مجلة تايم الأمريكية تنشر صوراً بالأقمار الصناعية لحرائق ودمار مدينة ملكال ؟

 


 

ثروت قاسم
28 February, 2014

 


Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com

1-    مجلة تايم الأمريكية .

نشرت مجلة تايم الأمريكية ( عدد يوم الخميس 27 فبراير 2014 )  صوراً تم  إلتقاطها بالأقمار الصناعية ( في أطار مشروع المراقبة بالأقمار الصناعية ) توضح الدمار والخراب الذي حل بمدينة ملكال عاصمة ولاية أعالي النيل ، نتيجة الصراع  بين   قوات  الرئيس سلفاكير والدكتور رياك مشار بغرض  السيطرة على المدينة  .

مشروع المراقبة بالأقمار الصناعية ، مشروع تديره منظمة ايناف  ، وهي منظمة  طوعية  تُعني  بتتبع ورصد الإبادات الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب  ، ويدعمها مالياً الممثل الهوليودي جورج كلووني ويديرها الناشط الأمريكي جون برندرغاست  ، ومقرها واشنطون. تم  إلتقاط  الصور بواسطة شركة الأقمار الصناعية الأمريكية ( ديجيتال قروب ) .

تم إلتقاط الصور يوم الخميس 20 فبراير 2014 ، وتوضح الصور تدمير حوالي 3820 منزلاً  في ملكال  ، وحوالي 170 دكاناً في سوق ملكال . كما أظهرت الصور  الحرق  والتدمير الكامل لأكثر من 45% من مدينة ملكال .

لمزيد  من التفاصيل، يمكنك التكرم بمراجعة تقرير مراسل مجلة تايم في جنوب السودان على الرابط أدناه :

http://world.time.com/2014/02/26/exclusive-satellite-images-malakal-destroyed-south-sudan


2-    اتفاقية وقف العدائيات ؟

في يوم الخميس 23 يناير 2014 ، تم  التوقيع في أديس ابابا علي إتفاقية لوقف العدائيات بين وفد الرئيس سلفاكير ووفد الدكتور رياك مشار . ويتهم كل طرف الطرف الآخر بخرق الإتفاقية وعدم الإلتزام بها .

كانت إتفاقية ورقية ، مسح خلالها الجيش اليوغندي الأرض بمدينة ليير ( مسقط راس الدكتور رياك مشار ) ودمر مدينة ملكال ، وعاث فساداً  وقتلاً جماعياً في مدينة بور ؛ وفعل في مواطني الولايات الثلاثة ( أعالي النيل ، الوحدة وجونقلي ) ما فعله وما لم يفعله الحجاج بن يوسف الثقفي في أهل بغداد في زمن غابر .

في يوم الأربعاء 26 فبراير 2014 عقدت الدكتورة انجلينا مشار  والجنرال الفرد لادوا غوري  مؤتمراً صحفياً في أديس ابابا إتهما فيه الرئيس سلفاكير بخرق إتفاقية وقف العدائيات ، وطالبا بمغادرة القوات اليوغندة لأراضي جنوب السودان كشرط أساسي لإبرام إتفاقية سلام مع حكومة  جوبا ، الأمر الذي ترفضه كمبالا وجوبا  وبشدة . كما أصرا على إستقالة الرئيس سلفاكير وتنحيه من السلطة كشرط ثان  لنجاح أي إتفاقية سلام بين الطرفين .

الدكتورة أنجلينا  مشار هي زوجة الدكتور رياك مشار ؛  وقد  ترشحت  لمنصب الوالي  في ولاية الوحدة في إنتخابات ابريل  2010 ، وأكدت جميع المصادر فوزها الساحق . ولكن خج الرئيس سلفاكير صناديق الإقتراع خجاً مكشوفاً ، وما خج نصاح ؛  وتم إعلان مرشحه تعبان دينق فائزاً بالولاية ؛ ولم تقل انجلينا ( بغم ) . الشاهد الآن  أن تعبان دينق هو رئيس وفد الدكتور رياك مشار في مفاوضات أديس ابابا ، وانجلينا عضو الوفد .

سبحان مغير الأحوال ؟
الجنرال الفرد لادوا غوري  ،  من القادة الميدانيين لمجموعة دكتور رياك مشار ، وكان وزيراَ  للبيئة  وهو من قبيلة الباريا في وسط الإستوائية . أصدر الرئيس سلفاكير أمر قبض ضده والدكتور رياك مشار والسيد تعبان دينق بتهمة الخيانة العظمى وتدبير إنقلاب عسكري لقلب نظام الحكم .

يحدث كل ذلك ، وحسب توكيد مركز دراسات جنوب الصحراء في كندا ، لم يغادر دكتور رياك مشار دولة جنوب السودان ، بعكس ما تفرزه  إشاعات مجموعة الرئيس سلفاكير . في المحصلة ، غادر الدكتور رياك مشار ولاية جونقلي إلى ولاية أعالي النيل ليكون قريباً من العمليات  العسكرية في هذه الولاية  التي تنتج 80% من بترول الجنوب  .

في سياق مواز ، طالبت بعض منظمات المجتمع المدني في جوبا بتنحية الرئيس سلفاكير والدكتور رياك مشار ، وتكوين حكومة قومية إنتقالية ، تُحضر لإنتخابات رئاسية وبرلمانية . وقد رفض الرئيس سلفاكير هذا الإقتراح بإستهجان شديد ، وقرر البقاء رئيساً للحركة الشعبية ولدولة الجنوب حتى موعد الإنتخابات القادمة في منتصف عام 2015 .

إذن المطالبة بإستقالة الرئيس سلفاكير  وبمغادرة القوات اليوغندية أمران دونهما خرط القتاد ، والحديث عنهما بمثابة  نفخ  في قرب مقدودة . مما يمكن ترجمته بحتمية   فشل الجولة الثانية  من المفاوضات الجارية حالياً في أديس ابابا ، والتي بدأت  قبل حوالي  3 أسابيع  في يوم الجمعة 7 فبراير 2014 .

3-     3 أيام فاضحة ؟

دعنا نستعرض ، بإيجاز ،  ما حدث في ايام السبت 15 والاثنين 17 والثلاثاء 18 فبراير 2014 ، لنستيقن إن الغد يخبئ الأسوأ  لبلاد جنوب السودان وأهل بلاد جنوب السودان .

في يوم السبت 15 فبراير 2014 ، أعلن الرئيس سلفاكير إنه قد كون جيشاً خاصاً به  من شباب الدينكا في ولايتي وارااب وبحر الغزال ؛ وبرر تكوين هذا الجيش  ليكون  قوة (  إحتياطية )   لدعمه في المحن والإحن والملمات . يعارض القائدالعام  لجيش الحركة الشعبية الجنرال جيمس هوث  ( نويراوي  ) تكوين هذا الجيش الخاص ( مليشيات )  ، خارج إطار القوات النظامية ، ويتهم مليشيات التايقرز التابعة مباشرة للرئيس سلفاكير والتي تُكون الجزء الأكبر من جيش الرئيس سلفاكير الخاص ، يتهمها بإرتكاب  مجازر جوبا في يوم الأحد15 ديسمبر 2013 والأيام التالية . وقد شن الرئيس سلفاكير هجوماً مغتغتاً ضد الجنرال جيمس هوث لمعارضته تكوين  جيش ومليشيات الرئيس سلفاكير الخاصة .

هذا تطور جد خطير في أعلى هرم السلطة العسكرية في دولة جنوب السودان .

أمر له ما بعده في مقبل الأيام .

في يوم الأثنين 17 فبراير 2014 ، أعلن الرئيس سلفاكير من داخل البرلمان ، بأن 70% من عناصر جيش الحركة الشعبية قد تمردت وإنضمت للقوات الموالية للدكتور رياك  مشار . وكذلك عناصر الشرطة النظامية

هذا يعني بلغة الأرقام ، إنقسام جيش الحركة الشعبية إلى  قسمين :

القسم الأول ويتكون من 147 الف عنصر عسكري ذهب إلى معسكر الدكتور رياك مشار.

القسم الثاني ويتكون من 63 الف عنصر عسكري بقي في معسكر الرئيس سلفاكير .

قسمة ضيزى ، وتبرر إصرار الرئيس سلفاكير على بقاء القوات اليوغندية  لتحميه ، وتبرر تكوين الرئيس سلفاكير لجيشه  الخاص ، كمليشيات خاصة به ولحمايته الشخصية ، والإنتقام السادي من أعدائه الحقيقيين والوهميين ؟ 

في يوم الثلاثاء 18 فبراير 2014 ، وبعد معارك ضارية  ، إستعادت القوات الموالية للدكتور رياك  مشار مدينة ملكال ، وللمرة الثالثة ، من قوات الرئيس سلفاكير. صارت مدينة ملكال  مدينة أشباح  ينعق فيها البوم 

وسمت  مجلة الايكونمست البريطانية يوم الثلاثاء 18 فبراير ببداية الفصل الثاني من مسلسل الحرب الأهلية في جنوب السودان . في ذلك اليوم أغارت قوات الجيش الأبيض المنفلتة التابعة للدكتور رياك مشار على المواطنين المدنيين في ملكال وجوارها قتلاً وحرقاً وتدميراً للحرث والنسل . تقول الايكونمست إن عناصر الجيش الأبيض قد إغتالت بدم بارد وعشوائياً  جميع المرضى في مستشفى ملكال .

ويستمر المسلسل الشيطاني في الدوران في فصله الثاني ، رغم أنف إتفاقية وقف العدائيات ( الخميس 23 يناير 2014 ) ؟

حدث تطور نوعي  خطير في نفس يوم الثلاثاء وفي معسكر الأمم المتحدة للفارين من المعارك داخل مدينة ملكال . حدث شجار بين الفارين من قبيلة النوير من جانب والفارين من قبيلتي الدينكا والشلك من الجانب الآخر ؛ بسبب دعم الفريق الأول للدكتور رياك مشار والفريق الثاني للرئيس سلفاكير .

مات نتيجة الشجار داخل معسكر الأمم المتحدة العشرات من  الجانبين . وتكرر نفس الحدث في معسكر آخر للأمم المتحدة في رمبيك عاصمة ولاية البحيرات ،حيث حصب ورجم  بالحجارة ، حتى الموت  ، المواطنون الدينكا  الموالون  للرئيس سلفاكير اخوانهم الفارين  والمحتمين داخل المعسكر من النوير  ، قبيلة الدكتور رياك  مشار  ؟

تحولت الأزمة القاتلة بين القادة والزعماء حول السلطة والثروة  إلى أزمة بين المواطنين العاديين ، الذين صاروا يقتلون بعضهم بعضاً على الهوية القبلية .

هذه أزمة لن يحلها إتفاق وقف العدائيات ، ولا حتي إتفاقية سلام ، فقد صارت مسألة ثارات وغبائن شخصية متغلغلة في جينات أغلب مواطني دولة جنوب السودان ، وتحتاج  لتعاقب أجيال لمحوها .

وقل هي من عند أنفسهم ؟

4-    المجاعة ؟

في يوم الأثنين  10 فبراير 2014 ،  حذرت   الأمم المتحدة  من تفجر مجاعة على نطاق واسع  في دولة جنوب السودان  كنتيجة مباشرة لأحداث يوم الأحد 15 ديسمبر 2013  المأساوية . كما أكدت  الأمم المتحدة أن حوالي  7 ملايين نسمة ، حوالي 63%  من  سكان دولة جنوب السودان  ،    يحتاجون إلى إغاثات إنسانية !   ونصف هؤلاء  ( حوالي 4 مليون نسمة ) ربما ماتوا  نتيجة مباشرة للجوع  المُستدام  ، إذا لم يتم  إسعافهم وفوراً .

تجاوزعدد النازحين واللاجئين   حاجز المليون ، يعيشون في أوضاع مأساوية بعدأن فقدوا كل شئ ... نعم  كل شئ ؟ وتجاوز عدد الفتلى حاجز ال 30 الف قتيل ،  حسب آخر تقرير للفاتيكان .

هذه هي المحصلة بعد 10 أسابيع  من  تفجر الأزمة .

لا يزال الجنوب  في مرحلة ( السئ ) ، وينزلق كل يوم نحو ( الأسوأ )  ، ولم يدق الدلجة بعد ؟ 


5 -  يوغندة ؟ جنة اللاجئين ؟

يعتبر مكتب المندوب السامي للاجئين  التابع للأمم المتحدة يوغندة من جنان الله على الأرض بالنسبة لمعاملة اللاجئين . بعد تفجر أزمة جنوب السودان في يوم الأحد 15 ديسمبر 2013 ، فر إلى يوغندة حوالي 70 الف   لاجئ من جنوب السودان . فتحت يوغندة 7 معسكرات لجؤ لإيواء هؤلاء اللاجئين . كل معسكر يحتوي على الف قطعة ارض ، كل قطعة بمساحة 900 متر مربع . إستلمت كل عائلة من اللاجئين ( حوالي 10  أشخاص ) قطعة أرض لفلاحتها والأقامة عليها . تم توزيع المعينات اللازمة لكل عائلة :


عدة طبخ ، جركانات مياه ، بطاطين ، سراير ، نامسويات بعوض ، ومؤنات غذائية تكفي لشهر . وبعدها يمكن لكل عائلة أن تتصرف وكأنها في بلدها في إطار حريات أربع :

حرية التنقل ، حرية العمل ، حرية التملك ،وحرية الإقامة .

لكل لاجئ حق التعليم والرعاية الصحية وأي حقوق أخرى متوفرة للمواطن اليوغندي  ،  ما عدا التصويت والترشح في الإنتخابات .

يطابق الوضع في السودان الوضع في يوغندة بالنسبة لمعاملة اللاجئين ، ولكن للأسف لا يوجد في المجتمع الدولي  من يذكر السودان بخير ، ولا من يشير إلى محاسنه .

لكل دولة محاسنها ومساؤيها ، طيبها وخبيثها ؛ ودولة يوغندة ليست إستثناءاً من هذه القاعدة .  فرغم إن قنابلها العنقودية وطائرتها الحربية ومدافها الثقيلة تقتل الالاف من الجنوبيين كل يوم ، بطلب من الرئيس سلفاكير ؛  إلا إنها تقدم الماؤى وحق اللجؤ للاجئين من دولة جنوب السودان  الفارين من نيران مدافعها  وقنابلها العنقودية .

تهدم باليمنى ، وتبني باليسرى ؟

في هذا السياق يمكن الإشارة إلى مبادرة يوغندة إستضافة طالبي اللجؤ الافارقة المطرودين من إسرائيل .

يوجد في أسرائيل حوالي 54 الف طالب لجؤ أفريقي   ،  من بينهم حوالي 13 الف من السودان ( دارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ) . عرضت اسرائيل مبلغ 35 الف دولار كرشوة لأي طالب لجؤ أفريقي يقبل طواعية ترحيله إلى يوغندة ، التي قبلت إستضافة جميع طالبي اللجؤ  الأفارقة  المتواجدين في اسرائيل . وقد بدأت الطائرات الإسرائيلية في نقل طالبي اللجؤ  السودانيين إلى يوغندة ، بعد أن رفضت حكومة جنوب السودان إستقبالهم ، وأعادت طائرة إسرائيلية إلى إسرائيل  ، كانت تحمل مجموعة من المُرحلين الدارفوريين من إسرائيل .


لمزيد من التفاصيل  ، راجع تقرير مجلة جون آفريك عن هذا الموضوع على الرابط أدناه :

http://www.jeuneafrique.com/Article/ARTJAWEB20140217102837/immigration-ouganda-soudan-du-sud-crise-au-soudan-du-sud-ouganda-l-ouganda-terre-d-accueil-pour-les-refugies-sud-soudanais.html

نختم  بواقعة تختزل الوضع  المأساوي في دولة جنوب السودان .

معسكر بيدا  في ولاية الوحدة وعلى الحدود مع ولاية جنوب كردفان يحتضن اكثر من 200 الف لاجئ سوداني من قبيلة النوبة فروا من جحيم الحرب في جنوب كردفان . بعد حوادث يوم الأحد 15 ديسمبر 2013 في جوبا ، تدفقت الأزمة على ولاية الوحدة وولايتي جونقلي وأعالي النيل . إلتجأ بعض الدينكا للمعسكر خوفاً من ثارات الجيش الأبيض التابع لقوات الدكتور رياك  مشار . دخل الجيش الأبيض المعسكر وعاث تقتيلاً في الدينكا والنوبة على حد سواء . فر النوبة إلى ولاية جنوب كردفان وصار المعسكر قاعاً صفصفاً .
رجع النوبة إلى الطوة ، فهي بالمقارنة أقل ضرراً ،على الأقل لأن بها كراكير داخل الجبال للإحتماء بها في حين معسكر بيدا على أرض مكشوفة .
ومن لم  يمت بكلاشات الجيش الأبيض في معسكر بيدا ، مات بلدغات العقارب في كراكير جبال النوبة . تتعدد الأسباب والموت واحد .

 

آراء