الجبهة المعادية لانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر

 


 

حامد بشري
7 November, 2022

 

تهدف هذه السلسلة من المقالات لعكس رؤية نقدية لاطروحات القوي السياسية المختلفة التي تصبو للوصول لصيغة مشتركة تساعد في إسقاط النظام الحالي وتكوين حكومة مدنية ديمقراطية . نبدأ بأطروحة قوي الحرية والتغيير ومن ثم الي رؤية حزب الأمة ونختتمها بالتغيير الجذري.

قوي الحرية والتغيير
صدر من قوي الحرية والتغيير رؤية حول أسس ومبادئ الحل السياسي المفضي لإنهاء الأنقلاب بتاريخ 17
أكتوبر 2022 جاء فيها ما يلي :
( قوي الثورة المناهضة لانقلاب 25 أكتوبر ويكون لها حق أختيار رئيس الوزراء ورأس الدولة /مجلس السيادة وتشمل الحرية والتغيير والقوي السياسية وحركات الكفاح المسلح ولجان المقاومة وتجمع المهنيين والأجسام النقابية والمجتمع المدني الديمقراطي) . أول ملاحظة تخطر علي القارئ في هذه الصياغة تسلسل قوي الثورة المناهضة ، حيث نجد أن الحرية والتغيير تسبق كل الأجسام حتي لجان المقاومة - أهل الجلد والرأس - الذين يجب أن يتصدروا قائمة الشرف في أختيار رئيس الوزراء ورأس الدولة . ذكرت الوثيقة لجان المقاومة علي أستحياء بحيث يمكن تمثيلهم في المجلس التشريعي . وهذه تمثل قسمة ضيزي في أسمي معانيها .إضافة الي ذلك زجت قوي الحرية والتغيير بحركات الكفاح المسلح بدون تمييز وبدون أستثناء مما يعطي أنطباعاً آخر ربما يكون القصد منه الحركات التي وقعت علي أتفاق جوبا المعيب ( وحتي هذه لم تكن علي قلب رجل واحد ، وتفرقت أيدي سبأ ) . بعضها ما زالت تقف في صف واحد مع مدبري الأنقلاب بل وصل الأمر الي مشاركة قواتها في قمع المتظاهرين السلميين . وفي هذا المشهد السياسي المرتبك يعجز المرء من أيجاد رابط بين الحرص علي التمسك بتنفيذ أتفاقية جوبا للسلام وبين الدعوة لاسقاط الأنقلاب وتباعته . لا أدري كيف مرت علي فطنة أحزاب سياسية متمرسة علي العمل العام حزب الأمة مثالاً هذه الهفوة .
الجدير بالذكر أنه لم ترد في هذه الوثيقة أشارة بمراجعة الإتفاقية او حتي تعديلها ناهيك عن إلغائها بغض النظر عن النقد الأيجابي التي تعرضت له من معظم مكونات قوي الثورة . تجاهل هذا النقد يوحي باللهث خلف الحركات المسلحة مما يشجعها بالمضي قُدماً في خط السير المعادي لوحدة الوطن وبالمقابل يسعي لتكبير حصة قوي الحرية والتغيير بضمها الحركات المسلحة لها ، وهذا ليس هو العمل السياسي الذي نأمل أن يخرج السودان من النفق المسدود الي رحاب الديمقراطية والحكم المدني المستدام . هذا الخطأ هو أحدي الأسباب التي جعلت قوي مؤثرة تبتعد عن مباركتها للنداء الصادر من قوي الحرية والتغيير .
أما تعبير القوي السياسية الورد في الفقرة أعلاه فهو تعبير فضفاض يفتح الباب علي مصرعيه لدخول أجسام وهمية لم تساهم في مناهضة الأنقلاب الماثل . السؤال من هي هذه القوي السياسية التي يحق لها أختيار رأس الدولة / مجلس السيادة أضافة الي المكونات التي سبق ذكرها ، مع العلم بمشاركة عضوية أحزاب سياسية قدمت التضحيات لازالة نظام البشير الباطش وما أعقبة من نظام دموي وتم تجاهلها من قبل رؤية قوي الحرية والتغيير ، كمثال الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الأشتراكي .
الفقرة التي تلي هذه وتبدأ ( حركات الكفاح المسلح الموقعة علي أتفاق جوبا تكون جزءاً رئيسيا من الحل السياسي الذي يحافظ علي مستحقات أتفاق جوبا لسلام السودان ) .
بالرغم من كل سلبيات أتفاق جوبا لسلام السودان وهذا ليس مقام لحصرها وهي التي لم تؤسس لسلام مستديم ولا حتي مؤقت منذ أن تم توقيعه قبل عامين نجد أن قوي الحرية والتغيير تفترض مع سبق الأصرار أن مكونات أتفاقية جوبا جزءأ رئيسياً في الحل السياسي الذي يفضي لإنهاء الأنقلاب علي الرغم من مشاركتهم حتي هذه اللحظة في الأنقلاب ونتائجه الكارثية .
أما البند الثالث بدلأ من محاولة جمع الصف الذي ناهض الأنقلاب نجده ساعياً وراء الأستقطاب حينما يذكر أن قوي الأنتقال تشمل ( القوي الموقعة علي الإعلان السياسي وشاركت في مشروع الدستور الأنتقالي المعد بواسطة اللجنة التسييرية لنقابة المحامين ) . مع العلم بأن هنالك أحزاباً سياسية وأخري مازالت تحمل السلاح تم تجاهل رأيها حول هذا الدستور المعد من قبل نقابة المحامين بغض النظر عن صحته أو عدمها ، وهذا الاجراء يقف علي النقيض من فكرة تكوين الكتلة الحرجه التي يقع علي عاتقها هزيمة الأنقلاب وفلوله وأرساء قواعد الحكم المدني الديمقراطي كما عبر عنها الصديق ياسر عرمان في الندوة التي أقامتها الحرية والتغيير يوم 5 نوفمبر بالسروراب والذي جاء فيها ضرورة تكوين الجبهة العريضة لهزيمة الأنقلاب ودحره وخوض الأنتخابات كتلة واحدة ضد الغول .
لم تكن هنالك ضرورة لعرض مسودة الدستور الأنتقالي للآلية الثلاثية ولا الرباعية . هذه مسودة لدستور الفترة الأنتقالية التي تحكم السودان والسودانيين . لم نسمع في الماضي أن طُلب من دولة السودان أن تشرف أو تراجع مسودة دستور لاي من دول الجوار ناهيك عن دولة أوربية تفصلها منا فراسخ جغرافيه وتاريخيه . السودان دولة عظيمة ولها تاريخ طويل يمتد الي آلاف السنين، ولا يحق لاي من كان الأستمرار في أهانته
والتقليل من مكانته التي تمت علي يد مجرمي عصابة الجبهة الأسلامية . إضافة الي تجربتنا القريبة حول الوثيقة الدستورية التي تم التوقيع عليها بعذ ثورة ديسمبر حيث أشرفت علي أخراجها قوي أجنبية بتدخل من الأتحاد الأفريقي علاوة علي ما حصدناه من نيفاشا التي تمت أيضاً بتدخل قوي خارجية .
أما فيما يخص السياسة الخارجية فدعت الوثيقة الي تلبية مصالح البلاد العليا وتحسين علاقتنا الخارجية علي أسس الإستقلالية بما يحفظ سيادة البلاد وأمنها . السؤال المحوري كيف يتحقق هذا المطلب المشروع بالرغم من أن الآلية الثلاثية والرباعية منذ فترة وهم الذين يديرون المحادثات بين القوي المناهضة للانقلاب والأنقلابيين ومن غرائب السياسة السودانية أن نري أن هؤلاء الخبراء الأجانب الذين أصبحوا بمثابة الخبثاء الأجانب بسبب سياساتنا الخرقاء يجتمعون بحرية تامة مع المكونات السياسية ورجال الأدارة الأهلية ويسافرون في أرجاء الوطن المختلفة حتي وصل بهم الأمر الي أفتتاح قاعات الجامعات ( مثال الجامعة الأهلية مُوخراً ) في حين لم نسمع أو نري بممثلين للحكومة السودانية يشاركون في حل نزاعات في دول مجاورة . بل وصل الأمر ببعض الدول في محيطنا الأقليمي الي أبعاد المواطنيين السودانيين أذا وجدوا مجتمعين يناقشونا قضايا موطنهم .
قوي الحرية والتغيير تري أهمية التركيز علي السلام الأجتماعي الذي يعزز التماسك والتعايش السلمي ويؤسس للسلام الشامل . هذا هدف نبيل الأ أن تحقيقه بدون النظر الجاد في مفهوم العدالة الأنتقالية لن يتحقق . العدالة الأنتقالية التي يطالب الشارع ولجان المقا ومة بتطبيقها لا تشمل ما دار في المناطق الثلاثة فقط وأنما ما تم من جرائم في 3 يونيو وهذا بدوره يشير بأصابع الأتهام الي المجلس العسكري الشيئ الذي يقف حجر عثرة في أنفاذ هذه المطالب .
الأستمرار في هذه الأخطاء الفادحة من قبل قوي سياسية ممثلة في الحرية والتغيير تري وتأمل أنها تؤسس لحكم مدني ديمقراطي يقود الي مزيد من التشرذم والوحل في السياسية السودانية . ونقول بملء الفم في هذا المنعطف الخطير المتاجرة بدم الشهداء والضحايا والمفقودين من قبل جميع القوي السياسية يجب أن تقف فورا.ً
جرت العادة قبل نشر المقال أن أرسله الي بعض الرفاق والمهتمين ومنهم من يخالفني الرأي لابداء الملاحظات وتصحيح الاخطاء اللغوية والأملائية . وصلتني الملاحظة التالية حول هذا المقال (اقترح فقط ان تضيف رؤية قصيرة في فقرة واحدة من سطرين تلاته تمثل الخيار البديل إذ أن الرؤية النقدية لتكون مكتملة يجب على صاحبها طرح بديل ُمناسب) وتماشياً مع هذه الملاحظة أري الآتي :
-لجان المقاومة هي الجهة الوحيدة المؤهلة التي يُسند اليها كيفية أختيار الحكومة القادمة.
-علي الحرية والتغيير وبقية القوي السياسية عدم التنازع في أيلولة لجان المقاومة لمن؟
-ضرورة أعادة النظر في أتفاقية جوبا للسلام أو حتي الغائها.
-علي الأحزاب السياسية التي بُعدت أو أبتعدت عن العمل الجماعي أن تعود الي منصة التأسيس لخلق أجماع وطني وبلورة رؤية سياسية كحد أدني.
-في صياغة مسودة الدستور أو تجميع القوي المناهضة للأنقلاب، الأبتعاد عن القوي الأجنبية وعدم السماح لها بالتدخل في الشأن الداخلي .

حامد بشري
6 نوفمبر 2022

 

hamedbushra6@gmail.com

 

آراء