متناولات الواتساب الإجتماعية
badayomar@yahoo.com
عمود : محور اللقيا
لقد صار الواتساب وسيلة التواصل الإجتماعي الأولى التي تعكس ما يدور في المجتمع من أخبار أو تصرفات فيها الكثير من الإثارة و تضارب الآراء , كما و فيها الكثير من السخرية و التهكم اللذين يدعوان إلى الضحك في بيئة قد إستحكم فيها الجمود و التشدد و الإحباط .
في الأيام الماضية تناول الكتّاب الجدد من الهواة في الواتساب أمرين أوسعوهما تقليبا و تشريحا و تهكما , مما جعل المتابعين من القراء يتفاعلون مع ما يكتبه هؤلاء فيعيدون إرسال ما يصلهم , و لعمري فإن ميزان التفاعل الحق يكون في عدد إعادات الإرسال ( الشيرات ) . الأمر الأول هو حادثة زجر الفنان محمد الأمين لجمهوره عندما ظل يغني معه في حفلة نادي الضباط الأخيرة بقوله : ( ما هو يا تغنوا إنتوا يا أغني أنا ) ! بينما الأمر الثاني هو حادثة إختفاء 450 جوالا من السكر من محلية الدندر و تعلل المسؤولين بأن نمل السكر قد قام بأكله , فأدى هذا التعليل البعيد عن الواقع إلى أن تعرض قناة بي بي سي ما ورد في وسائل التواصل الإجتماعي عن هذا الأمر متضمنة التعليقات الساخرة و الرسومات الكاريكاتيرية الضاحكة التي إلتقى الناس على مضمونها , و تبقى أمر إتخاذ الإجراءات اللازمة من السلطات لمجابهة و كشف هذا الفساد . أما الأمر الأول الخاص بزجر الأستاذ الفنان محمد الأمين لجمهوره فهو لا زال قائما خاصة و أن حفله الشهري القادم على الأبواب و لا بد من وضع النقاط على الحروف ..
لقد إعتاد الفنان محمد الأمين أن يحيي حفلة جماهيرية شهريا في نادي الضباط بالخرطوم و معظم جمهوره الذي يأتي لحفله من الشباب و قد إعتادوا أن يتفاعلوا معه و يفرغوا ما بدواخلهم من شجون و من رغبات مكبوتة في شكل تصرفات هستيرية كالتجاوب بالغناء بالصوت العالي و بالرقص التعبيري عما يجيش في مكنون صدورهم , و لم يعترض الفنان محمد الأمين على تصرف الشباب هذا طيلة حفلاته الشهرية الماضية و قد كنت قد شاهدت بعض الفيديوهات منها , فماذا دها الأستاذ محمد الأمين في تلك الليلة ؟ و هل تبريره وجد قبولا من أنه يدخل إضافات في أغانيه ( الكبيرة ) أثناء أدائها و يتعرف على ذلك من التسجيل في اليوم التالي ؟ إن مكان هذه الإضافات يكون عادة عند إجراء ( البروفات ) مع الفرقة الموسيقية لأن إذا ما أدخل الفنان إضافةً أو تعديلا في حفل جماهيري بدون علم فرقته فسوف يقود ذلك إلى ربكة في الأداء لأن ( الخروج من النص ) يكون عادة في التصرف الفردي على المسرح كما إشتهر بذلك الممثل عادل إمام
على الفنان أن يلبي رغبات الجمهور الذي يدفع له و يحضر لحفلته و ليس العكس أن يلبي الجمهور رغبات الفنان . لقد تطرق البعض لهذه الحادثة في الصحف و القنوات الفضائية و كان المدافعون عن الفنان محمد الأمين من الذين تعودوا على الجلوس في الحفلات و الإستمتاع عن طريق الإستماع فقط و هاجموا الفنانين الشباب بأنهم الذين عودوا الجمهور الغناء معهم عن طريق مد الميكروفون إليه ! ليس الأمر كذلك و إنما هي إفرازات العولمة لأن حفلات الفنانين الجماهيرية في كل العالم قد صار الجمهور يغني فيها مع الفنان . كنت قبل أكثر من عقد من الزمان قد كتبت عن الأغنية الشبابية و أن الشباب يستمعون إلى الأغاني بأرجلهم لأنهم من جيل يطلب الرقص و هاهم تقدموا ليكونوا من جيل يطلب الغناء مع الفنان أيضا ! لقد ظهر فيديو في اليومين الماضيين على الواتساب تغني فيه الفنانة الأمريكية بيونسي في حفل جماهيري و دخل معها الجمهور في الغناء فتبسمت و ( غزّت كيعانها ) ثم ضحكت و لم تزجرهم ! تعالوا لتشاهدوا حفلات الراب مثل حفل الفنان الأمريكي جي كول و صديقه الفنان باس و شاهدوا غناء الجمهور و تقافزه معهما , و بالمناسبة فإن فنان الراب الأمريكي باس إسمه عباس الفاتح و هو سوداني الأصل !
هنالك موقع خليجي للتواصل الإجتماعي إسمه نكات شهرزاد قد أصدر حديثا فيديو بإسم ألحقوا ابو اللمين يتحدث فيه مقدماه الشابان عن أن الحفلات قد صارت على مستوى الخليج و العالم مليئة بالصخب كحفلات الفنانين عبد المجيد عبد الله و تامر حسني و غيرهما و يتهكمان من الفنان محمد الأمين الذي زجر جمهوره و أوقف فرقته الموسيقية من العزف و يختتمان بإنه بعد رفضه لجمهوره و فرقته عليه أن يغني لنفسه في الحمام !
لا أنكر أن الفنان الأستاذ محمد الأمين هرم من أهرامنا الغنائية و له دوره المقدر في إثراء وجدان الشعب السوداني و في تطوير الأغنية السودانية و في توسيع مقدراتها عن طريق مزجها بالسلم السباعي و كل ذلك يجعل من معجبي فنه أن تقبلوا زجره لهم بكل أريحية في المرة السابقة , و هنا يأتي دوره في أن يتقبل غناء الجمهور معه بمعروف أو أن يعترض بإحسان و يوقف حفلاته الجماهيرية أو يجعلها مشروطة بعدم غناء الجمهور معه . أمامنا حفلته الجماهيرية الشهرية القادمة في نفس نادي الضباط , فهل سوف ينضبط جمهور الفنان محمد الأمين الذي قد افاق من زجرته له فيتوقف عن الغناء معه , أم ينضبط الفنان محمد الأمين نفسه و يرضى بغناء جمهوره معه , أم يكون هنالك حل وسط بأن يرجو الفنان رجاءً من جمهوره أن يغني معه ولكن بصوت واطِ ؟ إنني أميل إلى الخيار الثالث ففيه مسايرة للعولمة و فيه إرضاء للطرفين و فيه إيجاد لغة مشتركة بين الفنان و جمهوره حتى يتم الإنبساط , و أنا سوف أكون حاضرا وسط الجمهور أسمع و أرى !
////////////////