معنى أن تكون قائدا في زمن عصيب

 


 

فوزي بشرى
24 April, 2023

 

#حرب_الضرورة
قلت إن إدارة الحرب تفتقر الى تأسيس خطاب يوضح منطقها و مسوغها الأخلاقي بشكل لا لبس فيه، و بلغة واضحة و بسيطة لا تلجلج في التعبير عن قضيتها و لا تلعثم، و لا مكان فيها لتصريحات هن بنات الخواطر لا التدقيق و الضبط.
و لأن وسائل الاعلام تنظر الى ما يجري في السودان بوصفه (صراعا بين طرفين) توجب على الطرف الذي يمثل الدولة و هو هنا (الجيش) أن ينشئ خطابا يجرد ( العدو) من أحقيته بأن يكون (طرفا شرعيا) جديرا بالجلوس (ندا) مقابلا للجيش/الدولة في أي طاولة مفاوضات.
و هذا يقتضي اتخاذ قرارات كان يجب أن تكون من اليوم الأول للحرب. هذه القرارات ( تؤطر) الصراع في صيغة: دولة/تمرد وهذه الصيغة هي التي تقدم حيثيات القرارات الثلاث التي تخرج بالحرب من دمغها (بالعبرية) الى الارتقاء بتضحياتها و مآسيها و تكاليفها الانسانية الباهظة الى (معركة وطنية) تستنقذ الدولة من (الاختطاف) لصالح أسرة دقلو ولصالح من يوظفونها لخدمة مصالحهم و مطامعهم في السودان.
هذه القرارات التي كان ينبغي على الفريق البرهان اتخاذها بل يتوجب عليه ذلك هي:
١- صدور قرار بإعلان قوات الدعم السريع قوات متمردة ومن ثم حلها و أيلولة كل اسلحتها و ممتلكاتها و مقارها و معسكراتها و أموالها للجيش السوداني. ثم إعلان حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد. متى تفرض الطوارئ إن لم يكن في هذا الظرف؟!
٢- يترتب القرار الثاني بالضرورة على (مقتضيات) القرار بالأول؛ وهو صدور قرار بتجريد قادتها من الرتب العسكرية بجريمة ( التمرد على الجيش و على الدولة).
٣- إصدار قرار بعزل محمد حمدان دقلو من موقعه نائبا لمجلس السيادة بحيثية (جريمة التمرد) التي تنزع عنه ( مشروعية) القيام ( بمطلوبات السيادة) لخروجه و تمرده و شنه الحرب عليها.
ما الذي تعنيه هذه القرارات من الناحية العسكرية و السياسية؟
من الناحية العسكرية تكون القرارات قد وصفت الخصم و هو قيادة الدعم السريع و قواتها و حددت جرم العدو و هو (التمرد). و بما أن الدعم السريع و قواته تقوده أسرة فيكون وصف الخصم هو تمرد أسرة دقلو و استدراجها قوة نظامية الى ( الخروج على الدولة لقلب نظام الحكم). كذلك من شأن قرارات الحل القضاء على هذا (الخلل الهيكلي ) في المؤسسة العسكرية الذي انتهى بها الى (نشوء جيش مواز ) خرج من ( رحمها أو من صلبها) ثم صار لها خصما لدودا لها. و النكوص عن اتخاذ هذه القرارات سيبقي على بذرة التمرد تنمو تحت الأرض اذا بقيت ظاهرة الدعم السريع أو أي تشكيلات عسكرية رديفة تنمو خارج المؤسسة العسكرية.
أما من الناحية السياسية فإن القرارات الثلاث تجعل بمرتباتها العملية فكرة الجلوس الى طاولة تفاوض أمرا غير وارد بالكلية إذ تنعدم الأهلية و الشرعية لحميدتي سواء بوصفه ( فريقا قائدا ) أو بوصفه ( نائبا لرئيس مجلس السيادة) لسبب بسيط هو أن الصفتين/ الوظيفتين قد بطلتا بقرارات رئيس مجلس السيادة. و هذا التجريد من الوظائف يرد حميدتي مواطنا عاديا لا صفة له تخوله الدخول في مفاوضات حول أي شيء. و ستوفر هذه القرارات حال اتخاذها كان حجج السودان في سد الباب تماما في وجه أي دعوات للتفاوض و ذلك بسؤال بسيط مباشر: التفاوض مع متمرد حول ماذا؟ فحميدتي لا يمثل حزبا أو جماعة أو اقليما، حميدتي لا يمثل غير قوته و هي وحدها التي مكنته هو و أسرته لنيل ما نالوا من مواقع في الدولة و مستحقات القوة تزول بزوالها وهي هنا ( الدعم السريع).
إن عدم اتخاذ هذه القرارات و التلكؤ بشأنها أمر ضار بسير المعركة الوطنية سواء من الناحية العسكرية أو السياسية وهي ما صبغ الخطاب الاعلامي للحرب بقدر من الاضطراب و الارتجال و الكلام كيفما اتفق.
إن من حق الشعب على قيادته العسكرية أن تحدد له بجلاء طبيعة هذه الحرب في جملة واحدة هو استنقاذ الدولة من السقوط في يد أسرة عن طريق القوة الغاشمة وذلك خدمة لمصالحها ومصالح من تقف وراءها من الدول.
اتخاذ القرارات الثلاث أعلاها يحتم قرارا رابعا لا مهرب منه . إنه قرار سياسي و هو:
٤- إصدار قرار بتعهد سياسي من الفريق البرهان بالعمل المخلص و الجاد بلا زوغان أو مراوغة (فقد انتهى زمن المراوغات ) بخروج الجيش خروجا نهائيا و كاملا من مسألة الحكم و لا يبقى له من المسؤوليات إلا ما يبقى له في الأنظمة الديمقراطية. و أي تراجع عن هذا التعهد أو تسويف فيه سيجعل الجيش في مواجهة مع الشعب فشباب الثورة الذين تواثقت أرواحهم على إقامة حكم مدني ديمقراطي في السودان لن تسمح بأن يكون كل الذي حدث بعد ثورة ديسمبر كان محض هياج شعبي مات فيه من مات بلا هدف.
أما بعد فيتوجب على الفريق البرهان أن يرتقي الى مستحقات اللحظة التاريخية التي لا تحدث في حياة الشعوب و الدول إلا مرة بعد أمد من الزمان و أمة من الناس ثم لا يكون فيها الحال كما كان قبلها.
#مستحقات_القيادة
#حرب_الضرورة
#لاتفاوضحول_الوطن
هذه حرب لا توفر لأحد ترف المفاضلة بين الخيارات. إنها حرب متعلق بها بقاء الوطن أو زواله و تلاشيه كأن لم يكن. فارجع البصر كرتين هل ترى غير الذي أقول؟

 

آراء