متى عبر الناخب الشمالي عن رأيه دون ضغوط يا سيادة الرئيس المنتخب؟!!

 


 

 

  عجيب أمر ساسة المؤتمر الوطني، ومن لف لفهم من منسوبي "المقوضية" القومية للانتخابات، والهيئة "القومية" لدعم ترشيح المواطن عمر البشير؛ في أنهم ما فتئوا يرددون الأكاذيب الواحدة تلو الأخرى، فيما غير استحياء، في حين أن ما يلوكونه من تزييف للحقائق، أصبح في حكم علم اليقين عند كل ذي بصيرة، ولم يصبه رمد، أو يغشاه صمم. وأنهم جميعاً قد أصيبوا بداء "الصهينة" عن أمور تهتز لها الجبال الراسيات (إذا سمح لي الدكتور حيدر إبراهيم باستعارة مفردته لوصف هذه الحالة المستعصية من "تخانة الجلد").

فـ"المقوضية" اللاقومية للمسخرة، ما زالت تجتر مقولة: "إن فيديو التزوير عملية ملفقة بإحكام" حتى بعد أن أعلن على الملأ من قام بتصويرها، في مؤتمر صحفي محضور، أفصح فيه عن اسم الدائرة التي تم فيها التزوير، وأسماء الذين تورطوا فيه. ومع ذلك تسد "المقوضية""دي بي طينة ودي بي عجينة" وكأن عملية التزوير هذه قد تمت في انتخابات جزر الواق واق. طبعاً إذا لم تستح فاصنع ما تشاء، فبعد الأخطاء الشنيعة وغير المبررة التي ارتكبتها "مقوضية" سدنة مايو، في صميم عملها، واعتبرتها أخطاءً "فنية" و"إدارية" بغرض التهوين من أمرها؛ فلا خير منها يرتجى؛ ولكننا نقول لهم بأنها أغلاط جسيمة، لمن يحترم نفسه، وعمله؛ فتستوجبه الاستقالة مع الاستتابة؛ ولكن هيهات، فلم ينفك بعد هؤلاء المعاشيون –  الله يديهم طولة العمر- من هول الدهشة أن وجدوا وظائف حكومية، يسيل لها اللعاب، لسنوات عجاف قادمات.

  أما الهيئة "القومية" لدعم ترشيح انتخاب المواطن عمر البشير؛ فهي هيئة حزبية حتى النخاع؛ والتي رغم مليارات الجنيهات – حر مال الشعب السوداني وهو يشكو المسغبة - التي جرت بين أيدها، إلا أنها فشلت بجدارة في مسعاها، بدليل نسبة الأصوات المتدنية التي نالها من تداعوا لدعمه بجنوب السودان؛ مثلما فرط الجهاز الفني لفريق الهلال في مباراته بأم درمان ضد فريق الإسماعيلي المصري، ولذا فإن تحويلها لهيئة لدعم الوحدة، سوف يجعل من الانفصال أمراً محتوماً؛ كمآل مباراة فريق الهلال القادمة بالإسماعيلية؛  فتستحق بذلك اسم "الهيئة القومية لدعم خيار الانفصال"، كعنوان مقالنا القادم. فقبل أن نبرح هذه النقطة نقول للمشير سوار الذهب الذي حنث بقسمه لقائده الأعلى فوجبته الكفارة، بأنكم قد تداعيتم لحماية البشير من ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية، وليس للدفاع عن السودان من قوي البغي، والاستكبار، لأنكم قد دللتم علي حرية، ونزاهة الانتخابات بإشادة نفس هذه القوى المتجبرة علي هذه المسخرة، والتي لم تفعل ذلك إلا إلي دفعكم نحو تشطير البلاد، وتشرذمها، رغم علمها المسبق بأن الانتخابات مزورة بفحش؛ وما تصريحات الكاوبوى الاخيرة إلا خير دليل على ما نقول.

 لدى مخاطبته احتفاء الهيئة القومية لدعم ترشيحه، قال المشير(م) عمر البشير:("كنا نتمنى أن يعطى المواطن الجنوبي الحرية الكاملة للتعبير عن نفسه" وأضاف: نعلم بكل ما حدث في مراكز الاقتراع بالجنوب من عناصرنا الموجودة هناك، وقال: حرصنا طوال المدة الماضية مع الحركة، رغم التجاوزات الكثيرة، على التعاون من أجل الوحدة، وزاد: نريد من إخواننا في الجنوب ممارسة حقهم بنفس القدر الذي تمت به انتخابات الشمال")(الرأي العام 30 ابريل 2010م). يعد هذا الحديث إشارة واضحة على أن الانتخابات بالجنوب لم تكن حرة أو نزيهة، كما كانت بالشمال، حسب هذه التصريحات. ألا يعد ذلك تشكيكاً في حيادية، ونزاهة، مقوضية الانتخابات القومية، ومن ثم حرية، ونزاهة الانتخابات بالشمال أيضاً؟

  طيب يا سيادة الرئيس المنتخب، فالحساب ولد كما يقولون. متى أعطي المواطن الشمالي الحرية للتعبير عن رأيه؟ لقد قمتم بانقلابكم العسكري على الحكومة المنتخبة في انتخابات " لا فيها شق ولا طق" عبر فيها المواطن السوداني عن رأيه بحرية كاملة، فسلبتموه حقه في التنظيم، والتظاهر، والعيش الكريم، عبر  شمولية ظلامية قابضة، لعقدين من الزمان؛ أودعتم خلالها كل الشرفاء لبيوت الأشباح، لا لذنب جنوه، غير التعبير الحر عن أنفسهم؛ وأحلتم "للصالح العام" كل من أبدى معارضة،  ولو طفيفة لخطكم، ففقدت أسر كثيرة مصدر رزقها لتهيم على وجهها، وفيها الأطفال، والشيوخ؛ وحرمتم معظم خريجي الجامعات من الوظيفة العامة، لا لتدني تأهيلهم، ولكن لأن لهم نشاط سياسي غير متوافق مع رغباتكم، فتجسس منسوبيكم عليهم ليرفعوا تقارير عنهم لأجهزة الأمن حتى لا يتم توظيفهم، وأتحتم هذه الوظائف لمنسوبيكم حتى وإن كانوا أقل كسب أكاديمي منهم؛ وضايقتم أصحاب الأعمال الحرة في أرزاقهم عبر الضرائب الباهظة، والجبايات الكيدية حتى ينصاعوا لتوجهاتكم؛ وسلطتم اللجان الشعبية للتجسس على المواطنين في منازلهم بغية إرهابهم حتى لا يقوموا بنشاط مناوئ لكم؛ واستخدمتم نقابات المنشأة في ضرب الحركة النقابية الوطنية الحرة لتركيع كل مخالف لكم في الرأي؛ وأفقرتم الأحزاب، وشرذمتموها، ولم تسمحوا لها بلقاء قواعدها لتخلو الساحة لحزبكم، الذي أصبح هو الدولة، وصارت الدولة هي حزبكم، الأمر الذي مكنكم من استغلال مؤسسات، وإمكانات الدولة، بقضها وقضيضها، في حملة حزبكم الانتخابية، في تجاوز صريح لقانون الانتخابات، ولم تحرك "المقوضية" ساكناً تجاه هذه الاستباحة الفاحشة؛ واستباح منسوبيكم المال العام في استمالة ضعاف النفوس، وحارقي البخور، ليضرب الفساد بأطنابه أرجاء البلاد كافة؛ ويشتد الخناق على المواطنين عامة؛ ومن ثم فإن حكمكم طوال العشرين عاماً الماضية كان يعتمد على التمكين، والقبضة الأمنية المفرطة – ليس لأن الشعب قد صبر عليكم، كما تظنون – نظراً لعدم ثقتكم في الشعب السوداني البطل، والذي حتماً سيسترد حريته طال الزمن أو قصر؛ لأنه إن سامح اليوم، فلن يفعل ذلك غداً.

أما في إطار فعاليات الانتخابات، التي فرض على المؤتمر الوطني خوضها، فكان لابد أن تتلاعب عناصره بالإحصاء السكاني – أعترف بهذا الغش في ولاية جنوب كردفان وسيتم إعادته، أما في إدارية أبيي، والولايات الجنوبية فستضاف مقاعد لحصتيهما بالمجلس الوطني – بغرض تقسيم الدوائر بالكيفية التي تناسبهم؛ كما مارست عناصركم التسويف، والغش، والتدليس في عمليتي التسجيل، والاقتراع عندما نصبت خيامها أمام مراكز هاتين الفعاليتين كي توجه، وتغري، وتبتز، وترهب الناخبين بالجزر، والعصي( سودانايل 1 مايو 2010). أبعد كل هذا يمكن أن نقول أن بأن الناخب الشمالي كان حراً في التعبير عن قناعاته؟ كلا وألف كلا؛ وإلا لما فاز كل منسوبي المؤتمر الوطني في المستويات الانتخابية في الشمال؛ في حين خسر بعض القادة، والوزراء مقاعدهم في الجنوب، حسب تصريح السيد أتيم قرنق، والذي قال أيضاً:( البشير يؤكد بذلك أن الانتخابات تم تزويرها في الشمال)(صحيفة الشرق الأوسط 2 مايو 2010م). وهو الديدن الذي درج عليه المؤتمر الوطني حتى في انتخاباته الداخلية، عندما أعلن فوز الدكتور غازي العتباني بمنصب الأمين العام، كمرشح للهيئة القيادية في تنافسه مع مرشح الهامش الشفيع أحمد محمد، دون الإشارة إلي عدد الأصوات (المحبوب عبد السلام في كتاب الحركة الإسلامية السودانية....دائرة الضوء وخيوط الظلام). فتزوير الانتخابات بالشمال موثق بشريط الفيديو الأدروبي، والمؤتمر الصحفي لأحد موظفي مفوضية الانتخابات – شهد شاهد من أهلها – وغيرها من الشواهد الأخرى الموثقة؛ ولذا فإن أي تشكيك في نزاهة الانتخابات في الجنوب، سينسحب على انتخابات الشمال؛ لأنهما مسؤولية مفوضية واحدة، التي أشاد بأدائها قادة المؤتمر الوطني، وعلى رأسهم السيد الرئيس المنتخب، في حين أن بقية القوى السياسية تعتبرها رهينة لتوجيهات الحزب الحاكم، وإلا لما ذهب الدكتور الأصم إلي ولاية النيل الأزرق ليقف بنفسه على إعادة عد الأصوات –الحالة الوحيدة من نوعها - في انتخاب حاكم الولاية إثر تهديد الحركة للمؤتمر الوطني بعدم التلاعب بإرادة الناخبين في هذه الولاية الحساسة. فما كان من المؤتمر الوطني إلا أن ضحى بمرشحه خوفاً من بندقية الحركة، بدليل أنه مرشحهم الوحيد لمنصب الوالي الذي خسر السباق الانتخابي في الشمال، في حين فاز بقية مرشحيهم في بقية المستويات الأخرى فوزاً كاسحاً. وإلي هنا، يطرح السؤال الهام نفسه: لماذا لم يشر قادة المؤتمر الوطني للمخالفات الانتخابية التي تمت في الجنوب في حينه؟ هل الإشارة إليها الآن لأن مرشحهم لرئاسة الجمهورية قد حصل على نسبة أصوات ضئيلة، ومن ثم ساهمت بصورة مباشرة في تدني نسبته العامة؟ عموماً الانتخابات في الشمال، والجنوب "ما مشكورة"، ومعيبة بكل المقاييس حسب تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية الأخيرة ( الصحافة 3 مايو 2010م)؛ إلا أن الحركة الشعبية ستقبل بها لتمرير الاستفتاء المفضي حتماً للانفصال في ظل المعطيات الماثلة الآن، وسيستمر المؤتمر الوطني في الثناء عليها للإيهام بشرعية مرتجاة علها تدرأ عنهم – كما يتوهمون – إدعاءات نساء لاهاي، ولكن قطعت وزيرة الخارجية الأمريكية قول كل خطيب في تصريحها الأخير بالتزام بلادها تقديم المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور إلى العدالة الدولية ( الصحافة 3 مايو 2010م). نخرج من كل ذلك لنقول في خواتيم هذا المقال بالمثل الشعبي:"البيتو من قزاز ما بجدع الناس بالحجار".

 إذا جاز لي أن "أخرم" قليلاً، في الزمن الضائع لهذا المقال، فأقول: إن خلو الانتخابات من أعمال العنف يعود لسببين: الأول انسحاب الأحزاب من التنافس الانتخابي، ففقد حيويته، وصار كما التنافس "الكيجابي"، والآخر، وهو الأهم في نظري، يرد إلى أن العنف السياسي نفسه ليس من أدبيات الأحزاب في شيء، ولكنه ماركة مسجلة لمنسوبي المؤتمر الوطني، الذين أدخلوه للجامعات عبر حادثة "العجكو" – أبطالها الآن يتسنمون أرفع المناصب القيادية بالدولة، ومازالت عناصرهم تمارسه بالجامعات، مثلما حدث بجامعة السودان مؤخراً- ولذا كان من الممكن أن تغرق البلاد في بحور من الدماء لو خسر المؤتمر الوطني الانتخابات، هذا إذا لم يقم بانقلاب – لمح إلي ذلك عندما أصرت الحركة على عدم سحب مرشحها للسباق الرئاسي، ومن ثم ترجيح جولة ثانية منه - لانتزاع السلطة بقوة السلاح كما فعل في الثلاثين من يونيو المشئوم، ومن ثم العودة لمربع الإنقاذ الأول.

 

osman30 i [osman30i@hotmail.com]

 

آراء