ماذا لو اجتاح الدعم السريع الخرطوم!

 


 

 

فى السادس عشر من نوفمبر الجاري صدّرت صحيفة (the economist ) البريطانية الشهيرة مقالها عن حرب السودان بعنوان مليشيا الإبادة تربح الحرب فى السودان! وهى خلاصة ترددت علي صفحات عدد من الدوريات الإقليمية والعالمية. ما يجمع عليه المراقبين أن السودان وقع ضحية صراع المحاور وان ميلان كفة الحرب مرتبط بحجم الدعم الواسع الذى تتلقاه المليشيا وتوفره دولة الإمارات التى سخرت مواردها المالية لضمان تفوق نوعي للمليشيا فى التسليح خصوصاً في جانب الطيران المُسيّر والمدافع المضادة للطائرات إضافة لخلق محيط إقليمي مساند للدعم السريع عبر صفقات اقتصادية وعسكرية كما وحدث فى تشاد وبدرجة أقل وضوحاً فى إثيوبيا وجنوب السودان.
خلق كل ذلك حقيقة على الجميع مواجهتها وهى أن موازين القوة قد تغيرت مرحلياً لصالح الدعم السريع بما يجعل انتصاره فى معركة الخرطوم خيارا لا يمكن استبعاده. ومع مرارة هذا الاحتمال على الكثيرين إلا أن الضرورة تحتم مناقشته وتبعاته المصيرية على مستقبل الوطن وسلامة شعبه. وقبل الخوض فى مناقشة متعلقات هذا الاحتمال يجب التأكيد على أن انتصار الجيش هو الراجح بإذن الله ولكنه رهين بتغيير فى قيادة الجيش والدولة بمن يرغب فى/ويستطيع حشد طاقات الشعب وقوي الدولة وتوفير السند الدولى الذي يتيح للجيش تحقيق الانتصار.
من المفيد قبل النظر في تبعات اجتياح الخرطوم، الوقوف علي نقطة انطلاق الموجة الثانية لقوات المليشيا وهى دارفور، إذ شهدت الساعات الأولى من صباح اليوم الحادي والعشرون من نوفمبر انسحاب قوات الفرقة عشرون للقوات المسلحة من الضعين حاضرة ولاية شرق دارفور وبذلك تكون عملياً أربعة من ولايات دارفور الخمسة تحت سيطرة المليشيا واجزاء من ولاية شمال دارفور والتى مازالت الفرقة الخامسة صامدة فى حاضرتها الفاشر ومسنودة بقوات عدد من الحركات المسلحة أبرزها حركة العدل والمساواة جناح جبريل ابراهيم وحركة تحرير السودان بقيادة منى مناوي. وتمثل الفاشر تحديا حقيقيا للدعم السريع ليس عسكرياً فقط ولكن سياسياً واجتماعياً وإنسانيا، فإجتياح الفاشر يهدد بإنتقال الحرب علي خطوط الهوية فى عودة لسيناريو الحرب الأهلية للعام ٢٠٠٣ إضافة لإشعال موجة نزوح ضخمة بعد أن صارت الفاشر الملاذ الأخير لنازحى مدن الإقليم المستباحة من المليشيا. إشعال نار الحرب الأهلية خطر قطعاً يضع له الدعم السريع الف حساب فهو يهدد جهده العسكري تجاه الخرطوم بصورة جادة كما ينسف روايته حول دوافع الحرب ويهدد بموجة جديدة من العقوبات علي المليشيا وقيادتها تشل قدرتها علي الفعل السياسي والحكم. يضاف إلى ذلك العجز الواضح للدعم السريع على الإدارة المدنية لمناطق سيطرته والتى انهارت فيها الخدمات وارتفعت فيها اسعار السلع والاسواء من ذلك فشله في تسويق نفسه كحكومة مقبولة لكافة مكونات دارفور وموقف الحركات المسلحة الأساسية بالاصطفاف خلف الجيش هو أوضح تعبير عن ذلك، هذا الموقف تعززه الوحشية المفرطة وأوضح أمثلتها ما تم بحق مجتمع المساليت.
أمام ذلك يكون افضل خيارات المليشيا هو تسكين جبهة الفاشر والانطلاق شرقاً فى محاولة فرض أمر واقع فى الخرطوم، قبل أن يتداعى البيت من الداخل، وهو خيار أيضا له تحدياته.
الانطلاق شرقاً هذه المرة يقف أمامه سجل سبعة أشهر من الانتهاكات عاشها شعب إقليم كردفان مع ارتفاع دعوات بالمواجهة وهو سياق يستحق أن ينظر فى تفاعلاته واهم محطاته هى الابيض وفيها تتمثل كل تعقيدات كردفان وستكون تحديا جسيما أمام المليشيا.
على افتراض أن المليشيا تجاوزت كل العقبات وطرقت باب الخرطوم للمرة الثانية بقيادتها الأساسية وبما جلبته من دارفور من عتاد وعديد وبإفتراض أن ميزان الجيش العسكري لم تحدث فيه تغييرات جوهرية وهو مستبعد فعندها وبعد معارك طاحنة ستكون المليشيا قد وضعت يدها على العاصمة ودمرت الجزء المهم من الجيش.
عند تلك النقطة يكون السؤال المطروح هل تحقق لها الانتصار؟ ثم ما خطوتها التالية؟ لن تستطيع المليشيا ادعاء الانتصار التام الا بوصولها ساحل البحر الأحمر وتحديداً بورتسودان وإسقاط العاصمة البديلة وهو أمر يمثل تحدي عسكري إذ تنتقل الحرب بعد الخرطوم إلى مناطق عشائرية وهي فى معظمها معادية للدعم السريع ولها مكوناتها المسلحة مما قد يحيل الصراع إلى حرب أهلية (نظرا لطبيعة الدعم السريع). يضاف إلى ذلك التحول المتوقع فى سلوك دول تناصر الدولة السودانية ولها مخاوف حقيقية تمس أمنها القومي من حكومة فى الخرطوم تحركها مصالح محور الإمارات - اثيوبيا مما يؤدي إما لتدخلها المباشر في الحرب او لزيادة دعم الجيش بما يمنع سقوط الدولة. وفى ذات السياق لا يمكن استبعاد ردات فعل بقية أطراف السودان إذ من المستبعد قبولها بالدعم السريع كقوة ممثلة للدولة ومحتكرة للعنف وهو ما قد يستدعي وبشكل مباشر تحرك من قبل قوات الحلو ببسط سيطرتها على كافة جنوب كردفان وجبال النوبة والتمهيد لإعلان كيان مستقل. سلوك مماثل متوقع فى النيل الأزرق وتحديداً مناطق سيطرة عقار ورفض شعبي واسع واستعداد للمواجهة فى الوسط والشمال. هذا السيناريو يتفق ومخططات تفتيت الدولة السودانية لكيانات جهوية وعرقية ضعيفة ومتناحرة وعمليا هو ردة الفعل التلقائية لدولة الدعم السريع.
بديل الدعم السريع الآخر هو الامتناع عن تجاوز الخرطوم والسعى نحو اتفاق سلام منتصر مع قيادات بديلة للجيش تؤسس أما لثنائية عسكرية يكون فيها الدعم السريع القوة الضاربة او لجيش جديد يمثل فيه الدعم السريع عظم الظهر ثم تشكيل حكومة صورية انتقالية الراجح أن تتكون من المجلس المركزي للحرية والتغيير وبعض الكيانات السياسية والجهوية ولكنها حكومة ستفتقد قطعاً للشخصيات المحترمة إذ لن تقبل أن تكون دمية بيد آل دقلو، كما أنها ستواجه تحديات مجتمع شديد الانقسام وبلد منهار اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ولها معارضة شديدة بالداخل والخارج ومهددة بعقوبات دولية تشل حركتها وفواتير واجبة السداد للدول التى دعمت الحرب. هذه وصفة لن تصمد أمامها اى حكومة مدنية مما يفتح الباب لدكتاتورية مليشياوية وحرب اخري.
الخيار المستبعد والذي تفضله القوى المدنية ممثلة فى المجلس المركزي هو مقايضة آل دقلو بالإفلات من الملاحقة القضائية والحفاظ على بعض مكاسبهم الاقتصادية مقابل التنازل عن السلطة ووجود معتبر للدعم السريع في الجيش الجديد وهذا خيار قد يتوافق مع المجتمع الدولي ولكن تقف أمامه طموحات الأسرة والمكونات الداعمة لها في الحرب وتقف ضده مطالب الضحايا بالعدالة ومصالح الدول التى ساندت المليشيا.

ibnouf77@gmail.com

 

آراء