معطيات ومعادلات وتسآؤلات
فيصل بسمة
20 June, 2024
20 June, 2024
معطيات ومعادلات وتسآؤلات
فيصل بسمة
بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
و لقد مارست جماعة الإخوان المتأسلمين (الكيزان) الفساد السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي ردحاً من الزمان و ذلك على خلفية/مرجعية الدجل و الضلال الديني ، لكن يمكن بداية التوثيق لفساد الجماعة المنظم/الممنهج منذ فجر يوم الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية تأريخ إستيلآء الجماعة على السلطة بواسطة المكر و الخداع السياسي و قوة السلاح...
و فور إستيلآءها على السلطة شرعت الجماعة في ممارسة القتل و الإعتقالات و القمع المفرط و التعذيب و الإرهاب لفرض مشروع و نظام حكمٍ عقآئدي باطل يرتكز إلى فكرٍ ظلامي ضآل يُوَظَّفُ و يستغل الدين سياسياً و إقتصادياً و إجتماعياً لخدمة طموحات و أطماع أفراد الجماعة الذاتية في السلطة و الثرآء و النفوذ...
و من أجل إطالة/إستدامة البقآء على سدة الحكم و الحفاظ على النفوذ في جميع مؤسسات الدولة السودانية و التمكن السياسي و الإقتصادي و الإعلامي و الإجتماعي و كذلك إضعاف الخصوم و المعارضين لجأت الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) إلى تكتيكات و أساليب باطشة و فاسدة و ملتوية و غير معهودة في السياسة و الإقتصاد و الإجتماع و إدارة الأزمات ، فكان:
- ”المشروع الحضاري“ و التأصيل و التمكين و الخلط و الإرباك المتعمد لمفاهيم: الجماعة و الحزب و النظام و الدولة و السلطة و الحكم و الوطن و الجهاد
- تحويل جميع مرافق و مؤسسات الدولة السودانية إلى منظومات خآصة تتبع لتنظيم الجماعة و تدار بواسطة أفراد من الجماعة تمارسُ الفساد و الإفساد و التدمير الممنهج بإسم الدين و تحت غطآء الطاعة و الولآء للتنظيم
- تأسيس دولة بوليسية غاب عنها العدل و تفشي فيها الظلم و ساد فيها التطرف الديني
- القمع و الكبت و الظلم و الحروب الأهلية و الإبادات الجماعية و إنفصال الجنوب
- إنتشار الجهل و الفقر و المرض
- إشغال/إلهآء الشعوب السودانية بالغلآء و كسب لقمة العيش
- الإنحطاط و التدني المريع في القيم و الأخلاق حتى شاعت الفاحشة
- الموجات الغير مسبوقة من النزوح و اللجوء و الإغتراب و الهجرة
و نتيجة لذلك أصاب الشعوب السودانية اليأس ، و دخلت في مرحلة سبات عميق و خمول فقدت خلالها ، مؤقتاً ، القدرة/المقدرة على الخلق و الإبداع و الثورة و قول الحق و رفض الظلم و الفساد...
و بعد عقود من الزمان و لما طغى الظلم و تفاقم الفساد وعت/لمست الجماهير السودانية ضعف النظام الكيزاني فكانت إنتفاضة الشعوب السودانية في ديسمبر ٢٠١٨ ميلادية ، ثم كان الفشل/الإخفاق أو ربما عدم التوفيق من قبل عناصر الثورة و قوي الحرية و التغيير (قحت) و عجزهم عن تفعيل/إستثمار الزخم الثوري و توظيفه في حماية الثورة و الحفاظ على مكتسباتها و في ذات الوقت تفكيك أركان نظام إنقلاب الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية ، و مما ساعد على ذلك مكآئد الجماعة المتغلغلة في جميع مفاصل الدولة و إجتهادها في إعاقة مسيرة الثورة...
ثم كانت مرحلة قمع الثوار و هيمنة العناصر الكيزانية في اللجنة الأمنية العليا لنظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة بمعاونة مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) و إنفرادهم بالسلطة تحت مسميات و لافتات متغيرة: المجلس العسكري الإنتقالي فمجلس السيادة الإنتقالي فالإنقلابات العسكرية المتعددة لدواعي أمنية فإشعال الحرب الحالية و إحداث الفوضى و سقوط/إنهيار الدولة السودانية و إقامة دولة مجلس الحرب المتحالفة مع أعدآء الأمس من أمرآء/مرتزقة الحروب الأهلية و الإنتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة في مدينة بورتسودان حيث تَوَاصَلَ الفساد الإداري و الإقتصادي و التخبط السياسي ، و في هذه الأثنآء عادت عدة عناصر و رموز كيزانية كانت غآئبة/مختبئة/فارة إلى المشهد السياسي من جديد و لكن في أطر و مسميات جديدة و شرعت تدير أمور: ”الحكم“ و الإقتصاد و الحرب و الإعلام على طريقة مسرح العرآئس...
و معلومٌ أن مليشيات الجَنجَوِيد هي إحدى إفرازات الجماعة الكيزانية ، و معلومٌ تأريخ محمد حمدان دَقَلُو (حِمِيدتِي) منذ تجارة الأبل و الهَمبَتَة (قطع الطريق) مروراً بمليشيات الجَنجَوِيد و الإبادات بالوكالة و عن طريق سلاح حرس الحدود فمرحلة (حمايتي) و قوات الدعم السريع التي عُدِّلَت و قُنِنَت صلاحياتها لتشمل القتل و القمع و الإرهاب في جميع أرجآء جمهورية السودان و كذلك الإرتزاق في اليمن و شبه الجزيرة الأعرابية مقرونة مع المرحلة (الإقتصادية العالمية) و الإشتغال بالتعدين و التجارة و التعاون مع الإتحاد الأوروبي في مشروع مكافحة الإرهاب العابر للقارات و التهريب و الإتجار في البشر ثم المرحلة (السيادية الربانية) و التوسع في النشاط التجاري و شركات الجنيد و أخواتها ثم مرحلة التمدد العسكري و طموحات حميدتي (الرئاسية الربانية) و تحالفاته مع جماعات: الطرق الصوفية و الإدارات الأهلية و الحركات المتمردة و الأحزاب و النقابات و منظمات المجتمع المدني و الأندية الرياضية و الثقافية فمرحلة (التمرد) على السلطة المركزية و التورط في الحرب الدآئرة الآن...
و اشتدت ضرواة الحرب و اتسعت رقعتها لكن أكثر الحروب ضراوةً كانت تلك المستعرة في وسآئل الإعلام و الوسآئط الإجتماعية و أسافير الشبكة العنكبوتية ، و كانت أعلى الأصوات تلك الكيزانية التي تهدف و تسعى إلى إستدامة الحرب و إخماد نيران الثورة السودانية و إلى تخوين قوى الثورة الرافضة للحرب و وصفها بالحاضنة السياسية لمليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع)!!!...
و ما زال الكيزان و قوى و جهات و دول يجتهدون كثيراً في خلط الأوراق و خطف و تمييع المواقف و إستغفال الجماهير و تضليلها عن طريق إشاعة الفوضى و الكذب و التلفيق الإعلامي بغرض تعقيد المسألة/الأزمة السودانية حتى تستمر الحرب...
و قد راهنت جميع الأطراف الوالغة في الشأن السوداني و استثمرت كثيراً في إستمرار مسلسل القتل و التخريب و الدمار و الترويع و التشريد و النزوح و تخريب/إقاعة النشاط الزراعي و الإقتصادي عن طريق التدخل المباشر أو عن طريق الوكالة حفاظاً على المصالح الذاتية و المعادلات الإستراتيجية المحلية و الإقليمية و الدولية ، و لكن تبقى المعطيات و المعادلات الأساسية هي أن طرفي الحرب:
- القوات المسلحة (الكتآئب الكيزانية) = إستغلال الدين/التمكين و الفساد و الإفساد/توظيف القبآئل و الإدارات الأهلية في السياسة و الصراعات/الحروب الأهلية و الإبادات الجماعية و الخراب و النزوح الجماعي/الفوضى و إنهيار الدولة السودانية
- مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) = القمع/الإرهاب/النهب و الفساد و الإفساد/إستغلال الدين/توظيف القبآئل و الإدارات الأهلية في السياسة و الصراعات/الإرتزاق و التمرد و الحروب و المجازر الجماعية و الخراب و النزوح الجماعي/الفوضى و تدمير الدولة السودانية
و أما الإستخلاص و النتيجة فواحدة:
الكتآئب الكيزانية = مليشيات الجَنجَوِيد
و الشاهد هو أن الطرفين يشتركان في الكثير من الصفات و الممارسات و ينغمسان/يتورطان في صراع مدمر حول السلطة و يكادا يتطابقان و لكن مع مراعاة الفروق في طرق التفكير و الوسآئل مع إدخال بعض من التعديلات الطفيفة هنا و هناك...
و هكذا تستمر الحرب و الدمار و الفوضى و الخاسر الأكبر هي جماهير الشعوب السودانية التي تعرضت و ما زالت تتعرض للقتل و الإنتهاكات و الدمار و النهب و السلب و الفرار و النزوح و اللجوء و الذل و الكثير من المعاناة و التي تنامى فيها و استوطن: اليأسُ و القنوطُ و الإكتئابُ و النعراتُ القبليةُ و الجهويةُ و الدعواتُ العنصرية...
و من بين ساحات المعارك و الأنقاض و جبال المعاناة تصاعدت التسآؤلات من قبل القتلة و الضحايا من أهل المركز و ”الهامش“:
- ما مسببات الأزمة السودانية؟
- لماذا سكت السودانيون طويلاً عن مواجهة/مقاومة الظلم و محاربة الفساد؟
- ما الذي يقود الأفراد و الجماعات إلى ممارسة الظلم و الفساد؟
- من المسئول عن حماية الثورة و الوطن و المواطن؟
- ما فآئدة الإنتمآء إلى منظومات/منظمات محلية و إقليمية و دولية غير ذات جدوى؟
- ما هي وظيفة الجيوش و بقية الأجهزة الأمنية؟
- لماذا فشلت الدولة السودانية و انهارت؟
- متى تتوقف الحرب و تنتهي المعاناة؟
- ما مصير جمهورية السودان؟
- ما الفآئدة في الإبقآء على هيئة الدولة السودانية التي إستقلت عن المستعمر (المحتل) البريطاني في سنة ١٩٥٦ ميلادية؟
- ما الذي يمنع قيام نظام حكم جديد يقوم على العدالة و المساواة؟
- ما الضيرُ في أن تطالب بعض من أو كل الشعوب السودانية ، القاطنة فيما تبقى من رقعة جمهورية السودان ، بحق تقرير المصير و إقامة دولها المستقلة؟
- ما هي تداعيات زوال جمهورية السودان؟
- و كيف يكون الحل؟
و سوف تأتي الإجابات العديدة عن: أسباب الفشل و الإنهيار و إستبداد الظالمين و إنتشار الفساد و سوف تُلقَىَٰ المسئوليةُ و اللومُ على هذه الأفراد و الجماعات و الفرق أو ذلك الحزب و التنظيم و الحركة أو تلك القوى و الجهات و الدوآئر و الوكالات و الدول ، و لكن و مهما كانت الأجابات فإن المسئولية تنتهي عند الفرد/المواطن السوداني الذي كان يجب عليه الحفاظ على مصالحه و رفض الظلم و محاربة الفساد و الوقوف إلى جانب الحق و الصدح به و الدفاع عنه مهما كلف الأمر...
و أما الظلم و الفساد فباقيان ما دامت السموات و الأرض ، و لكن ما كان الظلم و الفساد و ما استداما إلا بسبب الإستسلام و الخنوع و غض الطرف بهدف السلامة و المحافظة على المكاسب الشخصية ، و ما كان الظلم و الفساد ليكونا لو أن الأفراد/المواطنين وقفوا صفاً واحداً إلى جانب الحق رافضين لهما و مدافعين عن مصالحهم و مصرين/عازمين على تحقيق العدل حتى لو كان ذلك يعني تقديم التضحيات الجسام...
و قد أخبرت التجارب في بلاد السودان ، و بقاع أخرى من العالم ، أنه متى ما وثقت الجماهير في قوتها و مقدراتها على مقاومة الظلم و رفض الفساد و سعت إلى إحقاق العدالة و متى وعت أن الظلم و الفساد زاهقان تكون الثورات/الإنتفاضات و الإنتصارات...
إن فعالية المنظمات و الحكومات و مدى إستجابتها للمطالب و السعي إلى تحقيقها تعتمد على فعالية و مقدرة الأعضآء المشاركين/الجماهير على التخطيط و عرض الأفكار و تقديم الحجج و صياغة المطالب ، بل و إيجاد مقترحات الحلول العملية القابلة للتسويق و التطبيق...
و لن تحمي الجيوش و المنظومات الأمنية الأفراد و الأوطان و لن تكون هنالك أوطان حرة مستقلة في غياب القانون و الوعي الجماهيري الرافض للظلم و الفساد و الساعي إلى إقامة دولة القانون و المؤسسات التي تُفَعِّلُ أدوات تنفيذ العدالة مع ملاحظة أن كل ذلك و في نهاية الأمر هو مسئولية مؤسسات يقودها و يديرها أفراد...
و يظل مبدأ الإختيار و المشيئة قآئماً و أساسياً ، و لا دوام أو مجال للإكراه في الإعتقاد أو الإنتمآء أو الممارسة ، و تظل الحرية و الشورى و الحوار و قبول و إحترام الرأي الآخر و سيادة القانون و إنفاذ العدالة من المباديء الأساسية لقيام المجتمعات/الدول الآمنة المستقرة ، و معلومٌ أن المجتمعات قوامها الأفراد ، مما يعني أن محصلة و خلاصة ما دار أعلاه هي أن:
الحل = الفرد المسئول
و الأملُ أن ينجلي الكابوس العظيم الجاثم على أحلام الشعوب السودانية ، و أن تشتعل جذوة الثورة السودانية من جديد ، و لكن الواقع هو أن الحرب سوف تتواصل ردحاً من الزمان ، و سوف تزهق العديد من الأرواح و يحدث المزيد من الدمار ، و لكن في نهاية الأمر سوف ترهق تبعات الحرب و القتال الطرفين الباغيين و سوف يصيبهما النصب و العنت و الخيبة ، و سوف يعدمان نُفَاخ النار ، و سوف يصيب الفتور الكفلآء الداعمين فيكفون عن الدعم و السند و توفير الغطآء الدولي ، و لن يكون هنالك منتصر ، و لن ينحاز أي من الطرفين إلى خيار الحكم المدني ، و لن تكون هنالك تدخلات دولية/أممية و حتى إن حدثت فسوف يصيبها الفشل ، و على السودانيين الإقتناع بأن العالم ليس بأحرص على مستقبل بلادهم منهم ، و أن بنآء الوطن هو مسئوليتهم المباشرة و يجب أن يتم بالعون الذاتي ، و أن عملية البنآء تتخللها التضحيات و تتطلب الصبر...
و العشم أن يكون السودانيون قد وعوا الدرس جيداً و وثقوا في قوتهم و مقدراتهم الذاتية و أن بإمكانهم هزيمة الظلم و الباطل و الإنتصار على الباغين و المفسدين ، و أنه متى تحقق الإنتصار فسوف تكون دولة المؤسسات و القانون التي ترسخ العدل و تحاسب و تعاقب المسيئين ، و حينها فقط يمكن أن يبدأ التأريخُ لميلاد الدولة السودانية الجديدة...
و الحمدلله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
fbasama@gmail.com
فيصل بسمة
بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
و لقد مارست جماعة الإخوان المتأسلمين (الكيزان) الفساد السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي ردحاً من الزمان و ذلك على خلفية/مرجعية الدجل و الضلال الديني ، لكن يمكن بداية التوثيق لفساد الجماعة المنظم/الممنهج منذ فجر يوم الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية تأريخ إستيلآء الجماعة على السلطة بواسطة المكر و الخداع السياسي و قوة السلاح...
و فور إستيلآءها على السلطة شرعت الجماعة في ممارسة القتل و الإعتقالات و القمع المفرط و التعذيب و الإرهاب لفرض مشروع و نظام حكمٍ عقآئدي باطل يرتكز إلى فكرٍ ظلامي ضآل يُوَظَّفُ و يستغل الدين سياسياً و إقتصادياً و إجتماعياً لخدمة طموحات و أطماع أفراد الجماعة الذاتية في السلطة و الثرآء و النفوذ...
و من أجل إطالة/إستدامة البقآء على سدة الحكم و الحفاظ على النفوذ في جميع مؤسسات الدولة السودانية و التمكن السياسي و الإقتصادي و الإعلامي و الإجتماعي و كذلك إضعاف الخصوم و المعارضين لجأت الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) إلى تكتيكات و أساليب باطشة و فاسدة و ملتوية و غير معهودة في السياسة و الإقتصاد و الإجتماع و إدارة الأزمات ، فكان:
- ”المشروع الحضاري“ و التأصيل و التمكين و الخلط و الإرباك المتعمد لمفاهيم: الجماعة و الحزب و النظام و الدولة و السلطة و الحكم و الوطن و الجهاد
- تحويل جميع مرافق و مؤسسات الدولة السودانية إلى منظومات خآصة تتبع لتنظيم الجماعة و تدار بواسطة أفراد من الجماعة تمارسُ الفساد و الإفساد و التدمير الممنهج بإسم الدين و تحت غطآء الطاعة و الولآء للتنظيم
- تأسيس دولة بوليسية غاب عنها العدل و تفشي فيها الظلم و ساد فيها التطرف الديني
- القمع و الكبت و الظلم و الحروب الأهلية و الإبادات الجماعية و إنفصال الجنوب
- إنتشار الجهل و الفقر و المرض
- إشغال/إلهآء الشعوب السودانية بالغلآء و كسب لقمة العيش
- الإنحطاط و التدني المريع في القيم و الأخلاق حتى شاعت الفاحشة
- الموجات الغير مسبوقة من النزوح و اللجوء و الإغتراب و الهجرة
و نتيجة لذلك أصاب الشعوب السودانية اليأس ، و دخلت في مرحلة سبات عميق و خمول فقدت خلالها ، مؤقتاً ، القدرة/المقدرة على الخلق و الإبداع و الثورة و قول الحق و رفض الظلم و الفساد...
و بعد عقود من الزمان و لما طغى الظلم و تفاقم الفساد وعت/لمست الجماهير السودانية ضعف النظام الكيزاني فكانت إنتفاضة الشعوب السودانية في ديسمبر ٢٠١٨ ميلادية ، ثم كان الفشل/الإخفاق أو ربما عدم التوفيق من قبل عناصر الثورة و قوي الحرية و التغيير (قحت) و عجزهم عن تفعيل/إستثمار الزخم الثوري و توظيفه في حماية الثورة و الحفاظ على مكتسباتها و في ذات الوقت تفكيك أركان نظام إنقلاب الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية ، و مما ساعد على ذلك مكآئد الجماعة المتغلغلة في جميع مفاصل الدولة و إجتهادها في إعاقة مسيرة الثورة...
ثم كانت مرحلة قمع الثوار و هيمنة العناصر الكيزانية في اللجنة الأمنية العليا لنظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة بمعاونة مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) و إنفرادهم بالسلطة تحت مسميات و لافتات متغيرة: المجلس العسكري الإنتقالي فمجلس السيادة الإنتقالي فالإنقلابات العسكرية المتعددة لدواعي أمنية فإشعال الحرب الحالية و إحداث الفوضى و سقوط/إنهيار الدولة السودانية و إقامة دولة مجلس الحرب المتحالفة مع أعدآء الأمس من أمرآء/مرتزقة الحروب الأهلية و الإنتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة في مدينة بورتسودان حيث تَوَاصَلَ الفساد الإداري و الإقتصادي و التخبط السياسي ، و في هذه الأثنآء عادت عدة عناصر و رموز كيزانية كانت غآئبة/مختبئة/فارة إلى المشهد السياسي من جديد و لكن في أطر و مسميات جديدة و شرعت تدير أمور: ”الحكم“ و الإقتصاد و الحرب و الإعلام على طريقة مسرح العرآئس...
و معلومٌ أن مليشيات الجَنجَوِيد هي إحدى إفرازات الجماعة الكيزانية ، و معلومٌ تأريخ محمد حمدان دَقَلُو (حِمِيدتِي) منذ تجارة الأبل و الهَمبَتَة (قطع الطريق) مروراً بمليشيات الجَنجَوِيد و الإبادات بالوكالة و عن طريق سلاح حرس الحدود فمرحلة (حمايتي) و قوات الدعم السريع التي عُدِّلَت و قُنِنَت صلاحياتها لتشمل القتل و القمع و الإرهاب في جميع أرجآء جمهورية السودان و كذلك الإرتزاق في اليمن و شبه الجزيرة الأعرابية مقرونة مع المرحلة (الإقتصادية العالمية) و الإشتغال بالتعدين و التجارة و التعاون مع الإتحاد الأوروبي في مشروع مكافحة الإرهاب العابر للقارات و التهريب و الإتجار في البشر ثم المرحلة (السيادية الربانية) و التوسع في النشاط التجاري و شركات الجنيد و أخواتها ثم مرحلة التمدد العسكري و طموحات حميدتي (الرئاسية الربانية) و تحالفاته مع جماعات: الطرق الصوفية و الإدارات الأهلية و الحركات المتمردة و الأحزاب و النقابات و منظمات المجتمع المدني و الأندية الرياضية و الثقافية فمرحلة (التمرد) على السلطة المركزية و التورط في الحرب الدآئرة الآن...
و اشتدت ضرواة الحرب و اتسعت رقعتها لكن أكثر الحروب ضراوةً كانت تلك المستعرة في وسآئل الإعلام و الوسآئط الإجتماعية و أسافير الشبكة العنكبوتية ، و كانت أعلى الأصوات تلك الكيزانية التي تهدف و تسعى إلى إستدامة الحرب و إخماد نيران الثورة السودانية و إلى تخوين قوى الثورة الرافضة للحرب و وصفها بالحاضنة السياسية لمليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع)!!!...
و ما زال الكيزان و قوى و جهات و دول يجتهدون كثيراً في خلط الأوراق و خطف و تمييع المواقف و إستغفال الجماهير و تضليلها عن طريق إشاعة الفوضى و الكذب و التلفيق الإعلامي بغرض تعقيد المسألة/الأزمة السودانية حتى تستمر الحرب...
و قد راهنت جميع الأطراف الوالغة في الشأن السوداني و استثمرت كثيراً في إستمرار مسلسل القتل و التخريب و الدمار و الترويع و التشريد و النزوح و تخريب/إقاعة النشاط الزراعي و الإقتصادي عن طريق التدخل المباشر أو عن طريق الوكالة حفاظاً على المصالح الذاتية و المعادلات الإستراتيجية المحلية و الإقليمية و الدولية ، و لكن تبقى المعطيات و المعادلات الأساسية هي أن طرفي الحرب:
- القوات المسلحة (الكتآئب الكيزانية) = إستغلال الدين/التمكين و الفساد و الإفساد/توظيف القبآئل و الإدارات الأهلية في السياسة و الصراعات/الحروب الأهلية و الإبادات الجماعية و الخراب و النزوح الجماعي/الفوضى و إنهيار الدولة السودانية
- مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) = القمع/الإرهاب/النهب و الفساد و الإفساد/إستغلال الدين/توظيف القبآئل و الإدارات الأهلية في السياسة و الصراعات/الإرتزاق و التمرد و الحروب و المجازر الجماعية و الخراب و النزوح الجماعي/الفوضى و تدمير الدولة السودانية
و أما الإستخلاص و النتيجة فواحدة:
الكتآئب الكيزانية = مليشيات الجَنجَوِيد
و الشاهد هو أن الطرفين يشتركان في الكثير من الصفات و الممارسات و ينغمسان/يتورطان في صراع مدمر حول السلطة و يكادا يتطابقان و لكن مع مراعاة الفروق في طرق التفكير و الوسآئل مع إدخال بعض من التعديلات الطفيفة هنا و هناك...
و هكذا تستمر الحرب و الدمار و الفوضى و الخاسر الأكبر هي جماهير الشعوب السودانية التي تعرضت و ما زالت تتعرض للقتل و الإنتهاكات و الدمار و النهب و السلب و الفرار و النزوح و اللجوء و الذل و الكثير من المعاناة و التي تنامى فيها و استوطن: اليأسُ و القنوطُ و الإكتئابُ و النعراتُ القبليةُ و الجهويةُ و الدعواتُ العنصرية...
و من بين ساحات المعارك و الأنقاض و جبال المعاناة تصاعدت التسآؤلات من قبل القتلة و الضحايا من أهل المركز و ”الهامش“:
- ما مسببات الأزمة السودانية؟
- لماذا سكت السودانيون طويلاً عن مواجهة/مقاومة الظلم و محاربة الفساد؟
- ما الذي يقود الأفراد و الجماعات إلى ممارسة الظلم و الفساد؟
- من المسئول عن حماية الثورة و الوطن و المواطن؟
- ما فآئدة الإنتمآء إلى منظومات/منظمات محلية و إقليمية و دولية غير ذات جدوى؟
- ما هي وظيفة الجيوش و بقية الأجهزة الأمنية؟
- لماذا فشلت الدولة السودانية و انهارت؟
- متى تتوقف الحرب و تنتهي المعاناة؟
- ما مصير جمهورية السودان؟
- ما الفآئدة في الإبقآء على هيئة الدولة السودانية التي إستقلت عن المستعمر (المحتل) البريطاني في سنة ١٩٥٦ ميلادية؟
- ما الذي يمنع قيام نظام حكم جديد يقوم على العدالة و المساواة؟
- ما الضيرُ في أن تطالب بعض من أو كل الشعوب السودانية ، القاطنة فيما تبقى من رقعة جمهورية السودان ، بحق تقرير المصير و إقامة دولها المستقلة؟
- ما هي تداعيات زوال جمهورية السودان؟
- و كيف يكون الحل؟
و سوف تأتي الإجابات العديدة عن: أسباب الفشل و الإنهيار و إستبداد الظالمين و إنتشار الفساد و سوف تُلقَىَٰ المسئوليةُ و اللومُ على هذه الأفراد و الجماعات و الفرق أو ذلك الحزب و التنظيم و الحركة أو تلك القوى و الجهات و الدوآئر و الوكالات و الدول ، و لكن و مهما كانت الأجابات فإن المسئولية تنتهي عند الفرد/المواطن السوداني الذي كان يجب عليه الحفاظ على مصالحه و رفض الظلم و محاربة الفساد و الوقوف إلى جانب الحق و الصدح به و الدفاع عنه مهما كلف الأمر...
و أما الظلم و الفساد فباقيان ما دامت السموات و الأرض ، و لكن ما كان الظلم و الفساد و ما استداما إلا بسبب الإستسلام و الخنوع و غض الطرف بهدف السلامة و المحافظة على المكاسب الشخصية ، و ما كان الظلم و الفساد ليكونا لو أن الأفراد/المواطنين وقفوا صفاً واحداً إلى جانب الحق رافضين لهما و مدافعين عن مصالحهم و مصرين/عازمين على تحقيق العدل حتى لو كان ذلك يعني تقديم التضحيات الجسام...
و قد أخبرت التجارب في بلاد السودان ، و بقاع أخرى من العالم ، أنه متى ما وثقت الجماهير في قوتها و مقدراتها على مقاومة الظلم و رفض الفساد و سعت إلى إحقاق العدالة و متى وعت أن الظلم و الفساد زاهقان تكون الثورات/الإنتفاضات و الإنتصارات...
إن فعالية المنظمات و الحكومات و مدى إستجابتها للمطالب و السعي إلى تحقيقها تعتمد على فعالية و مقدرة الأعضآء المشاركين/الجماهير على التخطيط و عرض الأفكار و تقديم الحجج و صياغة المطالب ، بل و إيجاد مقترحات الحلول العملية القابلة للتسويق و التطبيق...
و لن تحمي الجيوش و المنظومات الأمنية الأفراد و الأوطان و لن تكون هنالك أوطان حرة مستقلة في غياب القانون و الوعي الجماهيري الرافض للظلم و الفساد و الساعي إلى إقامة دولة القانون و المؤسسات التي تُفَعِّلُ أدوات تنفيذ العدالة مع ملاحظة أن كل ذلك و في نهاية الأمر هو مسئولية مؤسسات يقودها و يديرها أفراد...
و يظل مبدأ الإختيار و المشيئة قآئماً و أساسياً ، و لا دوام أو مجال للإكراه في الإعتقاد أو الإنتمآء أو الممارسة ، و تظل الحرية و الشورى و الحوار و قبول و إحترام الرأي الآخر و سيادة القانون و إنفاذ العدالة من المباديء الأساسية لقيام المجتمعات/الدول الآمنة المستقرة ، و معلومٌ أن المجتمعات قوامها الأفراد ، مما يعني أن محصلة و خلاصة ما دار أعلاه هي أن:
الحل = الفرد المسئول
و الأملُ أن ينجلي الكابوس العظيم الجاثم على أحلام الشعوب السودانية ، و أن تشتعل جذوة الثورة السودانية من جديد ، و لكن الواقع هو أن الحرب سوف تتواصل ردحاً من الزمان ، و سوف تزهق العديد من الأرواح و يحدث المزيد من الدمار ، و لكن في نهاية الأمر سوف ترهق تبعات الحرب و القتال الطرفين الباغيين و سوف يصيبهما النصب و العنت و الخيبة ، و سوف يعدمان نُفَاخ النار ، و سوف يصيب الفتور الكفلآء الداعمين فيكفون عن الدعم و السند و توفير الغطآء الدولي ، و لن يكون هنالك منتصر ، و لن ينحاز أي من الطرفين إلى خيار الحكم المدني ، و لن تكون هنالك تدخلات دولية/أممية و حتى إن حدثت فسوف يصيبها الفشل ، و على السودانيين الإقتناع بأن العالم ليس بأحرص على مستقبل بلادهم منهم ، و أن بنآء الوطن هو مسئوليتهم المباشرة و يجب أن يتم بالعون الذاتي ، و أن عملية البنآء تتخللها التضحيات و تتطلب الصبر...
و العشم أن يكون السودانيون قد وعوا الدرس جيداً و وثقوا في قوتهم و مقدراتهم الذاتية و أن بإمكانهم هزيمة الظلم و الباطل و الإنتصار على الباغين و المفسدين ، و أنه متى تحقق الإنتصار فسوف تكون دولة المؤسسات و القانون التي ترسخ العدل و تحاسب و تعاقب المسيئين ، و حينها فقط يمكن أن يبدأ التأريخُ لميلاد الدولة السودانية الجديدة...
و الحمدلله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
fbasama@gmail.com