(كتبت هذه القصيدة ذات ليلةٍ أشبه بالبارحة. كنت كما أنا اليوم ، أحمل خارطة وطني بعيداً عنه. وكان الصديق كمال الجزولي كما هو اليوم قابضاً على جمر القضية.
يودعونه سجونهم ، ليخرج من المعتقل كما الحال مع كل أحرارنا وحرائرنا : أقوى عزيمة! وتظل هذه القصيدة تقول اليوم ما قالته بالأمس !)
وهْجُ القصيدةِ لا يموتُ ولا تزالُ ملاحمُ الشعراءِ أقوى.. من حبالِ المشنقهْ! دعْ عنكَ ظلَّ سحابةٍ عبرتْ مدينتَنا فإنّ الورْدَ يحلُمُ بالأماسي المونِقهْ وأراك تنتظرُ التي وعدتك ثمّ تأخّرتْ يا أيُّها الوترُ المُعبّأ بالوطنْ ليلاكَ ما خانتْ ، ولكنّ التتارَ! يراهنون على ضفيرتِها فلا تحفلْ بمهزلةِ الزمنْ! في آخِرِ الأنباءِ قال النّهرْ: إنّ العابرينَ على خيوطِ الوَهْمِ.. عادوا خائبين! وإنّ تجّارَ العيوبِ توقّفوا ما بين عرض النّيل في سوقِ المزادِ وقدرة الأحزانِ أن تلدَ النهارْ !!
ليلاكَ ما خانتْ لعينيْها يهونُ العمرُ والكلماتُ تأخذُ شكلَ زنبقةٍ ونارْ شبعت عيونُ المخبرين من التجسّسِ علّقوا آذانهم فوق الجدارْ حبسوكَ لكنّ القصيدةَ حاصرت خوذاتهم! فضَحَتْ ظلامَ السجنِ ضاءتْ في الزوايا الداكنهْ! ومضتْ تبشّرُ في الورى: "أم درمان تأتي في قطار الثامنهْ" *
حتماً ستأتي في قطار الثامنهْ !
حدّقْ كعهدكَ في جبينِ الشمسِ وافتحْ نافذاتِ الضّوءِ للحُلُمِ الكبيرْ هذا الترابُ يشدّنا من آخِرِ الدّنيا فنركضُ صوبَهُ توْقَ الفراشةِ للعبيرْ في نبضِنا نلقاهُ، في المدن البعيدةِ في عذابِ العشق، في الطمبور والمردومِ يطلعُ من كاسيتْ ! من وردةِ الدم ، من عذاب الناسِ يطلعُ من أنين المتعبين! نلقاه في الغضبِ المسافرِ في عيونِ النازحينْ هذا الترابُ إذا تكدّر طبعهُ وقف الزمن!! يا ثورة الغضب المقدّس دمدمي خسئت سجون في الخفاء وفي العلنْ! سقط القناعُ ليفضحَ الوجهَ القناعْ شدِّي رحالَكِ يا محنْ! *** يا أيها القمرُ المحبوسُ في وطني يا بذرة الحلم المقهورِ في العلنِ ضعْ في يمينِكَ مشكاةَ القريضِ إذا عزّ الكلامُ على بوّابةِ الزّمنِ! *** "ام درمان تأتي في قطارِ الثامنهْ" صُفّوا لها ورْدَ الحقولِ.. وخبِّروا أحبابَها يا عاشقين تقدموا.. طال السُّرى حثّوا الخطى فالنملُ حاصرَ بابَها قولوا لها: راياتُ مجدكِ باقيهْ أحلامُ فجرِكِ آتيهْ فتوشّحي برق انتصاركْ إنّ أجملَ ساعةٍ في العمرِ تزهرُ بانتظاركْ فامطري في الثامنهْ! *** يا أيها القمر المحبوسُ في وطني يا بذرةَ الحلمِ المقهورِ في العلَنِ ضعْ في يمينِكَ مشكاةَ القريضِ إذا عزّ الكلامُ على بوابةِ الزّمنِ! ------------------------ * " أم درمان تأتي في قطار الثامنة" – قصيدة للشاعر كمال الجزولي