ماريو بالوتيلي: “أنت لست إيطالي حقيقي … ما أنت إلا إفريقي أسود”!

 


 

 



mohamed@badawi.de

من منّا ينسى تلك الوقفة الخارقة للعادة التي وقفها في نهايات كاس أروبا ٢٠١٢ عندما أحرز الهدف الثاني في مرمى الفريق الألماني. لم يخرج من طوره كما يفعل لاعبي الكرة بعد احراز الأهداف؛ يجرون ويهللون ويرمون بأنفسهم على الأرض ويرتمي الآخرون عليهم. وقف بالوتي كأيقونة من خشب الأبنوس وخلع تريكو المنتخب الإيطالي وأبدى قبضة حديديّة أمام كل الذين أذاقوه ويلات العنصرية وقذائف التجريح والشتائم. تلك الوقفة الممتلئة شموخا وكبرياء عرفت في عهد الرق والعبودية عندما كان العبيد يقفون مكبلي الأيدي بيد أن أعينهم كانت تلفظ الشرر والنار وكأنهم يقولون لأسيادهم: يمكنكم أن تستحوذوا على جسدي لكن هيهات أن تملكوا روحي! كان ماريو بالوتيلي يخاطب الشعب الإيطالي أجمع ملقيا بالعلم الإيطالي المرسوم على التريكو على الأرض قائلا: انظر أيها الملأ، أنا وحدي ولا أحد غيري...!
لم يولد بالوتيلي في غانا ولم تطأ رجلاه أرض أفريقيا لكن عاش مع والديه المهاجرين من غرب أفريقيا، حيث ولد عام ١٩٩٠ في مدينة باليرمو بجزيرة صقلية في جنوب إيطاليا. رغم أنه إيطالي المولد والثقافة، لكنه لم تتح له الفرصة عندما كان مراهقا أن يشارك باسم المنتخب الإيطالي خارج إيطاليا، إذ لم تمنحه السلطات جواز سفر ايطالي.
قد يكون لنشأة ماريو وسيرته الذاتيّة عظيم الأثر على سلوكه المثير للجدل. فالكل يعرف أن عناوين الصحف لا تخلو من شطحاته وفضائحه الكثيرة. هل تتراكم آثار هذا السلوك المخالف للأعراف في صغره؟ بالرجوع إلى تلك الحقبة نجد أنه بدى للأطباء منذ الولادة إصابته بمرض معوي جسيم، إذ اضطرت أسرته للرحيل لمدينة صناعية أخرى بإيطاليا ليتمكن الأب من وجود فرص عمل أكبر، ولكي يوفر لابنه المريض نثريات العلاج والعناية الصحية الفائقة المتوفرة في تلك المدينة. وعندما تكاثرت المبالغ الباهظة لعلاج الصغير ماريو أضطر والديه لأن يهباه لأسرة إيطالية لفترة مؤقتة (عام واحد) وهو لازال في عمر الثالثة. هي أسرة بالوتيلي التي يحمل اسمها على التريكو رغم أن اسمه الحقيقي ما زال ماريو بارواه. يقول دائما: فرانشسكو وسيلفيا بالوتيللي هما والديّ الحقيقيان ويرجع لهما الفضل فيما وصلت إليه من نجاح. من جهة أخرى فقد باءت كل المحاولات التي تكبدتها أسرته الحقيقة للوصول إليه بالفشل. فهو يرفضها رفضا باتا إذ يحس بأن والداه الحقيقيان قد تخليا عنه في صغره، لكن بعد أن بلغ الآن من الشهرة شأوا عظيما فهما يريدان ان يرجعوا الصلة معه كما كانت من قبل. ظل ماريو يردد في هذا الشأن جملة جورباتشوف الشهيرة: "من يأتي بعد فوات الأوان، فسيعاقبه الزمن"! لقد ذكر والده الحقيقي مرارا أنهم أرادوا أن يسترجعوه بعد قضاء المدّة المؤقتة لكنه كان يرفض دائما، فهو يؤمن في دخيلته أن فرانشسكو وسيلفيا بالوتيللي قد ذرعا في رأسه كثيرا من الأفكار لتُحيل عن رجوعه إلى أسرته الحقيقية. لقد بلغ سوبر ماريو الآن شهرة عالمية فائقة تمنحه الحق في الوقوف في صف واحد مع عمالقة المستديرة كميسي ورنالدو، كيف لا وقد ألّفت جماهير مانشيستر يونايتد له أطول الأناشيد في تاريخ لعبة كرة القدم، وأصبح اسمه في فم كل صغير وكبير. رغم ذلك فقد صار هذا اللاعب الفذ شخصية مثيرة للرأي العام ويمكن أن نقول أنه فاق ماردونا أو اللاعب اريك كانتونا بزمانه في ارتكاب الشطحات والمخالفات وفي عدم "الوقوف خارج الصفوف". لكن رغم هذه الشهرة فهو ما زال يتعرض للتفرقة وللإساءات العنصرية التي عاشها واقعا ملموسا ومرّاً في الصغر. دعونا نرجع للوقفة التي وقفها في كأس الأمم الأوربية ونقول: إن هذا الرجل لم ينس تلك الإساءات التي تعرض لها من جماهير يوفنتوس تورين ومن جماهير إيه سي ميلان، النادي الذي انطلق منه لسماءات أوسع في عالم الكرة العالمية. هل تعلمون أن بعض من جمهور الأخير كتب بالغرافيت (الكتابة على الحيطان) وعلى أطراف الطرق المؤدية الى استاد سان سيرو: "أنت لست إيطالي حقيقي... ما أنت إلا أفريقي أسود"!.
////////////////

 

آراء