محمد المكي ابراهيم وعبير الامكنة

 


 

 

محمد صالح عبدالله يس

كان احد رواد الجيل الذين شغلوا الناس وملاؤا الدنيا بنصوصهم ومفرداتهم الجزلي يكتب القصيدة في الخرطوم فيطالعها قراء القاهرة وبيروت والدوحة فرغم بؤس وسائل الاتصال وانعدام الانترنت الا ان النخب كانت تتواصل وتنقل الي مراكز الاستنارة احدث ما انتجته عقول الادباء والكتاب فتنتشر كتاباتهم في سرعة قياسية
كان احد صناع الجمال في وطن النجوم اعتاش الشعر طعاما وشرابا سافر وحلق في سماوات الابداع وخط حروفا منمقة ومموسقة متناهية في الجمال وباذخة في الوضاءة فردد الشعب اهازيجه ورجز بها في محافله ومنتدياته
قليلون هم من المتادبة والمشتغلين بصنعة من جمعوا بين الدبلوماسية والسياسة والادب فهو سفيرا في بلاط الدبلوماسية ومجالسها يعالج ازمة السياسة ومنعرجاتها ببيت شعر مثل سجس العبير فكم ادهش محاوروه من رواد الصحافه وافحمهم بردوده الصاعقة في امهات قضايا الراهن السياسي فقد ذكر الاستاذ محجوب محمد صالح عميد الصحافة السودانية في مقدمة لحوار اجراه معه ان الصحفي الذي يريد ان يجري حوارا مع محمد المكي لابد ان يكون مثقفا حاضر البديهية ملما بفنون اللغة بيانها وبديعها وقد حضرت وشاهدت حوارات كثيرة لود المكي فقد كان يفخخ الاجابات للمذيعين القليلي التجربة فيجعلهم يثاثؤن ويفأفؤن امام الكمرة والتلفزيون وان كان المذيع من شاكلة المسطحين الذين تنقصهم الخبرة والدراية ستنفلت مضابط الحوار من بين ايدهم وتتسرب وتضيع معالم الحوار
محمد المكي دخل بلاط الدبلوماسية في عهد مايو ايام كانت بها فسحة تقبل التنقراط واهل الدولة والتاهيل جايل منصور خالد وجمال محمد احمد وعبد الهادي صديق وابراهيم دقش وصلاح احمد ابراهيم لم تكن وظيفته سياسية بل تدرج لها بمقدراته ومؤهلاته الرفيعة وشهرته التي ضربت الافاق وسار بها الركبان حتي وصل ذروة سنامها
كنت قد طالعت حوارا له مع المرحوم كمال الجزولي نشر جزءً منه في عمود رزنامته المشهورة عقب احتفال اقامته له الجالية السودانية بمناسبة تقاعده للمعاش تحدث فيه عن الخيبات التي اصابتهم كمثقفين وادباء في ان يصنعوا وطنا معافي من الجراحات والفتن موضحا فيه مساجلات النصر والهزيمة التي بددت طاقات المبدعين السودانيون الذي فشلوا في تقديم اجابات واضحة للاسئلة الكبري التي ظهرت بعيد استقلال السودان وان تجربة مدرسة الغابة والصحراء قدمت افادات قيمة تصلح لوضع مداميك صلبة في تاسيس هوية سودانية متصالحة مع ذاتها ولكن الانظمة المتعاقبة التي حكمت البلاد كانت مشغولة بتوطيد اركان حكمها جعلت من الهوية ديكورا تجمل بها جدران الوزارات وتلهي بها الجماهير في المواسم الثقافية وتجعل منها ديكورات تزين بها مجالسها فتحولت قضية الهوية الي تمثال مشوه اجتمع حوله لصوص الثقافة وسماسرة الافكار الانتهازية
كتب ود المكي عن فضايا الهوية والوجود كتابا قيما شرح فيه مقومات الهوية ومطلوباتها وتحدياتها وقد سخر قلمه واشعاره للمسكوت عنه في الثقافة السودانية وظل يمني نفسه ببناء لحمة وسداة سودانية تعانق فيها تربة وجودها الافريقية بدماء العروبة لخلق وجدان سوداني متصالح مع نفسة وذاته تكالبت استطاع بتالقه ان ينقل الشعر السوداني من الهاتفية الي رحاب الفضاء الانساني
رحمه الله فقد كان يقول وقد نقشت تكويني وتقاطيعي في الصخر وفي الرمل بين النراجيين واني صرت في لوح الهوي تذكار
يا الله ياله من فقد رحمة ربي تغشاه في برزخه
ود المكي كويكب ذاتي التوهج واللمعان

ms.yaseen5@gmail.com

 

آراء