مدرسة “بسمله” ! 

 


 

عدنان زاهر
6 October, 2021

 

- فى خضم الصراع السياسى الذى تجرى فصوله الآن فى السودان تقع أحداث صغيرة متقاطعة معه، تؤثر فى حياة الناس و ترتبط  بمعاشهم ، صحتهم و تعليمهم لكن لا تجد لها مكانا فى بورصة الزخم الاعلامى الذى يملأ الدنيا ضجيجا، ذلك ببساطة لأنها بعيدة عن دهاليز الصراع حول السلطة بالرغم من أن ادارة السلطة تؤثر و بشكل مباشر عن كل ما يقع من أحداث ، ظلم و تجاوزات فى هذا الوطن.

أتناول فى هذا الحيز، الحدث الذى يتعلق بمدرسة الموردة الابتدائية بنات و الذى سوف أروى تفاصيله لاحقا و ذلك لعدة أسباب:

1- ان الحدث الذى وقع يرتبط بمستقبل شريحة أساسية فى المجتمع ساهمت فى كل مجال من مجالاته، و لا زالت مساهمتها تظهر بشكل جلى فى مسيرة تطور السودان و رفعته ،  تلك الشريحة هى شريحة النساء.

2- أن الحدث الذى وقع يعكس أهمالا و لا مبالاة بحياة الناس و خاصة الأطفال، كما يعكس التدهور الذى لحق بالتعليم و مؤسسات التعليم فى بلادنا.

3- أن المدرسة التى أتناولها بالحديث، لها تاريخها الممتد، و يكفى انها تأسست فى النصف الأول من القرن الماضى و ساهمت فى تعليم أجيال من النساء، كما ساهمت فى مسيرة الوعى و التحديث فى المجتمع.

- قبل ثلاث أيام انهارت فجأة مراحيض مدرسة الموردة الابتدائية بنات التى تعرف عند جيلنا بأسم مدرسة ( بسملة ) ! و عددها أثنى عشرة مراحض و ترك الأنهيار " هوة " مكونة من نصف دائرة داخل حوش المدرسة، و خلق هلعا و توترا وسط التلاميذ و من بعدهم أولياء الأمور.

أحدى قريباتى و لها طفلة فى المدرسة حكت لى قائلة و هى مذعورة ( الحدث وقع عند الساعة السادسة صباحا،الغفير سمع صوت " طقطقه " عالية ثم بعدها انهارت فجأة المراحيض ....لحسن الحظ لم يكن هنالك أحد من التلميذات فى المدرسة، و قد وصلت المديره....و معلمتان ...وعدد بسيط من التلميذات بعد الحدث مباشرة )!!

 أضافت مسترسلة (...قبل الحادث كما علمت من المديرة بعد ذلك، كانت هنالك أماكن من سور المدرسة مايله و على وشك الأنهيار، و قد أبلغت المديرة ادارة قطاع التعليم فى أمدرمان بالحاصل، و كتبت تقريرا بالأمر و سلم للأدارة كما علمت أن أحد مراحيض هذه المدرسة قد انهار بمعلمة قبل عدة سنوات لكنها نجت.

 هنالك عدد ثلاث عشر مدرسة فى المنطقة مبانيها آيلة للسقوط و مهددة بنفس سنياريو مدرسة بسملة .....المنطقة بها مياه جوفية كثيفة تهدد تلك المنطقة كما باقى مدينة  أمدرمان ).

تقول محدثتى: ( بعد الحدث أقفلت المدرسة أبوابها و رجعت التلميذات الى منازلهن.........التلميذات و اولياء الأمور فى حيرة ماذا سوف يحدث لهم و لمستقبلهم و فى وجودهم فى المنازل لفترة طويلة نتيجة لوباء الكرونا ).

- يتضح من وقائع الحدث أن هنالك أهمال و لا مبالاة من جانب المدرسة ،قطاع التعليم بامدرمان ووزارة التربية و التعليم، كان من الممكن أن يؤدى بحياة عشرات الأطفال لولا الصدف و رحمة الله.

يمكن تلخيص التقصير و باختصار فى الآتي :

أ- كانت أدارة المدرسة تعلم بالخلل فى مبانى المدرسة و كتبت المديرة و نوهت بذلك قطاع التعليم بامدرمان، و نفترض جدلا أن تكون أدراة التعليم قد قامت برفع ذلك التحذير المبكر للجهات المسئولة و لكن تلك الجهات لم تعر الأمر التفاتا..... و لولا الظروف و الصدف لكانت نتيجة الحدث أرواح كثيرة من الطالبات اليفع.

ب- كان على المديرة عند عدم الأستجابة لخطابها و تحذيرها أن توقف الدراسة فورا، و ان تعمل على توصيل تقريرها أو مضمونه للجهات ذات الصلة و لو استدعت الضرورة للاعلام لأن المسألة مرتبطة بحياة الأطفال فى هذه المدرسة.لا بد فى هذا السياق من ذكر حادثة المعلمة التى انهار بها مرحاض أحد المدارس فى الثورة قبل عام و فقدت حياتها .......يجب على ادارات المدارس أن تضع فى ذهنها ان الظروف و النظرة للأشياء قد تغيرت بعد ثورة ديسمبر.

ج- من المعلومات المعروفة بداهة أن أدراة التعليم هى المسئولة عن الصيانة الدورية للمدارس، و عند وقوع حادث كما حصل فى مدرسة الموردة الأبتدائية تكون هى المسئولة.

د- وجود مياه جوفية تهدد كثير من المناطق فى امدرمان معروفة للجميع، و بالضرورة للجهاز الهندسى لقطاع المدارس و كان عليه أخذ الأحتياطات اللازمة.

- مدرسة الموردة الابتدائية بنات معروفة تاريخيا عند العامة باسم " بسمله " و هو أسم مستمد و محور من أسم " مس ميلر " ،و قد أنشأت المدرسة فى النصف الأول من القرن الماضى و قد كانت تتبع لكنيسة أمدرمان .

المدرسة تقع على شارع الموردة الطريق الرئيسى و بالقرب من دار الرياضة بأمدرمان......مدرسة القابلات " الدايات " و نادى الضابط بأمدرمان و قد كان " الترام " يمر من أمامها.

و قد درس عدد من أفراد الحى بروضتها و كانت مديرتها أمرأة تدعى " ست  ليلى " و هى قبطية، و قد التحقت بالروضة فى نفس هذه المدرسة.

ألحقت المدرسة فى زمن مبكر بالتعليم الحكومى بأسم مدرسة الموردة الابتائية بنات و يفصلها من مدرسة الموردة بنين شارع الموردة التى تقع فى الجزء الشرقى و مدرسة البنات فى الجزء الغربى. و قد تخرجت من مدرسة الموردة بنات مئات من الطالبات من أحياء عديدة فى أمدرمان.

عند سطو الكيزان على الحكم و استلامهم السلطة قاموا بتغيير اسم المدرسة الى ( أم عطية الأنصارية ) و ذلك وفق نهجهم المستمر فى استغلال الدين، و ابتزاز المواطنين به و، يقال أن الكنيسة عارضت تغيير الأسم و لكنها لم تستطع فعل شئ. الجدير بالذكرأن المدرسة لا زالت مسجلة بأسم الكنيسة.

- بعد هذا العرض الموجز لتاريخ المدرسة يأتى السؤال المحورى ....ماذا بعد سقوط مراحيض المدرسة ؟!

قامت أدارة التعليم بقفل أبواب المدرسة و أبقاء الطالبات فى منازلهن و ذلك شئ طبيعى خاصة بعد انهيار المراحيض و امكانيات أنهيار الفصول الأخرى و هى بحالة يرثى لها. قالت محدثتى ( ذهبت الى ادارة المدرسة و المنطقة و كذلك فعل بعض أولياء أمور التلميذات....  لكن الأمور لا زالت كما هى و بناتنا فى المنازل و العام الدراسى مستمر دونهن و لا نعرف بمن نتصل و ما هى الجهات المناط بها حل المشكل )!

خلال الثلاثين سنة الماضية عملت سلطة الاسلام السياسى ( الكيزان ) على تدمير كل مناحى الحياة...تجهيل الناس و طمر التاريخ،كان المقصود أن تخلق فردا سودانيا بلا جذور،تاريخ أو هوية.  فى سبيل ذلك قامت بعمل تخريب ممنهج للتعليم.....اهملت مؤسسات التعليم الحكومية التى هجرها المعلمون اما بالهجرة أو الالتحاق بالتعليم الخاص الذى صار الالتحاق به حكرا لهم و منسوبيهم لرسومهم العالية التى لا يستطيع دفعها المواطن العادى.........عملت السلطة الى نشر الخلاوى بديلا للتعليم الحديث لخلق افرادا تستطيع امتلاكهم فكريا ووجدانيا و السير بهم فى الوجهة التى تريد.

وفق ذلك المنهج تم تجفيف كثير من المدارس الرائدة فى مجال التعليم، بيع أراضيها لأعضاء تنظيمها أو تمليكها للقطاع الخاص، أما المدارس التى استعصى عليهم الاستيلاء عليها تركوها تموت سريريا ....أو بانهيار مبانيها كما يحدث أمام أعيننا الآن.

نحن شعب قام بثلاث ثورات آخرها ثورة ديسمبر المجيدة التى هزت العالم....شعب بتلك القدرات و الامكانيات قادر على أستدعاء تاريخه و التمسك به من جديد....فلنبدأ باعادة هيبة التعليم و ضمن ذلك اعادة مدرسة " بسمله " الى زهوها و اعمار الثلاث عشر مدرسة التى على وشك السقوط....و كما يقول المثل ( مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة ) !


عدنان زاهر



3- 10 -2021


elsadati2008@gmail.com

 

آراء