معركة كسر العظم…هل حان موعد اندلاعها؟

 


 

 

ما من تيار سياسي أيدلوجي عريض ترى رجاله جميعاً وكأنهم بنيان مرصوص، وفي ذات الوقت ترى قلوبهم شتى، إلّا وعلمت أن ذلك التيار هو التنظيم المتحوّل – الجبهة الاسلامية – المؤتمر الوطني، فالهبّة الكبيرة التي قادها ابن التنظيم قائد الجيش بعد انقضاء ليلة ونهار الجمعة الماضية، ما هي إلّا تجلٍ واضح لما يمور ويفور في بطون وقلوب الجماعة المتفرقة، الحاملة لشعار التيار العريض المتناقض، الذي وبحسب رؤية بعض مكوناته أن قائد الجيش ونائبه قد خضعا لابتزاز الآليتين الرباعية – أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات، والثلاثية – الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي والإيقاد، وبذا يرى هذا التيار المنهزم أمام الزحف الأممي والإقليمي أن لا مفر من المواجهة غير محسوبة العواقب، وما يشي بمعقولية تحليلنا هذا ظهور التنظيم العسكري الجديد – دعم الوطن – المكون من قدامى محاربي الحركة الاسلامية، والذي أطل برأسه اليوم، وإن دل هذا الظهور العلني لهذا الجسم المسلح نهاراً جهاراً على شيءٍ، فإنّما يدل على مهارة التكتيك الذي تتحلى به هذه الجماعة الضالعة في تعقيدات صراعات جماعات الإرهاب العالمي، وظهور مثل هذا الجيش المسلح يضع كل مكونات الانتقال أمام تحدٍ سافر وموقف حرج يحسدون عليه، لما للخلافات الكبيرة داخل البيت الإسلامي من أثر عميق في ذاكرة الشعب.
هذا التحوّل المفاجيء في قوانين لعبة البولتيكا يمنح الثوار سانحة الاستراحة والاستلقاء قليلاً، والاستمتاع بمشاهدة المونديال وماراثون معارك كسر العظم بين المكونات الاسلامية، تماماً مثلما تنبأ بهذا الواقع الدموي الشهيد الاستاذ محمود محمد طه قبل أكثر من أربعين عاما، وكل متابع لمسيرة التنظيم الاسلامي الذي شغل الدنيا واحتار في صنائعه الناس، يعلم دهاء دهاقنته ومكر جهابذة مخططيه، فلا يظنن الظان أن إعادة علي الحاج والبشير لسجن كوبر يعني أن الرجلين تتمدد بينهما أواصر المودة والولاء القديم، بحكم نظرية (المصائب يجمعن الماصبين)، لا، إنّ ما بين التيارين الشعبي والوطني من ثأر لهو أشد بأساً من ثأر الزير سالم لأجل كليب، وإذا أردت أن تعلم مدى اتساع الهوة بين هذه المكونات التي يرفع رموزها سبابتهم صباح مساء بالتهليل والتكبير، عليك بالرجوع لانتكاستهم العظمى عند المقاطعة التنظيمية والرحمية في رمضان من العام الخاتم للألفية الثانية، ولو رغبت في أن تتيقن من إمساك كلا الفريقين بخيوط اللعبة الأمنية التي أرهبت قائد الجيش، فما عليك إلّا الإلتفات قليلاً نحو جرائمهم البشعة المرتكبة فيما بينهم كأخوة ذوي بأس أشد وأنكى من وقع حسام إخوة يوسف عليه، فمعركة كسر العظم لابد وأن تندلع بحكم صراع الأجنحة الممتد لزمان حصولهم غير المشروع على سلطة الشعب.
لأول مرة بعد إسقاط البشير يُرى قائد الجيش بهذا المظهر الانفعالي المستمر لمدى أكثر من إثنين وسبعين ساعة، وهو يتنقل بين صفوف جنده بأكثر المناطق العسكرية أهمية استراتيجية، ولأول مرة منذ اكتساح ثوار ديسمبر لباب قيادة الجيش، يدلي قائد الجيش بتحذير على رؤوس الأشهاد موجّه إلى إخوة الأمس ورفقاء الماضي (التليد) بعدم المساس بالمؤسسة التي يقودها، كلها مؤشرات ودلالات على قرب موعد اندلاع أم المعارك، العاكسة والجامعة لجوهر الأزمة التي جعلت بعض منسوبي جهاز مخابرات الحزب والدولة آنذاك يقتنعون بضرورة إحداث التغيير الذي يجب أن يصب في مصلحتهم، لكن أتت الرياح بما لا تشتهي سفن التيار الإصلاحي الناشد للتغيير الناعم، وأبى الدبابون والمتطرفون والداعشيون إلّا أن يعلنوها حرباً شعواء على من يعتقدون أنهم خائنين ومارقين من جادة طريق التنظيم الذي لا يعرف التسامح مع ذوي القربي المنتمين إليه، وفي خضم هذا التطور المتسارع للأحداث تسمع لسان حال الغاضبين والثائرين على جملة مكونات العهد الغيهب يقول:( اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين)، وكذا هي حال الحياة السياسية ببلادنا منذ صبح الاستقلال لا مستحيل تحت شمسها، فيمكن أن يتمخض الفأر ويلد فيلاً، ومن الممكن أيضاً أن يحدث العكس.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
13 نوفمبر 2022
///////////////////////////

 

آراء