مخاوف من قمع دموي.. محتجو السودان يجددون تجربة اعتصامات الإطاحة بالبشير

 


 

 

يعتقد بعض المراقبين أن اعتصام الجودة دليل على إخفاق مسيرات "30 يونيو/حزيران" في تحقيق أهدافها بإسقاط السلطة العسكرية، بينما يرد نشطاء لجان المقاومة بأن الاحتجاج الجديد ساهم بتوسيع الاعتصامات في العاصمة والولايات؛ وهو ما يمهد لحالة من العصيان المدني.
الخرطوم- بدأ محتجو السودان مرحلة جديدة في تحركاتهم ضد سلطة العسكر، بمحاكاة نموذج "اعتصام القيادة العامة" الذي أطاح بالرئيس عمر البشير (استمر حكمه بين يونيو/حزيران 1989 وأبريل/نيسان 2019)؛ وذلك بتدشينهم سلسلة من الاعتصامات المتزامنة، انطلاقا من مظاهرات 30 يونيو/حزيران المنصرم، ثم الاعتصام أمام مستشفى الجودة بالخرطوم.

ويأمل المحتجون بتكرار نموذج اعتصام القيادة العامة عام 2019، من حيث نجاحه المتمثل في الإطاحة بالسلطة القائمة والإتيان بحكومة مدنية، لكن مع تجنب نهايته الدموية التي تمثلت بفض حشوده بالقوة العسكرية المميتة، ما خلّف مئات الضحايا بين قتيل ومصاب ومفقود.

وللاطلاع على ظروف الاحتجاج الجديد، زارت الجزيرة نت مقر اعتصام مستشفى الجودة، للبحث عن إجابات لتساؤلات عن مصيره، وتبعاته على المشهد السوداني المعقد.
قريبا من القصر الرئاسي
ويقام اعتصام مستشفى الجودة -الذي دعت إليه لجان المقاومة (وهو تنظيم يقول إنه مستقل ويقود الاحتجاجات)- في شارع "الصحافة زلط" المحصور بين أهم موانئ النقل البري بين الخرطوم والولايات، وبين أحد أهم الوجهات المحبذة لحركة الاحتجاج (محيط القصر الرئاسي).
وبالطبع فقد أدى الاعتصام الذي تتوسع رقعته يوميا؛ لتغيير حركة النقل والمرور في المنطقة، بعيدا عن محيطه بعدة كيلومترات.

وبدأت فكرة الاعتصام -وفق محمد عوض (25 عاما) عضو لجان مقاومة "الديم" (حي وسط العاصمة)- عقب احتجاجات 30 يونيو/حزيران المنصرم، لحماية مصابي المظاهرة -الذين جرى إجلاؤهم لمستشفى الجودة- من أية محاولة اعتقال على يد قوات الأمن. ومن ثم تطورت الفكرة إلى اعتصام ينتهي أجله برحيل العسكر من السلطة، على حد قول عوض.

وأضاف عوض أسبابا أخرى للاعتصام؛ متمثلة في تكريم الكادر العامل بالمستشفى، لما يقدمونه من خدمات كبيرة في تطبيب المصابين، ولأهالي منطقة الديم التي وصفها بأنها أحد أهم معاقل حركة الاحتجاج.
تفتيش ومتاريس
ويعمل المحتجون على تحصين الاعتصام بعدة متاريس في الشارع الرئيس والشوارع الفرعية، بأدوات بدائية قوامها الحجارة والأشجار وإطارات السيارات، للحيلولة دون دخول ناقلات الجنود والمركبات الأمنية.
وعند مداخل الاعتصام، تنتشر نقاط تفتيش للجنسين، يقوم على أمرها أعضاء لجان المقاومة الذين يستقبلون الواصلين باللافتات والأعلام الوطنية والعبارات المرحبة ومن ضمنها العبارة الشهيرة "ارفع يدك فوق والتفتيش بالذوق".

وأبدت ريم سعد (22 عاما) -عقب تجاوزها لنقطة الفحص الأمني النسائية- تفهما لإجراءات التفتيش.

وقالت "هم يعملون على حمايتنا من عنف المتفلتين المدعومين من السلطة، ومن تسرب العناصر الأمنية التي تستهدف التجسس وجمع المعلومات".

سكون يعقبه حماس
وعند دخولنا لمقر الاعتصام في حوالي الرابعة عصرا؛ لاحظنا لجوء غالبية المشاركين إلى ظل الأشجار والمباني على جانبي الشارع، جراء ارتفاع درجات الحرارة. وكان معظمهم من الشباب مع مشاركة لافتة للنساء.

وكانت تسود حالة من السكون، ولكنها تنقلب رأسا على عقب مع وصول المواكب التي يسيرها المحتجون لدعم الاعتصام، حيث يبدأ الجميع في الالتفاف ضمن حلقات، يعلوها الهتاف والنشيد.

وكان الهتاف الأبرز برفع شعار اللاءات الثلاث "لا تفاوض، لا شرعية، لا شراكة"؛ في إعلان لرفض كافة أشكال التسوية السياسية بين المدنيين والعسكريين، وهتاف "الثورة ثورة شعب، والسلطة سلطة شعب، والعسكر للثكنات"، المنادي بخروج العسكر من المعادلة السياسية.

غياب "الحرية والتغيير"
وفي جولتها داخل الاعتصام، لاحظت الجزيرة نت غياب الخيام حتى عصر أمس الأحد، في ظل حركة طبيعية للمتاجر الواقعة داخل ساحة الاعتصام. كما لاحظت عمليات إخلاء واسعة، لترك فضاء أمام المستشفى يساعد تحركات المرضى وعربات الإسعاف والطواقم الطبية.

ولكن أحد أبرز الملاحظات في الاعتصام تمثلت في غياب قادة "قوى الحرية والتغيير" (مجموعة المجلس المركزي) رغم تأييدهم لحركة الاحتجاج.

وعن هذا يقول الناشط مهند النذير (28 عاما) إن المعتصمين يرفعون شعارات ترفض التسوية، في حين "قوى الحرية والتغيير" منخرطة في حوارات مع العسكر. وأضاف "هذا المكان المفتوح بجغرافيته ومواقفه لا يمثل قوى الهبوط الناعم، بقدر ما تمثلهم غرف الحوار المغلقة والسرية".

وقال عضو لجان مقاومة الديم محمد عوض إن فترات المساء تشهد وصول أعداد كبيرة من المحتجين، وإقامة عدد من الفعاليات السياسية والتوعوية والترفيهية التي تشمل حفلات الغناء الوطني ومسرح الشارع والعزف، مع تخصيص أماكن لرسامي الغرافيتي على الحيطان.

وبعيدا عن مطبخ القرار، وقريبا من مطبخ الطعام، رصدت الجزيرة نت مطبخين لإعداد الوجبات والعصائر للمشاركين، ويقوم على أمرهما مجموعة من المتطوعين الذين يعملون بدأب على وسائل طهي تقليدية تعمل بالفحم.

ورفض محمد عوض ما يشاع عن تلقيهم تمويلا ماليا من جهات سياسية أو خارجية "ذات أجندات"، وقال إن الاعتصام ينهض على أكتاف المحتجين الذين يدعمونه من جيوبهم الخاصة، من دون إغفال لكرم أهالي منطقة الديم الذين تكفلوا بتوفير معظم الوجبات، وبفتح بيوتهم لاستقبال الموجودين بكل رحابة صدر.

وعن مدى فاعليته وقدرته على إحداث اختراق في المشهد السوداني المعقد، يقول البعض إن اعتصام الجودة يعبر عن إخفاق مظاهرات 30 يونيو/حزيران في تحقيق أهدافها.

ويدافع عوض -الذي رافقنا بغالبية جولتنا- عن مظاهرات 30 يونيو/حزيران، قائلا إنها مثلت استفتاء جديدا على عزلة النظام القائم. مضيفا أن اعتصام الجودة هو أحد أسلحة المحتجين القديمة المتجددة، وهو خيار ناجح ومجرّب لتنويع آليات وسائل الاحتجاج.

وتابع "الاعتصام نجح في فتح المجال أمام إقامة عدة اعتصامات بالعاصمة والولايات، وهو ما يمهد لدخول البلاد في مرحلة العصيان والإضراب الشامل".

وعمّا يخشاه معتصمو مستشفى الجودة، يجيب الناشط محمد ضرار (18 عاما) بالقول "بالرغم من وجودنا داخل حي سكني -وهو ما يعده كثيرون عاملا للحماية- فإني أخشى من تكرار مأساة فض اعتصام القيادة العامة، وهذه المرة مع خسائر أكبر".

المصدر : الجزيرة

 

آراء