ليس من دأب الشيوعيين الجفول

 


 

عمر العمر
17 July, 2016

 


aloomar@gmail.com

كأنما آثر الشيوعيون الذهاب بمؤتمرهم إلى تحت الأرض . فجأة إنحسر الحديث عن الحدث المرتقب . ربما لجأ الرفاق إلى ذلك الخيار تحت الضغوط الباطنية والظاهرية . الزملاء مهجوسون دوما بالسرية والتأمين.القيادة قذفت في وجه الرأي العام قضية لاترقى إلى أولوية حزب ثوري في ظل الأزمة الوطنية المركبة الراهنة . المأمول إلتام المؤتمر في أوانه بغية التحديق في وجوه التحديات كافة . لانعول على هتك الإلتزام بل نخشى الإختراق . ليس في دأب الحزب الثوري تأجيل مواجهة الأزمات أو مراوغتها .

أحد التحديات الجوهرية الماثلة أمام الحزب يتجسد في القدرة على مواجهة النفس والآخر .الضغوط الراهنة ليست أكثر وطأة مما كانت على عتبة سبعينيات القرن الأخير. الجدل الحاد آنذاك لم يكن وقفا فقط على الرؤى القكرية والكيان اتنظيمي. الخلاف استعر حول الموقف من الدولة الجديدة . الصراع الرأسي تمحور حول توصيف السطة يسارية القسمات ؛ ثورة أم إنقلاب ، بورجوازية صغيرة أم ديمقراطية ثورية . جذر الخلاف في إستقلالية الحزب أو تتبيعه . عدد من وجوه الحزب البارزة كانوا بالفعل على صهوة النظام .

الجدل الداخلي والتطورات الراهنة تضع الحزب مجدداُ امام إختبار القدرةعلى تجديد رؤاه وكيانه . الأحزاب الشيوعية وجدت نفسها في مأزق يزداد إستحكاما منذ إنهيار حائط برلين . هناك تيار لم يستبن بروز غورباتشوف ببروسترويكته تعبيرا عن الأزمة داخل االمعسكر الشرقي وليس معالجة لها . ثمة تيار سلفي أضحى أكثر تشدداً إذ ذهب عميقاً في جعل الماركسية مذهبا والنصوص قوالب جامدة . ذلك نهج جنح به بعيدا في الهيمنة والقمع حد الإقصاء.

في رصيد الحزب السوداني إرث ثر من العمل الجسور في سياق الواقع المحلي . الحزب لم يتشرب سيرته النضالية من النبع الماركسي اللينيني فقط بل نهل كذلك من بيئة المجتمع وتجربته السياسية . مسيرة الشيوعيين السودانيين عامرة بالبذل والجسارة. الرفاق المساهمون في بث الوعي وسط العمال والمزارعين إبان مرحلة التكوين تسلحوا بنكران الذات على نسق الزهاد .

أدبيات الحزب لم تخاطب الجماهير بالعزف على دكتاتورية الطبقة العاملة رغم أهميتها مقولة مركزية في المتن الماركسي . الخطاب السوداني يركز على ريادة الطبقة في قيادة حركة الجماهير الثورية .الحزب لم يتراجع فقط عن توصيف الرأسمالية الوطنية عدواً للثورة بل إتخذها حليفاً. كذلك تبنى البرلمان خيارأ مرجحا ضمن مسالك متعددة إلى السلطة. حتى الماركسية لم تعد الملهم الوحيد في التحليل والفعل الثوري . الحزب كذلك لم يصبح حكراً على الطبقة العاملة بل مفتوحا على كل الطبقات. ماركس نفسسه أضحى مفكرأ بين آخرين يبقى له الإعتراف بالريادة

. من المهم خروج الحزب من مؤتمره صلبا واعياً بدوره . إذا كان نشر الوعي ظل يمثل أولوية في مهام الشيوعيين فمن المفترض إعلاء بوصلتة في كابينة القيادة . من شأن الخلافات غير المؤسسة إعاقة حركة التقدم . الإرتقاء بالجدل الفكري يشكل حلقة اساسية في منظومة ترقية الحزب.

لابد للرفاق من الإعتراف بضمور مستوى الأداء على جبهة العمل العام . من المفيد كذلك الإعتراف بتدني مستوى الخطاب السياسي . الرؤية لاتتسم بالنفاذ المألوف . الصياغة رثة الديباجة . ممارسة النقد فضيلة إن لم تكن فريضة . الموقف برمته يتطب مراجعة نقدية شاملة .

سياسات النظام القابض على السلطات أفرزت تشوهات على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي أفرزت سيولة لا تؤطر طبقات محددة بالمعايير الكلاسيكية . شرائح عديدة من الطبقة الوسطى أضحت داخل حوش الطبقة العاملة . معظم الجائلين في هذه الساحة وحوافها ماعادوا يملكون سوى قوة عملهم يعرضونها في أسواق مستنزفة جائرة . الطبقة العاملة كائن حي يتأثربحركة الصراع الإجتماعي.

أمام المؤتمرين مهام ثقال في مقدمتها الحفاظ على حزب فتي موحد . تقديم قيادة مقنعة مبدعة ملهمة قادرة على ضخ دماء طازجة في كيان الحزب ورؤاه. تبني برنامج جاذب من شأنه استنهاض الجماهير و استنفار طاقاتها على طريق التقدم والخير والجمال. هذه مهمة تستوجب صياغة مشروع حداثي بعيدا ً عن الإستنساخ والإجترار.لابد للحزب من استرداد موقعه في قلب الحركة السياسية السودانية بؤرة إشعاع تعكس أضواءها على اليمين واليسار .استعادة دوره القائد في إعادة بناء المنظمات النقابية ومؤسسات المجتمع المدني . مكانة الحزب يحددها دوما موقعه من قيادة الحركة الثورية .

كل هذه المهام تستدعي إستيعاب المتغيرات في النطاق المحلي كما على الصعيد العالمي. مثلما هو الخروج من النصوص الى المنهج مطلوب في إلحاح كذلك إستئناف العمل الجماهيري باليات وأدوات عصرية . مواكبة ثورة المعلومات يتطلب على نحوخاص قدحا ذهنيا معاصرا بما في ذلك ترقية لائحة الحزب . إحكام التننظيم لاغنىً عنه لكن مطلوب في إلحاح تكثيف ذهنية التنظير في غرفة العمليات . لينين حذر إبان نضاله الأخير ضد المرض من إسناد سكرتارية الحزب إلى ستالين . وصية لم يؤخذ بها فولجت الأحزاب الشيوعية مرحلة الستالينية . ذلك منهج أفضى إلى تعقيد أزمات المجتمع الإشتراكي بينما أثبتت الرأسمالية قدرتها على معالجة أزماتها .

 

آراء