مذكرات معلم مخضرم تنشر والحكم فيها للجمهور (٢) !!
حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي
13 October, 2022
13 October, 2022
ظللت اتقلب علي احر من الجمر في انتظار هنا ام درمان أن تنطق وتعلن بأن وزارة التربية والتعليم تدعو الراغبين فى وظيفة معلم بالمرحلة الوسطي أن يهرعوا للوزارة في يوم كذا ومعهم المستندات المطلوبة وهنا قلت لنفسي بدأت ساعة العمل ولامجال لأي وقت اضيعه وفي الزمان والمكان المحددين كنت أقف في طابور طويل انتظر دوري في المعاينة التي تمنيت من كل قلبي أن لا تكون اسئلتها عصية الفهم مثل أسئلة د. بهاء الدين محمد ادريس الذي وجهها لي بالانجليزية وجعلني أقف كما وقف حمار الشيخ في العقبة لتضيع مني فرصة العمل كمدرس في الثانويات هذه المرحلة التي كانت في ذلك الزمان بالف خير وعافية طلابها من الذين يرجي منهم الكثير ومعلموها ينعمون بالراتب الوفير والبدلات الطيبة وينالون من البعثات التدريبية في بريطانيا ومصر وكانت الفرص أمامهم واسعة للترقي وكثير منهم طوروا أنفسهم واستزادوا من العلم فتلغفتهم الدول وعملوا فيها خبراء ومستشارين في شتي ضروب المعرفة الإنسانية !!..
نادي الحاجب علي اسمي للدخول وكانت المفاجأة أن المكتب الذي دخلته هو مكتب الوكيل وكان يجلس الي مكتبه كالسيف وحده ليس معه لجنة يعني هو بمفرده رئيس وأعضاء اللجنة ويبدو من الانطباع الاول عنه أنه إنسان بمعني الكلمة وبشوش ولم يوجه لي أي أسئلة تعجيزية وكل ما قاله لي بعد تفحصه لاوراقي التي أمامه وبعد نظرة فاحصة لي من أخمص القدمين الي اعلي الرأس واظنه ركز كثيرا علي الزي الذي ارتديه : وطريقة الكلام خاصة لغة الجسد :
( لا مانع من قبولك معلما بالمرحلة الوسطي لكن هل تمانع في الذهاب إلي الجنوب إذا ارسلناك الي
هنالك ) ؟!
قلت له من غير تردد :
( ساذهب الي إسرائيل لو طلبتم مني ذلك ) !!..
لاحظت أن السيد الوكيل قد أعجبته هذه الإجابة وبانت علي ثغره ابتسامة عريضة وخرجت من مكتبه لأعود للوزارة بعد أيام قليلة لاستلام تصاريح السفر وخطاب تعيين لمكتب التعليم بالابيض والغريبة أنهم ارسلوني لكردفان الغرة ام خيرا جوة وبرة ولم يرسلوني إلي الجنوب أو تل أبيب في حين أن بعض زملائي في المعاينة الذين أبدوا تخوفا من الذهاب إلي الجنوب تم إرسالهم الي هنالك ومن اعترض اعتذروا له عن التعيين وتمنوا له حظا اوفر في المرات القادمة !!..
تاريخ تعييني جاء في الحادي والعشرين من شهر سبتمبر للعام ١٩٦٩ وكان قد مضي علي انقلاب النميري حوالي أربعة أشهر ورأي ابوعاج أن يزور الابيض بالقطار الاكسبريس وقد أضافوا للقطار ذاك اليوم عددا من الصوالين الفخمة لتناسب القائد الملهم مع حاشيته من مجلس قيادة الثورة ومن كبار الشخصيات في هذه الرحلة التي قصد منها اختبار شخصية الحاكم العسكري الجديد الذي وثب علي السلطة في الخامس والعشرين من مايو ٦٩ !!..
رأيت بأم عيني وقد كنت مسافرا للابيض في نفس القطار الرئاسي كيف أن البهرجة قد بدأت مع العهد الجديد وكيف أن المواطنين يستقبلون الرئيس عند كل محطة بحشود مصنوعة وهتافات حدودها الحنجرة ليس لها صدي من داخل الاعماق وهكذا بداية كل دكتاتور وفرقته يريدون من الشعب أن يلهث وراء مركباتهم ويريدون سماع الهتافات بحياتهم وبانقلابهم الذين يطلقون عليه كذبا وزورا ثورة ومن ثم يبدأ التدمير والنهب والفساد الي أن يستيقظ الدكتاتور ويسمع وهو غير مصدق كلمة يسقط يسقط حكم العسكر ويسدل الستار علي مسرحية دارت أحداثها في رتابة وملل لمدة سبعة عشر عاما خصمت من عافية السودان وجعلته رجل افريقيا المريض !!..
نواصل ...
حمد النيل فضل المولى عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .
ghamedalneil@gmail.com
نادي الحاجب علي اسمي للدخول وكانت المفاجأة أن المكتب الذي دخلته هو مكتب الوكيل وكان يجلس الي مكتبه كالسيف وحده ليس معه لجنة يعني هو بمفرده رئيس وأعضاء اللجنة ويبدو من الانطباع الاول عنه أنه إنسان بمعني الكلمة وبشوش ولم يوجه لي أي أسئلة تعجيزية وكل ما قاله لي بعد تفحصه لاوراقي التي أمامه وبعد نظرة فاحصة لي من أخمص القدمين الي اعلي الرأس واظنه ركز كثيرا علي الزي الذي ارتديه : وطريقة الكلام خاصة لغة الجسد :
( لا مانع من قبولك معلما بالمرحلة الوسطي لكن هل تمانع في الذهاب إلي الجنوب إذا ارسلناك الي
هنالك ) ؟!
قلت له من غير تردد :
( ساذهب الي إسرائيل لو طلبتم مني ذلك ) !!..
لاحظت أن السيد الوكيل قد أعجبته هذه الإجابة وبانت علي ثغره ابتسامة عريضة وخرجت من مكتبه لأعود للوزارة بعد أيام قليلة لاستلام تصاريح السفر وخطاب تعيين لمكتب التعليم بالابيض والغريبة أنهم ارسلوني لكردفان الغرة ام خيرا جوة وبرة ولم يرسلوني إلي الجنوب أو تل أبيب في حين أن بعض زملائي في المعاينة الذين أبدوا تخوفا من الذهاب إلي الجنوب تم إرسالهم الي هنالك ومن اعترض اعتذروا له عن التعيين وتمنوا له حظا اوفر في المرات القادمة !!..
تاريخ تعييني جاء في الحادي والعشرين من شهر سبتمبر للعام ١٩٦٩ وكان قد مضي علي انقلاب النميري حوالي أربعة أشهر ورأي ابوعاج أن يزور الابيض بالقطار الاكسبريس وقد أضافوا للقطار ذاك اليوم عددا من الصوالين الفخمة لتناسب القائد الملهم مع حاشيته من مجلس قيادة الثورة ومن كبار الشخصيات في هذه الرحلة التي قصد منها اختبار شخصية الحاكم العسكري الجديد الذي وثب علي السلطة في الخامس والعشرين من مايو ٦٩ !!..
رأيت بأم عيني وقد كنت مسافرا للابيض في نفس القطار الرئاسي كيف أن البهرجة قد بدأت مع العهد الجديد وكيف أن المواطنين يستقبلون الرئيس عند كل محطة بحشود مصنوعة وهتافات حدودها الحنجرة ليس لها صدي من داخل الاعماق وهكذا بداية كل دكتاتور وفرقته يريدون من الشعب أن يلهث وراء مركباتهم ويريدون سماع الهتافات بحياتهم وبانقلابهم الذين يطلقون عليه كذبا وزورا ثورة ومن ثم يبدأ التدمير والنهب والفساد الي أن يستيقظ الدكتاتور ويسمع وهو غير مصدق كلمة يسقط يسقط حكم العسكر ويسدل الستار علي مسرحية دارت أحداثها في رتابة وملل لمدة سبعة عشر عاما خصمت من عافية السودان وجعلته رجل افريقيا المريض !!..
نواصل ...
حمد النيل فضل المولى عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .
ghamedalneil@gmail.com