ما هي كروت الضغط لدى “قحت” وما هي مساحة المناورة لدى العسكر؟

 


 

 

اعتدنا على أنّ مخاض الأحداث غالباً ما تأخذ وقتا تثير الشفقة، وأن ولادة التحولات السياسية في بلادنا دائما تكون متعثرة. ولما يئس العسكر من الحصول على الحصانات الدستورية من الملاحقات الجنائية، طفقوا يضعون العراقيل، في مسيرة "التسوية" السياسية قيد الطبخ، ويهربون إلى الأمام، أما حال مركزية "قحت" لم تكن أفضل من حال العسكر، إذ أنّ ناتج المفاوضات مكانك سر فيما يبدو، واضطر كل طرف يتحسس ما في جعبته من كروت ضغط، ومراجعة مساحات المناورة المتاحة، فهل إظهار رؤوس هذه الكروت الضاغطة، واللف والدوران الاستعراضي سيعّجل ولادة الانفراج السياسي أم سيجهض الجنين؟
• رغم معارضة لجان المقاومة لمشروع الدستور الانتقالي، والذي يمّثل العمود الفقري للتسوية المرتقبة، إن جاز التوصيف، ورغم ومزايدة القوى الراديكالية على ثوابت الثورة، وتمسكها باللاءات الثلاث، فإنّ هذه المواقف المناهضة لتحركات مركزية "قحت"، بشكل أو بآخر تصب في مصلحة الأخيرة، ومفادها التي تصل للعسكر، الأفضل لكم صون ماء وجوهكم بالتوقيع معنا، وإلاّ فإنّ جحافل الراديكاليين قادمة، وسيرمونكم في البحر في بعد المقصلة.
• استطاعت مركزية "قحت" كسب المجتمع الدولي والإقليمي بتأليبهم لصالح مشروع نقابة المحاميين السودانيين للدستور الانتقالي، رغم بقاء الموقف المصري ككرت ضغط في يد العسكر والكتلة الانقلابية، ورغم أنّ السيسي ليس لديه ما يقدمه للعسكر أو الشعب السوداني، أكثر من النصح الأمني والإرشاد الاستخباراتي، المناهض للتحول المدني الديمقراطي من باب التقية السياسية، يظل كرت الضغط المصري باهتا بسبب احتلالها لحلاليب وشلاتين، ورفضها القاطع عودة الإسلاميين، وتحاول عبثا، التزاوج بين الحركات المسلّحة والطائفية الانقلابية.
• كسب مركزية "قحت" جانب المجتمع الدولي، و"تحنيك" دول الجوار الإقليمي، يقطع عشم العسكر في أموال الصناديق الدولية، ويقتل الأمل في إنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي، ويضيّق الحصار المطّبق على الانقلابيين.
• تمتلك مركزية "قحت" الأغلبية الميكانيكية للمكونات السياسية في الساحة، ولا تزال لديها فرصة اختراق صفوف حركات اتفاق جوبا، كخصم من تكتل أردول ـــ جعفر الميرغني، وليست إضافة لها.
• رغم أنّ الجنرال البرهان، أرسل رسائل تحذيرية للإسلاميين، بالابتعاد عن محاولة استغلال القوات المسلّحة في مآربها السياسية، نجده ما أنفكّ يفتح لهم أبواب إعادة التمكين واسعا، كواحدة من أخطر كروت المناورة، على طاولة مفاوضات العسكر مع مركزية "قحت"، إلا أنّ موقف نائبه حميدتي من هذه الخطوة، يعتبر خصما عليه.
• الجنرال البرهان يشتري الوقت، أملاً في تغيير معادلات القوى السياسية على الأرض، لصالح حكم العسكر، وهذا شبه محال، فقد حسم الشعب السوداني أمره، أو أن تتبدل مواقف بعض الدول الداعمة لمركزية "قحت" ومشروع النقابة للدستور الانتقالي، والقبول به كحاكم الأمر الواقع، لكن الوقت سلاح ذو حدين، فقد تتبلور مواقف معادية لمحاولات البرهان الجمع بين الأضداد، والتزاوج بين المتناقضات، من داخل وحدات القوات المسلّحة، كما أنّ مرور الوقت، بلا شك ستفاقم الأزمة المالية، في ظل استطالة أمد بقاء البلاد بدون حكومة حقيقية.
• الوقت يضغط على كاهل الإنقلابيين، إما أن يمضون في التسوية، وإما أن يتخذوا خطوة لتشكيل حكومة انقلابية، قد لا تختلف عن حكومات معتز موسى، والطاهر أيلا، تتخبط من جديد، ويفقد العسكر، سند الحركات المسلّحة الانتهازية على خيبتها.
• تنامي، وتوالي ما تسمى بمواكب الكرامة، التي تفتح لها الكباري والجسور، كحراك مضاد لمليونيات لجان المقاومة، يريد الجنرال البرهان ان يقنع المجمع الدولي والآلية الثلاثية، أن المشهد السياسي منقسم على ذاته، وأن مركزية "قحت" ليست سيدة الموقف، رغم أنّ المتابع الدولي يعلم أن مواكب الكرامة، ما هي إلاّ مواكب الإسلامين والدواعش، وأعوانهم الأرادلة.
• في ذات الوقت، فإنّ مواكب الكرامة، تشّكل حرجاً بالغا للسلطات الانقلابية، فقد تضطر لترك الكباري مفتوحة لجميع المتظاهرين، أو قفلها في وجه الجميع، حينها، قد لا تُرى مواكب الفلول والانقلابيين بالعيون المجّردة.
• استمرار السلطات الانقلابية في قتل شباب لجان المقاومة في الشوارع، بلا شك تمثل حرجا بالغا لمركزية "قحت" إذ أبدت عدم المبالاة، واستمرت في التفاوض مع العسكر، والاكتفاء بالمطالبة بالتوقف عن القتل الوحشي.
• في كل الأحوال، لا نظن بمقدور العسكر صد القادمين إليهم بمشروع الدستور الانتقالي، والذي خرج من يد نقابة المحامين السودانيين، وأصبح الكرت السحري لمركزية "قحت" وحلفائها، بيد أن بجعبة العسكر، العديد من الكروت التي بإمكانهم تقديمها كتنازلات للمدنيين، والمطالبة بمقابل لها (حل النقابات الكيزانية كمثال)، في حين أنّ "قحت" خالي الوفاض، وليست لديها الكثير لتقدمها من تنازلات، أكثر من تأجيل المسائل الشائكة، إلى مفاوضات اللحظات الأخيرة، أملا منها أن تفرض واقع تفاوضي، يصعب التراجع عنه، حتى إن كان محتواه، أقل من تطلعات الشارع الثوري.
• بيد إنّ مركزية "قحت" وشركائها، إن ضمنت الحاكمية الإقليمية للسيدين مني آركو مناوي ومالك عقار، سينحازان للتسوية بلا أدنى تردد. وإن صحّ التوافق على القانوني الشاب نصر الدين عبدالباري لتولي منصب رئيس الوزراء، فإنّ هذه الخطوة، بكل تأكيد ستكون لها ارتدادات إيجابية على الأطراف المترددة، فهو رجل أمريكا المفّضل، وابن هارفارد المدلل، والخشية، أن يكون كرازاي، يحول السودان إلى عراق آخر.
ebraheemsu@gmail.com

 

آراء