مصرع الشابة مهسا أميني… مصرع ولاية الفقيه

 


 

 

ربما يكون من غير الإنصاف او من  التعجل النزق وصف  ما يجري في إيران من إحتجاجات بأنها ثورة "ضد الحجاب". رغم أن كثير من النساء الإيرانيات قد نزلن الشارع وحرقن الحجاب في تحد سافر لسلطة رجال الدين.. فقد يكون في حرق الحجاب رمزية يمكن قراءتها من أكثر من زاوية، طبقاً لمنطلقات التحليل الايدولوجية،  كما أنها يمكن أن تثير حواراً حقيقياً حول ردود الفعل إزاء تدخل السلطة - أي سلطة - في الاختيارات الشخصية الخاصة بالأفراد، خاصة فيما يتعلق بقضايا اللبس والمظهر العام.

إن الأحداث التي جرت في إيران عقب مصرع الشابة أميني في 16 سبتمبر 2022م تشير وبقوة لزلزال صار يتهدد ليس فقط  سلطة رجال الدين وسيطرتهم على الفضاء العام، وإنما لفكرة  ولاية الفقيه  نفسها، وهي في حقيقة الأمر ولاية تؤسس لقضايا الفُتيا الشرعية، ومصادرة حق الافراد في التمتع بالحرية الفردية التي تضمنها سائر مواثيق  وصكوك حقوق الإنسان. فالزلزال الذي يجابه سلطة  ولاية الفقيه صار يتحدى الطبيعة الاوتوقراطية التي تستند لمرجعية دينية، وهي مرجعية تصادر الواقع  المتغير بكلياته  لصالح ما استقر عند المرجع الديني بأنه الصواب وأن ما يقره وما  يشرّعه إنما هو الدين بعينه ولا يجب مراجعته لأن المَرجِع لا يُراجَع.

إن ما حدث للشابة الإيرانية مهسا أميني  من قبل "بوليس الأخلاق"  هو حالة عادية في حسابات شرطة أو نظام يستند لتلك الرؤية - السلطة الدينية - وهي في نهاية التحليل العقلاني تتصادم مع حق الإنسان في اختياراته الخاصة لذلك كانت رمزية حرق الحجاب بكل ذلك السفور والتحدي المتجاوز لكل ما إستقرت عليه بنية  النظام. فالحرق في إحدى تجلياته الرمزية ينطوي على رفض مطلق لتلك المرجعية ولكل ما اضحت تمثله من سلطة. بل ربما يكون مؤشر على بداية نهاية حقبة سيطرة المد الثوري الايراني الشيعي الذي انطلق مع نهاية السبعينات من القرن الماضي إيذاناً ببداية جديدة تؤسس لواقع فكري وسياسي مختلف جذرياً.

فبغض النظر عن الخلاف المذهبي مع تلك السلطة في الواقع السني فإن ذات النزعة التسلطية على الاختيارات الفردية لا تني تمثل قاسماً مشتركاً عند كل من ينزع لإستخدام المرجعية الدينية كحاكم وحيد وضابط أساسي لإيقاع الحياة والفضاء العام سنياً  كان أم  شيعياً. مسيجياً كان أم يهودياً. ذلك أن نسبة الفعل وبشاعته لا ترجع لكون أن الفاعل يعتنق المذهب الشيعي، بل لأن الفعل في حد ذاته قد بُني على تصور ديني لا يكاد يختلف فيه الشيعي والسني وهو التغول على الحرية الفردية بأسم الدين وفرض تصور ديني مسبق لما يجب أن تريديه المرأة وأن مفارقته توجب نوعاً من العقاب يبدأ بالاعتقال وينتهي الي ما انتهت إليه الشابة أميني من نهاية مأساوية لا توجب الاعتذار،  وإنما يجب مواجهة كل متضامن معها "بحسم"  كما ورد ذلك على لسان رئيس الدولة الإيراني.

لتظل العبرة بما تموج به شوارع إيران  من رفض حرون لسلطة المستبد في هذه الحالة (المرشد الأعلى)  الذي أخذت الجماهير تهتف في وجهه بشعار (الموت للديكتاتور) وهو شعار لا يقل قساوة بالنسبة  للمرجع الديني الأعلى،  من  قساوة رمزية حرق الحجاب لدى نفسية كل من يعتقد في قدسية الحجاب.

د. محمد عبد الحميد

 

آراء