لِمن ستصوِّت الحكومة السودانية؟

 


 

 



6/6/2012م

لم أفهم الأسباب التي تدفع الكُتاب السودانيين لمقاطعة الكتابة عن ما يجري بمصر. قليلة هي تلك الكتابات التي تهتم بالشأن المصري على الرغم من التأثيرات العميقة التي سيُحدثها التغيير بمصر على السودان. بالأمس قرأت بـ ( الأحداث ) مقالاً رصيناً لأستاذنا فتحي شيلا ( تأثيرات محاكمة مبارك على الجولة الثانية للانتخابات). حوى المقال مقاربة ذكية للحالة المصرية. كم أود أن يستمر الأستاذ شيلا في الكتابة والتحليل للأوضاع المصرية؛ فصحافتنا خلو من الخبراء في الشأن المصري، أو أنهم لاذوا بالصمت وتركوا الساحة بلقعاً ( أين أنت يا دكتور عبد الله حمدنا الله). لاشك أن الأستاذ شيلا من أميز الخبراء في الشأن المصري ليس لأنه من قيادات الاتحاديين، ولا لكونه أنفق سنوات من سني عمره الزواهر في مدنها وحاراتها فحسب، بل لأنه أكثر المطّلعين على تاريخها، وذو معرفة عميقة بتطوراتها السياسية الحديثة، بل هو شاهد عصر على بعضها. لاحظت أن مقال شيلا أبدى تعاطفاً مع مبارك، فعرفت أنه من الفلول!!. معليش يا أستاذ.
يا ترى لمن ستصوت الحكومة السودانية إذا ما أُتيحت لها الفرصة في انتخابات الرئاسة المصرية خلال جولة الإعادة المقبلة؟. لشفيق ستعطي صوتها أم لمرسي؟. وما الفرق؟. هناك فرق ( حيا الله ست الاسم منى أبوزيد). لو أنّ الحكومة أعطت صوتها لشفيق لقالوا عنها «فلول تحن للعهد البائد وتكره الثورة ورموزها». لو أنها منحت صوتها لمرسي لقالوا ( أصلاً هي حكومة كيزان فليس غريباً أن تدعمهم.. فالكوز لأخيه رحمة). وقد تمضي تحليلات أكثر عمقاً لتتهم الحكومة بمحاولة صنع حزام كيزاني من مصر لليبيا لتونس.
لو أنها أعطت صوتها لشفيق يعني ذلك أن الحكومة السودانية لا تزال تفضل التعامل مع مصر القديمة؛ مصر التي تحكمها المخابرات. والسودان داخل دهاليز هذه الدولة مجرد ملف أمني لا يستطيع السياسيون الاقتراب منه. كم عانى السودان من التعامل الأمني مع مصر. في ظل عهد حسني مبارك تدهورت العلاقات المصرية السودانية ووصلت لأدنى مستوياتها. فالميزان التجاري لم يتجاوز المائتي مليون دولار في العام، وأقصى حد بلغته الاستثمارات المصرية في السودان لم يتعدَّ الاثنين مليار دولار؛ وكلها استثمارات هامشية.
تركت مصرُ السودانَ فريسة للأطماع والأجندات الدولية. في عهد حسني انفصل الجنوب وتدخلت القوات الدولية في أعماق السودان، وأضحى السودان بلا غطاء عربي، فتفرقت قضاياه وسط غياب شبه كامل للدعم العربي. في عهد حسني تدهورت علاقات مصر بأفريقيا.. وواجهت مصر تمرداً أفريقياً في أخطر قضية تواجهها؛ وهي قضية مياه النيل. كاد السودان بسبب دعمه لمصر تحت الضغط أن يفقد عشر دول أفريقية عُرفت بدول حوض النيل بعد مبادرة عنتبي. لا مصلحة للسودان أن تعيد مصر إنتاج ذلك العهد تحت راية المرشح الرئاسي أحمد شفيق؛ آخر رئيس وزراء مصر (لو المصريين انتخبوه يكونوا بالغوا).
لو كنت مكان الحكومة السودانية لصوّت لمرسي دون تردد ليس لكون مرسي إخواني أو إسلامي، ولكن بسبب إمكانية تغيير العقلية التي ظلت تتحكم بمصر لعهود خلت. في عهد مرسي لن يكون السودان ملفا أمنياً بل سيخرج من دهاليز الأمن لفضاء الخارجية؛ وهنا يمكن أن يستفيد السودان من فعالية الدبلوماسية المصرية على الأقل في الملفات المفتوحة الآن؛ والتي وضعت تحت بصر وسمع مجلس الأمن.
مصر بقيادة الإخوان ستكون أكثر انفتاحاً على السودان ليس لأنه إخواني، إنما لأن مصر بحاجة للسودان في ملفي الأمن الغذائي والمياه. بسياسات مصر الجديدة التي تنزع للاستقلالية ستتعرض مصر لضغوط شتى؛ وأكثر تلك الضغوط خطورة ستأتيها من بوابة الغذاء. فمصر تكاد تعتمد كلياً على الخارج في استيراد القمح وهي السلعة الغذائية الأولى في مصر. السودان يمكن أن يوفر ملاذاً آمناً للاستثمارات المصرية الكبرى في مجال الغذاء. الأسواق السودانية بحاجة لكثير من البضائع المصرية التي يمكن أن تتدفق بأسعار منافسة دون عوائق جمركية. كانت مافيات الاقتصاد بمصر تفضّل الاستيراد من استراليا وغيرها. في عهد مرسي أتوقع أن تتجه الأسواق المصرية وخاصة في مجال استيراد اللحوم للسوق السوداني الأجود والأضمن ومن غير سلسلة وسطاء. مصر تستورد لحوم من الخارج بـ 16 مليار دولار سنوياً. لو أنّ مصر انفتحت على السودان استثمارياً وعلى ليبيا تجارياً لانتعشت كل المنطقة، واكتفت من كل السلع التي تستوردها. إذا فاز مرسي في انتخابات الإعادة أتوقع أن يكون خيرت الشاطر هو رئيس الوزراء القادم في مصر وهذا الرجل ذكي وذو عقلية اقتصادية جبّارة بإمكانها أن تدفع بالملف الاقتصادي لقمة الأولويات وحينها سيكون السودان أول المستفدين. ياناس الإنقاذ ادعوا لمرسي بالتمكين.

عادل الباز

 

آراء