مؤتمر جوبا لخارطة الطريق … بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم
4 February, 2010
سارعت كبري احزاب المعارضة السودانية بالتوجه الي جوبا بدعوة من النائب الاول لرئيس الجمهورية ، رئيس حكومة الجنوب الفريق اول سلفا كير ميارديت، مع ملاحظة مهمة هي ان الدعوة أعقبت مباشرة زيارة نائب الرئيس الأستاذ علي عثمان الي العاصمة الجنوبية. اهم ما خرج به الاجتماع هو " عقد مؤتمر في جوبا يضم ، كل القوي السياسية !!! و الحركات الدارفورية المسلحة ، بما فيها حاملي السلاح و المجتمع الدولي و الاقليمي و وسطاء مفاوضات سلام دارفور ، للوصول لخارطة طريق لحل قضية دارفور" الصحافة ، العدد 5949، 3 فبراير ، 2010م. بالرغم من ان تلك الدعوة مبالغة في التفاؤل ان لم نقل انها خيالية و غير قابلة للتنفيذ العملي و لكنها جاءت في سياق يهم جميع السودانيين ، لذلك من المفيد مناقشتها. هذه الدعوة غير عملية لأنها تجمع أطراف من المستحيل اقناعها للذهاب الي جوبا لوضع خارطة طريق لحل مشكلة دارفور بتلك البساطة و الا لكان الحل ممكنا منذ زمن بعيد. الصعوبة ليس فقط في اقناع الأطراف الدولية و الإقليمية ذات الأجندات و البرامج و إلزامها بوضع تلك الخارطة وفقا لجدول الانتخابات السودانية القادمة التي تبقي لها حوالي الشهرين ، اللهم الا اذا كانت اطراف جوبا علي يقين بان الانتخابات سيتم تأجيلها حتي نوفمبر القادم. انظروا لتلك الاطراف منها الولايات المتحدة الامريكية ، الاتحاد الاوربي ، الصين ، روسيا . اما إقليميا فتضم أطراف مثل تشاد، ليبيا ، مصر ، اريتريا ، قطر ، كيف يمكن اقناع تلك الاطراف بالتوجه الي جوبا و وضع خارطة طريق مع احزاب المعارضة و الحركة الشعبية لحل مشكلة دارفور؟ ثم اين سيكون المؤتمر الوطني ، الحاكم الفعلي و الممسك بعصا النزاع و الحل من ذلك المؤتمر؟ هل سيحضر للمشاركة في وضع الخارطة ام سيستبعد؟ ام سيمتنع؟ في حالة عدم حضوره فباي شكل يمكن لدول ان تحضر مؤتمر بغياب الحكومة المركزية؟ يبدو ان مثل هذا السيناريو الغريب لا يقنع حتي الحركة الشعبية بصفتها جزءا من الحكومة و شريك للمؤتمر الوطني و في حالة التفاوض فانها ستجلس في الطرف المعاكس ، طرف الحكومة و ليس المعارضة ، علي الاقل فبل الانتخابات المشار إليها. اما الجانب الاخر من الاستحالة فيكمن في اقناع " جميع حركات دارفور " في الاتفاق علي خارطة طريق للحل ، اذ لم تستطع الاتفاق فيما بينها ، كما لم يستطع المجتمع الدولي و الاقليمي في توحيدها حول رؤية واحدة حول أي نقطة يمكن ان تؤدي الي ايجاد نهاية للنزاع.
الجانب الثاني الملفت للانتباه هو عدم التوفيق في ميقات الاجتماع الذي جاء قبل ساعات من نظر المحكمة الدولية في الاستئناف المقدم من مدعي المحكمة حول اضافة تهمة الابادة الجماعية للتهم التي تم توجيهها العام الماضي للرئيس السوداني المشير (م) عمر البشير. من المعروف ان المحكمة قد ألغت القرار الخاص باستبعاد التهمة و رأت النظر في اضافتها عند انعقاد الجلسة الاجرائية التي تسبق المحاكمة ، كما فهمت من تغطية الاخبار. بالرغم من ان قرار المحكمة الجديد لا يضيف الكثير من الناحية العملية الخاصة بالمحاكمة الا انه سيساهم في المزيد من بعثرة الاوراق الخاصة بقضية دارفور. من الشواهد علي ذلك التقاط بعض الحركات الدارفورية لاشارة المحكمة و اعلانها اعادة النظر في التفاوض مع الحكومة. يبدو ان ذلك الامر لم يكن غائبا علي الحركة الشعبية ، بل بالعكس ربما رغبت في استثماره ، لكن السؤال الاهم يدور حول رؤية الاحزاب الشمالية المعارضة التي من المفترض انها تستعد لخوض الانتخابات.
الجانب الاخر في سوء توقيت الاجتماع هو انعقاده مع اقتراب بداية الحملة الانتخابية التي ستنطلق في 13 فبراير 2010م الجاري ، أي بعد حوالي عشرة ايام بعد الاجتماع. السؤال هنا هل ستخوض الاحزاب السودانية الحملة الانتخابية ام ستضيع الوقت في الدعوة لمؤتمرات لن تعقد ابدا؟ خاصة و ان الحملة الانتخابية ستتم تحت رحمة شريكي نيفاشا. يبدو ان الاحزاب ستخوض الانتخابات " كراع بره " و " كراع جوه" . بهذا الشكل حتي اذا انعقد ذلك المؤتمر بمن حضر فاي اشارة يمكن ان تلتقطها حركات دارفور من الحركة الشعبية التي تسعي الي الانفصال بالجنوب؟ ما هو مدي جاذبية ذلك التوجه لحركات دارفور؟ ما هي المكاسب التي يمكن ان تعود لاحزاب المعارضة من حيث المكاسب و الخسائر في الحملة الانتخابية؟ هل حسبت احزاب المعارضة جيدا المخاطر التي يمكن ان تترتب علي تلك الدعوة و النتائج التي يمكن ان يخرج بها ذلك المؤتمر في حالتي النجاح او الفشل؟ هل يمكن لمثل ذلك المؤتمر ان ينجح بضربة واحدة في جمع كل تلك الاطراف و الخروج بخارطة طريق للحل ، في الوقت الذي اعي فيه ذلك النزاع العالم؟ هذا اذا اقتنعنا فعلا بان المجتمع الدولي و الاقليمي يريد الوصول الي حل ، و في هذه الحالة ما هي الضمانات بان يسلك ذلك المجتمع المسار المرسوم من قوي الإجماع الوطني لمجموعة جوبا؟
الغريب ان كل ما تم في جوبا جاء مع اعلان صندوق الغذاء العالمي بان هناك حوالي 4.3 مليون جنوني في حاجة لعون غذائي عاجل ، و هذا رقم مخيف ، لم تجد تلك الدعوة أي صدي في اجتماع جوبا. يا تري كم هو عدد مواطني الشمال الذين يحتاجون لنفس العون الغذائي؟ يبدو انه من الأفضل لأحزاب المعارضة السودانية اذا أرادت ان تحقق اختراقا في الجدار السميك الذي بناه المؤتمر الوطني في الشمال و الحركة الشعبية في الجنوب ، ان تنفض الغبار عن برامجها الانتخابية و تبحث الصيغ المناسبة التي تمكنها من احداث ثغرة ينفذ منها ( شعاع النور ) للحياة السياسية في السودان. حتي الان لم تتوصل الاحزاب لصيغة معينة لخوضها المعركة الانتخابية كما لم تضع أشكالا للتحالف الانتخابي فيما بينها ، و هنا نجدها قد دخلت في لعبة الوقت ، التي لا يبدو انها تلعب لصالحها. ذلك سيكون افضل بكثير من البحث عن قطة سوداء في دهاليز مظلمة في الوقت الذي لا توجد فيه أي قطة هناك.
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]