محطات في سيرة نظم الحكم الاستبدادية وسقوطها

 


 

 

من نعم الله علينا ان جعل لنا في سيرة النظم الاستبدادية ايات وعظة وعبرة لنتأملها ونستخلص العبر والدروس منها لتساعدنا في اتخاذ القرارات وصناعة الخيارات التي تصبفي خانة الاصلاح والنفع العام والاحسان والعدل يقول بعضالقدماء ( العدل والإنصاف من أسباب تعمير المماليك وراحة العباد، وكيفما
انقادت الحكام والرعايا لذلك، حتى عمرت بلادهم، وكثرتمعارفهم، وتراكم غناهم،
وارتاحت قلوبهم، فلاتسمع فيهم من يشكو ظلًما أبدا،والعدلأساس العمران).

وحديثا التجارب العلمية والدراسات لم تترك مجالا للشك فيارتباط قيم العدالة والحرية والسلام والمشاركة والمحاسبيةوالشفافية والمصداقية وفصل وتضابط وتوازن السلطاتوالتداول السلمي الانتخابي للسلطة وفترات الرئاسةالمحدودة بتحقيق العدالة والعمران والتقدم والرضاء الشعبي.

المتتبع لسيرة النظم الاستبدادية وانحسارها يجد فيهااتساقا وسمات مشتركة يمكن تناولها من خلال دراسةنموذجين او مثالين من الواقع السوداني :

النموذج الاول : الدولة الاستعمارية

اولا : كانت للنخبة الفاعلة في اتخاذ القرار في الدولةالاستعمارية يقين لا يتزعزع بانه لا يوجد تناقض بين مصالحالاستعمار ومصالح الشعب.

ثانيا: النخبة صاحبة القرار كانت لديها رؤية مبنيه عليالاتي :
(١) قناعة ان شرعية العنف والاستبداد هي افضل مايناسب الشعب السوداني ودرجة وعيه.

(٢) ضرورة تكوين حكومة مستبدة توفر استقرار مالي
تتصرف في الاراضي والموارد المتاحة والمشاريع وثرواتالبلاد كيفما اتفق لقادتها بدون حسيب او رقيب

(٣) ضرورة تطوير نظم مرتبطة بوسائل كسب العيشالسائدة.

(٤) ضرورة وضع وتنفيذ سياسات مصممة لتحقيق هذهالرؤية.

ثالثا : بمرور الزمن وعلى نحو متزايد يري المستعمر في نفسه أنه لا غنى عنه وصحيح دائمًا، فيصبح اكثر غروراوأقل احتمالا للنقد وابعد من الشعب ونبضه.

رابعا : لا يستطيع المستعمر ادراك حاجة الشعب للمشاركةوالتعاون ولا يري تغييرات المجتمع ونمو الشرائح المختلفةخاصة المتعلمة والعقول ذات الوزن الاجتماعي والتاثير

خامسا : يدخل المستعمر في مرحلة السخرية من الشعاراتالوطنية الداعية لمناهضة الوصاية الاستعمارية وسيادةالشعب ودولة الحقوق
ثم ينتقل الي مرحلة الاصرار علي ان الواقع ليس فيه رفضوالشعب غير متحد وغير متماسك والاسرار للخاصة والرايالعام في دولة الاستعمار ان الشعب يعاني من القصورالعقلي وثقافته متخلفة رجعية وغير قادر علي تحمل المسئوليةوفن الحكم الذاتي. المستعمر يعلم جيدا ان ادني سلمالمؤسسات التشريعية وحجر الزاوية يكمن في الحكم المحلي وهو الطريق للحكم الدستوري ولكنه غير مهتم بتعليم هذاالضرب من العلوم السياسية وعلوم الحوكمة.

سادسا : تغالب اهواء النفس وشهوة السلطة الحاكم العامفيدبر المكائد ويتذرع بالحيل التي تبرر اهمال مطالبالشعب و استمرار الوصاية واستخدام العنف.

واخيرا يستمر الحال الي حين تتوالي فيه الحوادث العالميةوالاقليمية والمحلية فتصيب الحاكم العام وبطانته وتضر بهموترفع خصومهم فيضطروا للانسحاب او الاستمرار حتييواجهوا السقوط المخزي.

النموذج الثاني : نظام الحكم في عهود الاستبداد ( الانقاذمثالا)

اولا : يقين لا يتزعزع بانه لا يوجد تناقض بين مصالح الحركةالاسلامية ومصالح الشعب بل مصلحة الشعب وصلاحه فياتباع الحركة.

ثانيا : رؤية مبنيه علي الاتي :
(١) قناعة ان شرعية العنف والاستبداد هي افضل مايناسب الشعب ووعيه وهي الطريق الامثل والوحيد لبسطالشرعية الدينية التي يجب ان توفر للتنظيم مقاعد فيالسلطة.

(٢) ضرورة وجود حكومة امر واقع مستبدة توفر استقرارمالي
تتصرف في الاراضي وموارد والمشاريع وثروات البلاد كيفما اتفق لقادتها بدون حسيب او رقيب

(٣) ضرورة تطوير نظم مرتبطة بوسائل كسب العيشالسائدة.

(٤) ضرورة تنفيذ سياسات مصممة لتحقيق هذه الرؤية.

ثالثا : بمرور الزمن وعلى نحو متزايد، يري الاسلامي في نفسه أنه لا غنى عنه لصلاح الامه فهو مهدي بالاسلام دوناهل السودان والقائم بذلك وهو صحيح دائمًا وان غيره اسوأواشد ضررا علي الشعب والدين ، ويصبح اكثر غرورا وأقلاحتمالا للنقد وابعد من الشعب.

رابعا : لا يستطيع الاسلامي ادراك حاجة الشعب للمشاركة والتعاون والعدالة وسيادة القانون علي الجميع والحرب عليالفساد المالي والسياسي وسد ذرائع الطغيان وفصل وتوازنالسلطات وبناء المؤسسات الراسخة الضرورية لاقامةالسياسات الراشدة ولا يري تغييرات المجتمع ونمو الشرائحالمتعلمة والعقول ذات الوزن الاجتماعي والتاثير

خامسا : يدخل الاسلامي في مرحلة السخرية من الشعاراتالوطنية الداعية لمناهضة الوصاية الدينية والرامية لسيادةالشعب وحفظ الحقوق وبسط الحريات
واقامة العدالة ويلجأ للحيل والاعذار يتصورها وينشرها.

سادسا : ثم ينتقل الي مرحلة الاصرار علي ان الواقع ليسفيه رفض وان الشعب غير متحد وغير متماسك في رفضهللوصاية والاسرار للخاصة ان الشعب يعاني من القصورالعقلي وثقافته متخلفة رجعية ضالة من اثر الطائفية والقبليةاو الغرب والكنيسة و تغالب اهواء النفس وشهوة السلطة المجموعة الحاكمة فيدبروا المكائد ويبتدعوا الحيل التي تبرراهمال مطالب الشعب و استمرار الوصاية واستخدام العنفوتضييع حقوق المسلمين وغيرهم واستمرار الفساد الماليوالسياسي و الطغيان.

سابعا : ويستمر الحال وتتوالي الحوادث المحلية والاقليميةوالعالمية فتصيبهم وتضر بهم وترفع خصومهم فيضطرواللانسحاب او السقوط المخزي.

صفوة القول يقول الله تعالي في محكم كتابه ( ان الله يامربالعدل والاحسان وايتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاءوالمنكر والبغي يعظكم لعلكم تتقون) صدق الله العظيم . انترسيخ مثل هذه القيم القيم الانسانية التي يتفق عليهاالسواد الاعم من اهل السودان يتطلب مؤسسات محترمةوذات مصداقية وسلطات متوازنة وسياسات حكيمة ورشيدةولن يتاتي ذلك الا في ظل نظام حكم ديمقراطي ينحسر فيهالطغيان وتبسط فيه الحريات ويعز فيه العدل ومؤسساتهوتحفظ فيه الحقوق ويكون فيه الحاكم منتخبا انتخابا حراحبا وكرامة ورضاء من الامة والشعب لفترة محددة ومحدودةيعزل بعدها لاتاحة الفرصة لقيادات جديدة يختارها الشعبلتجابه تحديات الواقع المتجدد والمتغير.

شريف محمد شريف علي ٢٧/٩/٢٠٢٢

engshereef1977@yahoo.com

 

آراء