق أوسطية، تعكس تطابقاً غريباً ومثيراً للفضول بين المكوّنات الحزبية والنخب السياسية والكيانات المجتمعية لهذه الشعوب، فعبد الملك الحوثي في اليمن ومقتدى الصدر ونوري المالكي بالعراق وجماعة الإخوان بليبيا والسودان، يتخذون من مقولة (علي وعلى أعدائي) طريقاً للوصول للحكم، فهم الأكثر تعصباً والأمضى نرجسيةً وادعاءًا لامتلاك الحقيقة دون منافسيهم، وهذا المسلك الخالط لأمور السياسة بشئون الدين هو ما أخّر تقدم ليبيا والسودان والعراق واليمن، ولا شيء آخر غير هذا المنحى البائس المتعصب للقيم العليا دون ترسيخها بين مكونات ومنظمات هذه الجماعات، أنظر إلى اختطاف هؤلاء المتزمتون للعواصم الأربع عبر الإرهاب والتآمر والتدليس والإرتزاق والتلاعب بتقاطعات اجندات السياسات الدولية والإقليمية، ترى الحقيقة مجرّدة وكامنة في شيء واحد، هو بُعد هذه العصابات عن نبض الشارع الوطني الناشد للرفاهية والمُطالب بحقوق المواطنة، وحينما هتف إخوان السودان بروح هذا التحالف الدولي والإقليمي العريض، لم يكن هتافهم من باب الصدفة، بل إنّ بديهيات المشاريع السياسو- دينية لديهم تنبع من مضامين تلك العبارة الواردة بإحدى أهازيجهم – (دينه لنا وطن)، فالحوثيون والصدريون والمالكيون والزنادقة الليبيون والسودانيون الترابيون، ينطلقون من منصة واحدة لا تؤمن بحدود دولة الخدمات المدنية الوطنية الخادمة للناس.
لا يوجد معيق ومكبّل قد كبّل انطلاقة أوروبا الحديثة الحاضرة الحافظة لحقوق المسيحيين واليهود والمسلمين واللادينيين والملحدين، غير كهنة الكنائس والمتبتلين ليل نهار بالدير والمعابد، أوروبا التي يحج إليها علماء المسلمين من العراق والسودان وليبيا واليمن إذا مرض فرد واحد من هؤلاء العُملاء - أقصد (العُلماء)، ويسبُّها هذا (العالم المتدين الشهير) علناً في المنابر إذا أنعم الله عليه بالصحة والعافية، أوروربا التي تأوي جامعاتها أبناء وبنات علماءنا الذين يطلّون علينا عبر الشاشات صباحاً ومساءً يبثون الكراهية الدينية بين الشعوب المتسامحة لهذه البلدان ، فأوروبا لم تصل إلى ما وصت إليه إلّا بعد أن أبعدت المشعوذين والدجّالين ومانحي صكوك الغفران عن منصات توجيه الحياة العامة، فلم ولن ينهض السودان ولن يتعافى العراق ولا يستقر اليمن ولا تطمئن ليبيا، إلّا بعد أن يتم إبعاد الزنادقة عن سوح العمل السياسي، فالتزمت والتقوقع والتحجر والانكفاء والتعصب والهوس والوساويس القهرية لا تبني وطناً، كذا والعصبية المذهبية والولاءات العشائرية الآخذة شرعيتها من جاهلية شنعاء نهت عنها كل المواثيق والمعاهدات الدولية، التي لا تؤمن بالتشيع والتسنن والتمسيح والتهود والتأسلم والتبجح والتكلم نيابة عن الإله، تحرروا يا شعوب هذه الكواكب الأربعة التي اختطفتها مافيا العصابات المتدثرة برداء الفضيلة، أخرجوا من نفق الجهل والتخلف والمرض والانحطاط الأخلاقي.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
30 اغسطس 2022
///////////////////////////

 

آراء