(2) لا مانع من قبول الترشيح osamaalhassan@hotmail.com انفرد الطيب ثالح بالتملك الكامل لكل خصال الزاهد ومن خصال الزهد تنبثق البساطة وينهض التواضع وتتجسد معاني الاسم (الطيب) فتتطابق حرفياً مع كل معانيه. هذا أول ما تلمسه حين تقابله أو حين يتحدث إليك، ولكن هذه الصفات التي ميّزته لم تكن ساكنة، كان لها استحقاقات ظل يدفعها طوال عمره وسط دهشة واستغراب الناس. لم يكن الطيب يملك عربة، ظل لأكثر من خمسين عاماً يواظب على المواصلات العامة بصات وتكاسي و(أندر قراوند) ولم يكن يتحدث بصوت مرتفع وأهم ما كان يميز كلامه ذلك الصوت الذي ينساب بنغمة واحدة مهما تصاعد الانفعال. وكان أنيقاً جديداً وبالدارجي (لبِّيس) وضمن تلك الأناقة المركزية يحرص على أناقة المفردة وأناقة الاستشهاد وأناقة التعبير وتوازن الصوت إن لم يكن أنيقاً أيضاً. هذه الخصال النبيلة كيّفت مزاج الطيب صالح فهو يبحث عن الجمال في كل إنسان، ولم أسمعه إطلاقاً يتحدث سلباً عن أي شخص مهما أجمع الناس عليه بالكراهية حتى أن الشوش قال له ذات مرة: أتمنى أن تتحدث حديثاً سلبياً عن شخص يجمع الناس على سلبيته، وضرب له مثلاً برجل يعف عن ذكر الناس بالسوء فقالوا له : وما رأيك بإبليس فقال: (يقول الناس الكثير عنه لكن الله أعلم بسريرته) !! رسّخ الطيب صفاته بين كل من ظل يقابلهم منذ دخوله دائرة الضوء الباهر عام 1966 ولأنه سوداني وتلك أيضاً خصال معظم السودانيين بات السوداني موصوفاً بخصال الطيب صالح وسط تلك الأوساط وما أوسعها فالطيب صالح من المساهمين الأساسيين في التعريف بالسودان لأكثر من ثلاثين لغة، فهو الذي نقل السودان من مجاهيليته لشمس الإبداع الإنساني الساطعة. مطلع هذا الأسبوع زرت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية بدبي وهي المؤسسة التي عُرفت بجائزة العويس للشعر والرواية والمسرح، والدراسات الأدبية والنقد والإنجاز الثقافي والعلمي منذ عام 1988 وقد تتالى كتاب وشعراء وروائيون على الفوز بها أبرزهم فدوى طوقان، محمود درويش ، محمد عفيفي مطر، نزار قباني، صنع الله إبراهيم، سعد الله ونوس، عبد الرحمن منيف، وغيرهم من الأسماء الراكزة في خارطة الإبداع العربي. الأستاذ عبد الإله عبد القادر المدير التنفيذي للمؤسسة قابلني بترحاب خليجي واتجه مباشرة للطيب صالح متجاوزاً طبيعة اللقاء الذي يؤسس لعلاقة رسمية بين السودان والمؤسسة، ظل يتحدث لأكثر من نصف ساعة عن الطيب، بحور السماحة العريضة وقوة االنص الأدبي، والإلمام الموسوعي بالأدب والقراءة الجديدة للمتنبئ والرؤية المتجددة للجاحظ وسيرة أبي جيان التوحيدي، وامتد الحديث وطال إلى أن دخل المنطقة الخاصة بالطيب صالح تلك المنطقة التي لا يسمح باختراقها أو هز مرتكزاتها، فقد حكى لي الرجل أنه ظل ولخمس سنوات متتالية يحمل قسيمة الجائزة بترشيح مؤسسة العويس نفسها للطيب صالح لنيل جائزة الرواية ولم يكن المطلوب من الطيب غير كلمات قليلة في ذيل الأورنيك وهي (لا مانع من قبول الترشيح) وفي كل مرة كان الطيب يقنع الأستاذ عبد الإله بأنه لا يزكي نفسه !! ثم سألني الأستاذ عبد الإله (هل كل السودانيين كذلك وهل تنطبق أسماؤهم بالفعل على خصالهم؟" كانت إجابتي من داخل مؤسسته فالمؤسسة يعمل فيها شاب سوداني اسمه (الهادي) فقلت ليه: يخيّل لي أنك تتمنى أن يكون الهادي مزعجاً ! فضحك طويلاً ووافقني أن اسمه يتطابق تماماً معه. تلك هي لونية السماحة التي تميزنا بين الشعوب وذلك ما سعى الطيب لتأكيده. * نشرت بصحيفة (الأحداث)