ماهو المخرج من الأزمة الراهنة؟ .. بقلم : تاج السر عثمان

 


 

 

alsir osman [alsirbabo@yahoo.co.uk]
ازدادت الأزمة الوطنية العامة تفاقما بعد ضربة اليرموك التي كشفت عجز النظام عن حماية السيادة الوطنية ، ولاسيما انها تشكل الضربة الخامسة ، اضافة الي الصراع داخل السلطة حول من يخلف البشير بعد العملية الثانية التي اجريت له في السعودية، وما يرشح في الصحف حول احتمال الانقلاب العسكري ، وسيناريو التغيير الشكلي مع الابقاء علي جوهر وسياسات النظام. فضلا عن تفاقم الأزمة الاقتصادية حيث وصل ارتفاع التضخم الي 45% في شهر اكتوبر الماضي ، وزادت أسعار االغذاء والمشروبات بنسبة 48,6% ، وارتفع سعر الدولار الي 6,3 جنية، اضافة الي ضغوط صندوق النقد الدولي علي السودان لتخفيض دعم الوقود مما يعني المزيد من الغلاء وتدهور الاوضاع المعيشية.  تزداد معاناة الجماهير جراء تدهور الخدمات الصحية وخدمات المياه والكهرباء وانعدام الأمن الشئ الذي ادي الي مظاهرات المواطنين في الجزيرة وسنار وسنجه والفاشر، ومقاومة متضرري سد الستيت ومطالبتهم بالتعويض العادل. ومقاومة تدهور صحة البيئة مثل: ماحدث في انفجار الصرف الصحي في منطقة الحاج يوسف، اضافة الي خطورة انتشار أمراض مثل: الكبد الوبائي..الخ.
هذا اضافة لتصاعد الحرب في مناطق جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور وتدهور الأوضاع في الشرق، والخلاف مع حكومة الجنوب حول بعض القضايا العالقة مثل: ابيي وترسيم الحدود..     
ورغم التنازلات التي قدمها النظام واستجابته لكل ماطلبه منه الامريكان الي درجة فصل الجنوب، والقبول تحت الضغط باتفاق اديس ابابا الأخير مع دولة الجنوب، الا أنهم لم يرضوا عنه ، وظل السودان في قائمة الدول الراعية للارهاب، وكان قرار الرئيس اوباما بتمديد العقوبات لمدة عام آخر.
باشعال الحروب الداخلية زاد النظام الأمور تعقيدا وجلب المزيد من التدخل الأجنبي في شؤون البلاد. وتلوح في الأفق نذر الانتفاضة الجماهيرية القادمة التي بدأت تتجمع وتتراكم كل عناصرها من جوع وغلاء فاحش، وفساد لم يخطر علي بال السودانيين، ومصادرة للحقوق والحريات الديمقراطية وبيع أراضي وممتلكات البلاد بأثمان بخسة لمنسوبي الطفيلية الاسلاموية والشركات الاحتكارية الرأسمالية، وخطورة تمزيق ما تبقي من البلاد، وربط البلاد بمحاور دولية مثل محور: ايران ، حماس الصين روسيا.
لقد اصبح الطريق الذي سار عليه النظام طيلة السنوات الماضية مسدودا، فما عادت تنطلي علي القوي السياسية والحركات أساليب النظام في المراوغة، وشق الأحزاب السياسية وتوقيع اتفاقات دون الالتزام بتفيذها( اتفاقية الدوحة)، والدعوة لحكومة عريضة تحت هيمنة ووصاية المؤتمر الوطني، وتحميل جماهير الشعب التي اصبحت منهكة أعباء الأزمة الاقتصادية والمزيد من الضرائب والجبايات التي فاقت جبايات "العهد التركي" والتي اصبحت تشكل مصدرا أساسيا في دخل الدولة بعد فقدان 70% من موارد البترول، بدلا من تخفيض منصرفات جهاز الدولة المتضخم وصرف 75% من ميزانية الدولة علي الأمن والدفاع  والتي من المتوقع زيادتها بعد ضربة مصنع اليرموك، اضافة لتدمير ثروة البلاد الحيوانية بالتصدير "العشوائي" بهدف جلب "العملة الصعبة " مما أدي الي الارتفاع الجنوني في أسعار اللحوم، حتي وصل كيلو لحم الضان الي 70 جنية.
ومن الجانب الآخر تخشي السلطة تصاعد الحركة الجماهيرية، وتصاب بالهلع من تحركاتها مثل: مواكب المعارضة في 7، 14 ديسمبر 2009م، ومواكب ومظاهرات الطلاب والشباب والنساء ومظاهرات الأحياء في العاصمة والأقاليم من أجل مياه الشرب وبقية الخدمات، واضرابات الاطباء وبقية المهنيين والعاملين من أجل تسوية استحقاقتهم وسداد متأخراتهم، ووقفات مزارعي الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية ضد الخصخصة وتشريد المزارعين من أراضيهم وضد الجباية والتكلفة الباهظة للانتاج واستيراد التقاوي الفاسدة التي الحقت ضررا كبيرا بالمزارعين، ومقاومة المتأثرين بالسدود في كجبار ودال ومروي والشريك والستيت...الخ، واندلاع الحرب في جنوب كردفان بسبب تزوير المؤتمر الوطني للانتخابات وعدم الحل الشامل لمشكلة كل المليشيات العسكرية والالتفاف علي المشورة الشعبية، وكذلك الانقلاب الذي تم في ولاية النيل الأزرق واقالة الحاكم المنتخب مالك عقار، مما ادي الي اندلاع الحرب من جديد في جنوب النيل الأزرق ومقتل المئات ونزوح الالاف وتصعيد الحرب في دارفور. اضافة لنفاذ صبر المواطنين الذين ماعادوا يحتملون ضيق الحياة المعيشية والارتفاع الجنوني في الأسعار، واصبح الرد العملي بالخروج للشارع في مظاهرات ضد الغلاء والمطالبة بسقوط حكومة الجوع كما حدث في مظاهرات واحتجاجات يونيو ويوليو 2012م.
هذ اضافة لخطورة تمزيق ماتبقي من وحدة البلاد جراء اصرار المؤتمر الوطني علي فرض الدستور الاسلامي " المزيف" واقامة الدولة الدينية التي تصادر الحقوق والحريات الديمقراطية باسم الدين، وتلك اذن كرة خاسرة بعد فشل تجربة "قوانين سبتمبر 1983م" والتي أقامت دولة ظلامية باسم الدين، كانت وبالا علي البلاد حتي كنستها الجماهير في انتفاضة مارس- ابريل 1985م.
* اذن المخرج ليس في الانقلاب العسكري، ولا في اعادة انتاج النظام عن طريق مايسمي ب " الهبوط الناعم" مع المحافظة علي جوهره وسياساته، ولكن المخرج في اسقاط النظام والبديل الديمقراطي عن طريق  مواصلة تراكم المقاومة الجماهيرية التي تفضي في النهاية الي الانتفاضة الشاملة التي تطيح بالنظام وتلقي به في مزبلة التاريخ، وقيام حكومة انتقالية بديلة تنجز المهام التالية:
-    لجم الغلاء والفساد وتحسين الأوضاع المعيشية، وتوفير خدمات التعليم والصحة وبقية الخدمات، وقيام المؤتمر الاقتصادي الذي يسهم في وقف الخراب  والتدهور الاقتصادي.
-    كفالة الحقوق والحريات الديمقراطية ، والدستور الديمقراطي الذي يكفل حقوق الانسان وحرياته الأساسية التي تتمشي مع المواثيق الدولية لحقوق الانسان ، وقيام دولة المواطنة التي تكفل المساواة التامة بين المواطنين غض النظر عن الدين أو العرق أو اللون أو الثقافة، وتحافظ علي وحدة ماتبقي من الوطن وتفتح الطريق لاعادة توحيد الوطن علي أسس طوعية وديمقراطية، وعقد المؤتمر الدستوري الذي يحدد شكل الحكم والدولة السودانية.
-    انتهاج سياسة خارجية متوازنة تكرس السيادة الوطنية والنأي بالبلاد عن المحاور الدولية.
-    حل ما تبقي من قضايا مابعد الانفصال حتي لاتتجدد الحرب بين دولتي الشمال والجنوب( ابيي ، ترسيم الحدود،...الخ)، والحل الشامل والعادل لقضية ولايتي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، ودارفور وبقية أقاليم السودان، ووقف اقامة اي سدود جديدة تدمر الارث الثقافي والحضاري للسودان.
-    اقامة انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.


 

آراء