مدى قدرةِ اتفاقِ جوبا للسلامِ على حلِ النزاعِ في السودانِ

 


 

 

يمثلُ اتفاقَ جوبا للسلامِ الذي تمَ توقيعهُ في أكتوبرَ 2020 علامةٍ بارزةٍ في الجهودِ المستمرةِ لإحلالِ السلامِ والاستقرارِ في السودانِ. يهدفَ الاتفاقُ الذي تمَ توقيعهُ بينَ الحكومةِ الانتقاليةِ في السودانِ ومختلفِ الجماعاتِ المتمردةِ إلى إنهاءِ النزاعاتِ طويلةً الأمدِ التي ابتليتْ بها البلادُ منذُ عقودٍ. يبقى السؤالُ معَ ذلكَ ما إذا كانتْ اتفاقيةُ جوبا للسلامِ ستكونُ قادرةً على حلِ المشاكلِ السياسيةِ في السودانِ أمْ لا! منْ البنودِ الرئيسيةِ لاتفاقيةِ جوبا للسلامِ تشكيلَ حكومةٍ موحدةٍ تمثلُ جميعَ المناطقِ والمجموعاتِ العرقيةِ في البلادِ. ستتمتعُ هذهِ الحكومةِ بصلاحيةِ معالجةِ الأسبابِ الجذريةِ للصراعاتِ مثلٍ التوزيعِ غيرِ العادلِ للمواردِ والتهميشِ السياسيِ لمجموعاتٍ معينةٍ. بالإضافةِ إلى ذلكَ تتضمنُ الاتفاقيةُ أحكاما بشأنَ نزعِ السلاحِ منْ مناطقِ النزاعِ، ونزعَ سلاحِ الجماعاتِ المتمردةِ، ودمجَ مقاتليها في الجيشِ الوطنيِ.

وكانَ منْ المتوقعِ أنْ يؤديَ تنفيذُ اتفاقيةِ جوبا للسلامِ إلى تغييراتٍ كبيرةٍ في المشهدِ السياسيِ في السودانِ. لما سيوفرهُ منْ تشكيلِ حكومةٍ موحدةٍ منبرا لجميعِ الأطرافِ للمشاركةِ في حوارٍ هادفٍ وسيساعدُ نزعُ السلاحِ منْ مناطقِ الصراعِ على تقليلِ التوتراتِ وتعزيزِ الاستقرارِ. علاوةٌ على ذلكَ سيؤدي نزعُ سلاحِ الجماعاتِ المتمردةِ إلى إزالةِ مصدرٍ رئيسيٍ لعدمِ الاستقرارِ وسيؤدي دمجُ مقاتليها في الجيشِ الوطنيِ إلى إنشاءِ قوةٍ عسكريةٍ أكثرَ تماسكا واحترافيٌ. ومعَ ذلكَ على الرغمِ منْ هذهِ التطوراتِ الإيجابيةِ يبقى أنْ نرى ما إذا كانَ اتفاقُ جوبا للسلامِ سيكونُ قادرا على حلِ جميعِ المشاكلِ السياسيةِ في السودانِ.
هناكَ العديدُ منْ التحدياتِ التي يجبُ معالجتها منْ أجلِ ضمانِ التنفيذِ الناجحِ للاتفاقيةِ. أحدُ التحدياتِ الرئيسيةِ هوَ حلُ القضايا العالقةِ مثلٍ حالةِ مناطقَ معينةٍ وتوزيعِ المواردِ. بالإضافةِ إلى ذلكَ قدْ تكونُ هناكَ مقاومةٌ منْ بعضِ الجماعاتِ لنزعِ سلاحِ الجماعاتِ المتمردةِ ودمجِ مقاتليها في الجيشِ الوطنيِ. التحدي الآخرُ هوَ دعمُ المجتمعِ الدوليِ. سيعتمدُ نجاحُ اتفاقيةِ جوبا للسلامِ إلى حدٍ كبيرٍ على دعمِ المجتمعِ الدوليِ بما في ذلكَ المساعدةُ الماليةُ والتقنيةُ. سيكونُ هذا ضروريا لضمانِ توفرِ المواردِ والخبراتِ اللازمةِ لدعمِ تنفيذِ الاتفاقيةِ.

وبإعلانَ المتحدثِ باسمِ العمليةِ السياسيةِ في السودانِ خالدْ عمرْ يوسفْ، عنْ انطلاقِ ورشةٍ للسلامِ في إطارِ المرحلةِ النهائيةِ للعمليةِ السياسيةِ بالبلادِ نهايةِ الشهرِ الجارِ فبرايرُ 2023. جاءَ ذلكَ في بيانٍ للمتحدثِ، عقبَ اجتماعٍ مشتركٍ بينَ القوى الموقعةِ على الاتفاقِ الإطاريِ والآليةِ الثلاثيةِ للأممِ المتحدةِ والاتحادِ الأفريقيِ والهيئةِ الحكوميةِ للتنميةِ في شرقِ أفريقيا (إيغادْ). وتهدفَ العمليةُ السياسيةُ الجاريةُ إلى حلِ أزمةٍ ممتدةٍ منذُ 25 أكتوبر 2021، وكانَ المكونانِ العسكريُ والمدنيُ في السودانِ توصلاً أوائلَ ديسمبرَ 2022 إلى اتفاقٍ إطاريٍ، يمهدَ الطريقَ لفترةٍ انتقاليةٍ تمتدُ عامينِ وتنتهي بخروجِ الجيشِ منْ الساحةِ السياسيةِ، في بادرةٍ يأملُ البعضُ أنْ تفضيَ إلى انفراجةٍ في الأزمةِ السياسيةِ التي تعيشها البلادُ. في الختامِ بينما يمثلُ اتفاقَ جوبا للسلامِ خطوةً مهمةً نحوَ حلِ النزاعاتِ وتعزيزِ السلامِ والاستقرارِ في السودانِ فمنْ غيرِ الواضحِ ما إذا كانَ سيتمكنُ منْ حلِ جميعِ المشاكلِ السياسيةِ في البلادِ. خاصةٌ بعدَ قيامِ عددٍ منْ الحركاتِ الموقعةِ على الاتفاقيةِ وعدمِ مشاركتها في الحوارِ الجاري بجوبا. سيعتمدُ التنفيذُ الناجحُ للاتفاقيةِ على التزامِ وتعاونِ جميعِ الأطرافِ المعنيةِ وحلِ القضايا العالقةِ ودعمِ المجتمعِ الدوليِ. ومعَ ذلكَ إذا أمكنَ التغلبُ على هذهِ التحدياتِ فإنَ اتفاقيةَ جوبا للسلامِ لديها القدرةُ على تحقيقِ السلامِ والاستقرارِ الدائمينَ في السودانِ.

د. سامر عوض حسين
1 فبراير 2023

samir.alawad@gmail.com

 

آراء