محن السياسة السودانية .. شيخ كدباس يلحقنا ويفزعنا

 


 

حامد بشري
25 November, 2022

 

عندما علمت بزيارة وفد من الشيوعي الي ضاحية من ضواحي مدينة بربر لم أعر الخبر أهتماماً وتعاملت معه في أطار التواصل الأجتماعي الذي يدخل في حكم الضرورة التي تتطلب خلق علاقات مع كل القوي السياسية والأجتماعية . والي هنا والخبر عادي الي أن قرأت تصريح للزميل كمال كرار الذي وضح فيه أن زيارة الحزب الشيوعي ولقاءه بممثلي شيخ كدباس (محمد حاج حمد الجعلي) أتي بناء علي قرار اللجنة المركزية للحزب ! لم يقف الأمر عند هذا التصريح وإنما جاء الخبر كذلك في عدد الميدان الصادر في يوم الأحد 20 نوفمبر وفي الصفحة الأولي بالعنوان التالي تأكيداً للخبر الأول ( المكتب السياسي يشيد بزيارة وفد الحزب لكدباس) !!!!!. وكما هو مبين لم يقف الخبر عند اللقاء وأنما تمت الإشادة به .
الجميع يعلم أن أعلي هيئة حزبية بعد المؤتمر العام هي اللجنة المركزية ويُفهم من الخبر أنها عقدت أجتماعاً قبل اللقاء مع شيخ كدباس ومن ضمن الأجندة طُرح علي الطاولة موضوع زيارة أعضاء الحزب الشيوعي للقاء مع ممثلي شيخ كدباس ومن ثم تم تأييد هذا الأقتراح بالأغلبيية المكانيكية وقد يكون بالأجماع أعتماداً علي الحيثيات التي طُرحت لهذا اللقاء . هذا ما كان عليه الحال في الماضي وفي الظروف العادية .
والحديث لكمال كما ورد بالراكوبه (وأوضح كرار في تصريحه لـ(الراكوبة) رأينا ان نرد لمبادرتهم في رسالة مكتوبة يسلمها وفد من الشيوعي (وهذا هو الأسلم الذي لم يتم علي حسب ما أعتقد). ومازال الحديث لكمال ، وهذه الرؤية تستند على القرارات السابقة التي أتخذها الحزب الشيوعي السوداني منذ ما قبل انقلاب ٢٥/ أكتوبر والتي تدعو الى تصعيد العمل الجماهيري في أسترداد الثورة عقب خروج الشيوعي من قحت وأكد كرار : ومن بعد الإنقلاب ظل موقفنا مع اللاءات الثلاث والعمل الجماهيري من أجل إسقاط الانقلاب .
أن تصعيد العمل الجماهيري الذي أشار اليه كمال يأتي بالتنسيق والوحدة والتقارب مع رؤية الأحزاب الفاعلة في الساحة السياسية حتي تلك التي وقفت في مواقف مناوئة لطرح الحزب حيث يجب الجلوس معها وتفعيل الأهداف المشتركة التي تساعد في إسقاط النظام وتقريبها من اللاءات الثلاثة . هذا ما رمي اليه الشهيد محمود محمد طه في أدبياته حينما شدد علي تجويد الواجب المباشر . مع العلم بأنه في السابق جري التنسيق ووصل مراحل متقدمة بين الحزب الشيوعي حينما كان جزءً من قوي الأجماع وبين نداء السودان الذي كان يقوده الأمام رحمة الله عليه . وبدلاً من السير الي الأمام في هذا التنسيق لأسقاط الأنقلاب إذا بعدم وضوح الرؤيا يقودنا الي الوراء . هذا التقهقر يُعزي في المقام الأول لعدم وجود قيادة سياسية مؤهلة تعي خطورة التشرذم الحالي الذي يضع الكل متهماً أمام الأجيال المعاصرة والقادمة حينما يتم وصفه بعدم المسئولية واللامبالاة وأخشي أن نُوصف باللاوطنية إذا أستمرينا علي هذا المنوال .
أما هذه المبادرات والاعلانات التي “تنهمر كما المطر” الآن في وجهة أعادة انتاج الشراكة مع قادة الانقلاب وقطع الطريق عن الثورة فانها ستسقط مع سقوط الانقلاب حسب تصريح كرار . لا ننفي أن هنالك بعض العناصر التي تعمل علي أنتاج الشراكة أنما المطلوب من الحزب أن يفرق ما بين رغبات هذه العناصر أو حتي ممثلين قواها السياسية التي تنوي أعادة الشراكة وبين تأويل الجماهير علي الحزب الشيوعي التي وصلت حد الترجي له من قطاعات عريضة وواسعة من الشعب السوداني ومناداته للشروع الجدي لبناء جبهة عريضة لأسقاط النظام وبناء الوطن كما عودنا في السابق . الحكومات العسكرية السابقة لم تسقط الأ بعد أن نجح الحزب الشيوعي في بناء الجبهة القوية للمعارضة والتي كان هدفها إسقاط النظام الجاثم علي صدر الأمة ، حينها قدم الحزب تنازلات والأصح رحّل الأجندة الحزبية الي ما بعد إسقاط هذه الديكتاتوريات . وحالياً يحدونا الأمل في الوعي الجماهيري الذي تراكم منذ ثورة ديسمبر ومشاركة كل القطاعات في الثورة وكذلك في لجان المقاومة التي تُشكل وشكلت صمام أمان لحماية الثورة حيث لا مجال لتكرار الأخطاء التي صاحبت الفترات الأنتقالية السابقة .
وأختتم كرار التصريح (اما الذين ينتظرون بدء إنخراط الشيوعي السوداني في تسوياتهم ومؤامراتهم وخيانتهم للثورة فينتظرون سقوطهم المدوٍ مع قادة الانقلاب).
هذا التصريح يعني أن هنالك طريقان لا ثالث لهما أم التسوية والخيانة للثوره أو إتباع طريق التغيير الجذري كما يصر عليه كمال ومجموعة من القيادة في أحاديث سابقة . في رأي أن هنلك خيار ثالث وهو العمل الدؤوب والشاق وسط عضوية الأحزاب التي تسير في طريق التسوية وليس معاداتها وهذا هو السبيل الناجع لبناء هذه الجبهة العريضة وهذا ما نذر الحزب للعمل عليه بدون قفز فوق المراحل .
مع أحترامنا لكل الطرق الصوفيه وما تقوم به من تعاليم ونصح وأرشاد وتربية وتقويم للسلوك وفي بعض الأحيان مساعدة في علاج المرضي إضافة الي أسهاماتها التي تتعلق بالجودية والصلح في حلحلة مشاكل ملكية الأرض وحضورها البارز ودفاعها عن النسيح الأجتماعي ، لهذه الأسباب سعي الحزب الشيوعي لعدم إقحامها في السياسة ليحفظ لها مكانتها وقدسيتها الدينية السامية . إضافة الي أن إستغلال الدين في السياسة يُشكل خطراً علي الأمة والنسيج الأجتماعي وفي هذا السياق نادي الشيوعيون ومعهم القوي الديمقراطية وقطاعات واسعة من المجتمع بضرورة فصل الدين عن السياسية وذلك للمكانة السامية التي تتبؤاها الأديان . كما نادي الحزب بضرورة الدولة المدنية التي تكون علي مسافة واحدة من كل الأديان والمعتقدات . اللقاء الذي تم كما جاء في الأخبار (بدعوة ) من شيخ كدباس بممثلين له مع حزب شيوعي هذا المسلك أولاً يتسبب في أضرار للطرق الصوفية ويبعدها عن الحياد الذي كان طابعها ويفقدها أستحساناً من تابعيها . وثانياً ، قبل فتره وجيزة أنتقدنا مبادرة الشيخ الطيب الجد لانها في المقام الأول قبل أن تكون مبادرة لدعم الأنقلاب القائم كانت مبادرة لأقحام الطرق الصوفيه في فضاء العمل السياسي العام . أما بالنسبة للشيوعي فنتوجه بالسؤال التالي : كيف يتسق هذا الموقف (زيارة الشيخ الجعلي) مع الدعوات السابقة بمحاربة الطائفية ، وهل الطرق الصوفية تبعد كثيراً عن الطائفية التي تأتمر بأمر أمام الطائفة ؟ والسؤال الثاني لبي الحزب الدعوة المقدمة له من شيخ من شيوخ الطرق الصوفيه وفي ذات الوقت له مواقف متزمته من قوي سياسيه تقع علي مقربة من المركز العام قدمت له دعوات للقاء مشترك ولم يلبي الحزب دعواتها بأعذار أقل ما توصف بأنها ضعيفة ولا ترقي لمستوي الأزمة السياسية . وحتي اللقاءات الأجتماعية علي سبيل المثال إفطار رمضان السنوي لحزب الأمة أو حضور الندوات التي تقام خارج القطر من قوي سياسية مختلفة نجد أن ممثلين الحزب تخلفوا عنها مما خلق إنطباعاً لدي مجموعة من النشطاء وكأنما قرار مقاطعة الأنشطة السياسية للمخالفين لمشروع التغيير الجذري هو قرار صادر من المركز. هل يري قادة الحزب أن الصوفية أقرب لهم من جماهير الأحزاب الأخري التي شاركتهم المعتقلات والسجون والمواثيق المشتركة ضد الديكتاتوريات المتعاقبة ؟. وعطفاً علي ماورد في تصريح للمركزية من دعوة الي تصعيد العمل الجماهيري (الذي يعني السياسي وهذه إضافة مني ) نجد تصريحاً للبروفيسر البخاري الجعلي الناطق بأسم سجادة كدباس وضح فيه ( ليس لشيخ كدباس أي مبادرة سياسية ) البخاري /11 أكتوبر.
ورد في (الديمقراطي) بتاريخ 19 أكتوبر 2022 بواسطة آلية وحدة قوي الثورة أن “الشيخ محمد الشيخ الجعلي دعا كل قوى الثورة الحية من أحزاب ومهنيين ولجان مقاومة وأسر شهداء للالتقاء بمنطقة كدباس لتوحيد القوى والتفاكر في كيفية توحيد الرؤى لاستعادة المسار الديمقراطي وتحقيق الحكم المدني الكامل، في سعيه للم شمل قوي الثورة" وأشارت إلى أن اللقاء الذي جرى بدعوته حقق بذلك الهدف الأول بإعادة الثقة بين الجميع وفتحت آفاق التعاون للمضي قدماً نحو التنسيق بينهم، حيث لم تقدم اللجنة المكلفة أي أجندة للأجتماع بل تركت الأمر للمشاركين أحزاب الحرية والتغيير والمهنيين ولجان المقاومة ومنظمة أسر الشهداء باعتبارها صاحبة الشأن في التحول الديمقراطي. " التعليق الأوحد الذي يتسق مما سبق ذكره أن الشيخ الجعلي أخذ قفاز بناء الجبهة من القوي الثورية التي كنا نأمل في أن تكون رائدة في هذا المسعي بحكم تجاربها السابقة .
أما فيما يتعلق بالمحضرالمشترك الذي كُتب نهاية اللقاء والذي تم الأحتفاء به في كدباس بحضور أعضاء من المركزية أضافة الي ممثلين للشيخ وكورال الحزب الشيوعي الذي رافق الوفد وأبتهج رافعاً علامة النصر والتي الي الآن لا ادري من هو المنتصر ومن هو المهزوم أمام هذا الغول ، فلا غبار عليه الأ أن قضايا المنطقة والولاية التي تمت مناقشتها أراي أنها شأن داخلي من صميم مهام المناطق والفروع .
وأخيراً لم يتبقي لنا الأ أن نرفع أيادينا الي السماء وندعوا بصوت واحد ( شيخ كدباس يلحقنا ويفزعنا) .
اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف بنا.
حامد بشري
23 نوفمبر 2022

hamedbushra6@gmail.com

 

آراء