مصر لن تخذل السودان أبداً … بقلم: جمال عنقرة
10 February, 2009
gamalangara@hotmail.com
بضع سنوات ومعها ثلاثون أخريات قد مرت علي أول يوم نزلت فيه مصر في سبعينات القرن الماضي للدراسة الجامعية. تلك الأعوام التي تقارب ساعاتها الثلاثمائة ألف ساعة، صنعت تواصلاً حميماً بيني وبين أرض الكنانة وأهلها، أزعم معه أني أعرفها أكثر من كثيرين غيري. وهي المعرفة التي عمقت في نفسي حب الشمال وأهله. وتعلقت بها كما تعلق صاحب الإمام المهدي الشيخ محمد نور بالصلاة الجزولية فرفض أن يتخلي عنها لما دعا له الإمام وأعلن الشيخ محمد نور قبوله بما يصيبه جراء هذا التعلق. وأنا قبلت بكل ما أصابني لحب مصر وما يمكن أن يصيبني. وأدعو لغيري ممن يضيرهم هذا الحب قائلاً (اللهم أغفر لهم فإنهم لا يعلمون).
ومن هؤلاء ذلك الأخ الذي كتب إلي معلقاً علي الخبر الذي نشرته في بعض المواقع عن زيارة وفد حركة العدل والمساواة لمصر للتشاور وتنسيق المواقف لدعم حوار السلام في دارفور. فزعم هذا أن مصر دعت وفد حركة العدل والمساواة المتوجه إلي العاصمة القطرية الدوحة لتوقيع اتفاق وقف للعدائيات مع وفد الحكومة الذي يقوده مساعد الرئيس ورئيس ملف سلام دارفور والرجل القوي في المؤتمر الوطني الدكتور نافع علي نافع لأنها تريد أن تعرقل هذا الاتفاق لأنه يصب في مصلحة قطر، وأن مصر لا تريد خيراً للسودان يأتي من غيرها. ويزيد علي ذلك أن مصر سوف تتخلي عن السودان وهو يواجه معركته مع المحكمة الجنائية الدولية إذا لم يقبل بحلول استسلامية قدمتها له. ثم رماني بما يرميني به أمثاله من موالاة لمصر وعمالة لها.
هذا القول يجسد عدم المعرفة لمصر وأهلها وحكومتها. فالسودان بالنسبة لمصر ليس مجرد جار. وهو ليس محل مساومة ورهان. وزعماء مصر ورؤساؤها أكثر من أعطي للسودان. وأول من عرف هذه الحقيقة من أهل السودان الامام المهدي عليه السلام الذي كان يريد أن يقايض غردون بالزعيم المصري أحمد عرابي لولا أن الثوار قتلوه. ودائماً ما أذكر الناس بموقف الزعيم جمال عبد الناصر عندما قال له الواشون أن الجيش السوداني دخل حلايب فقال لهم (إن شاء الله يدخل قصر عابدين، مش حنحارب السودان عشان حتة أرض) ومثل هذا القول قال به الرئيس الحالي محمد حسني مبارك عقب محاولة إغتياله في العاصمة الأثيوبية أديس أببا عندما أشار له البعض بغزو السودان. فزجرهم زجراً حاسماً وقطع الطريق أمام أية فتنة أراد البعض إيقاظها. ولم يمض زمن بعيد حتي أغلق الرئيس مبارك ملف أديس أببا حتي لا تنفتح أبواب الفتنة التي تحيط بالسودان الوطن الشقيق.
فهل يمكن لهذا الشعب وهذا الزعيم أن يكون سطحياً لهذه الدرجة ويقف أمام خير يمكن أن يأتي للسودان لأنه جاء من باب آخر. ودعنا نتساءل بوضوح، من أين نبعت المبادرة التي تقودها قطر ومن الذي يرعاها؟ أليست هي ذاتها مبادرة السيد عمرو موسي التي ترعاها الجامعة العربية. وفوق هذا فإن مصر هي المتضررالأول من أي انتكاس يحدث لمسيرة السودان ويصيب استقراره، وهي كذلك الكاسب الأول من كل خير يهل علي الجنوب. فمصر والسودان (حتة واحدة).فليق هؤلاء أوهامهم المريضة جانباً ليفسحوا المجال لشعب وادي النيل لينطلق. فالمعركة معركتنا جميعاً. وغدا يري المكذبون والمرجفون ماذا تفعل مصر من أجل السودان، وغدا لناظره قريب.
جريدة الأخبار المصرية الثلاثاء 10/2/2009م