مع هؤلاء سيظل قائماً سؤال: من أين أتي هؤلاء؟

 


 

 

عند إقتحام أنصار دونالد ترامب مبني الكابيتول علي خلفية نتائج إنتخابات الرئاسة الأمريكية، أصدرت الجهات العدلية مذكرة إستدعاء بشأن مسئوليتة عن أحداث الشغب التي صاحبت الإقتحام حيث وجه المحقق العدلي حديثه لترامب قائلاً " لقد كنت في قلب المحاولة الأولي والوحيدة من قبل رئيس أمريكى لإلغاء الإنتخابات وكنت تعلم أن هذا النشاط غير قانوني وغير دستوري"

وفي باكستان أضطر زعيم المعارضة عمران خان للمثول أمام المحكمة – بعد ممانعة – بسبب خطاب ألقاه أمام أنصاره في لقاء جماهيري قيل أنه تضمن تهديدات وإزدراء لبعض أجهزة الدولة ودعوة لأنصاره لقطع طريق إسلام أباد – روالبندى الحيوى وقد جاء في خطاب الإفراج عنه بكفالة ما يلي " السيد عمران ، لقد حرضت الغوغاء علي قطع الأوتوستراد وإحتلال مباني عامة ، وإذا لم يكن هذا فعلاً إجرامياً فما العمل الإجرامي إذن."

في السودان ، بلد المليون خبير إستراتيجي ومثله من القياديين أصحاب البدل الأنيقة، يطالعنا الناظر ترك – الذى لا يكاد يفرق بين الميدالية والحجاب وعما إن كانت تعلق علي الصدر أو تلبس علي اليد اليمني – يطالعنا هذا الزعيم القبلي بمناسبة وبدون مناسبة مهددأ ومتوعداً بإقتحام الميناء وأغلاق الطريق البري الوحيد الذى يربط السودان بالبحر مما يعني شل حركة الصادر والوارد في عموم البلاد بغض النظر عن خطورة هذا الوعيد.

ظاهرة الناظر ترك يشير بوضوح الي أهم ما يفقده الشعب السوداني في هذا المنعطف الخطير من تاريخه إلا وهو غياب زعماء وقادة وطنيون ورجالات دولة بكل ما تحمله الكلمة من معني. بمتابعتي لتمظهرات هذا الزعيم القبلي علي الساحة السياسية منذ عهد الإنقاذ تيقنت أنه مشغول بكسب حقوق برجوازية وإمتيازات خاصة ولا علاقة له بمشاغل ثورية وأنه ظاهرة مضادة لحركة التاريخ وتطلعات الجماهير.

المفارقة المؤسفة إنتقال عدوى الناظر ترك الي رفاقه بالكتلة الديمقراطية الذين أتموا الناقصة حيث طفقو - بلغة تصعيدية تستقي جذورها من العجز والقلق - في التهديد علناً بعزل البلاد عن بعضها البعض شرقاً وغرباً وجنوباً في حال إنفراد الحرية والتغيير المركزى بالتوقيع علي الإتفاق السياسي النهائي وتشكيل حكومتها من دون مشاركتهم.

لآ أدري ماذا ترك هؤلاء للبلطجية؟ تصريحات لا تصدر إلا من عصابات إجرامية لا تتمتع بأدني حس من المسئولية الوطنية وهم بذلك يدفعون - مثل الناظر ترك - عجلة التاريخ لأتجاهات لا تخدم إلا مصالح طبقاتهم الجديدة من رأسمالي وبرجوازى الحروب التي لم تحقن أوعيتها بعد بوعي ثورة ديسمبر التاريخية.

الشعب السوداني شعب غير ملوث وجميعه – وأنا منهم – ممتن لثورة ديسمبر التي أعطتنا سلاحاً فتاكاً وهذا السلاح لم يكن رشاشاً أو دوشكا بل سلاح السلمية الذي أسقطنا به الإنقاذ ويقيناً سوف نهزم به تهديدات هذه العصابات التي أدمنت الدماء القانية.

هؤلاء يبالغون بنرجسية علي أوزانهم الحقيقية رغم أن الكل يعرفهم بأنها شخصيات عاجزة وفاشلة وإنتهازية وغير مؤهلة ولو لا الأزمة المزمنة التي تعيشها النخبة السياسة الوطنية بفعل الإنقاذ لما كان لهؤلاء ذكر في أوساط المجتمع وصدق المفكر سارتر حينما تسآل بعد أحداث مايو 1968 بفرنسا قائلاً "كيف يصل الفاشلون والدهماء الي السلطة؟"

أعرف أن لغة السياسة في زماننا متضررة للغاية وأن ساسة اليوم غير ما كانوا بالأمس ولكن ومهما يكن من أمر فإن الشعب السوداني لم ولن يقبل تهديدات رعناء من شخصيات هلامية فقط لأنهم إختلفوا مع فريق سياسي وقرروا معاقبة الشعب بأسره ووضعهم رهائن ريثما تتم الإستجابة لمطالبهم.

هذه التصريحات وهي بالمناسبة تصريحات راتبة – تنطوي علي أقل تقدير علي ثلاث جرائم خطيرة ، تحديداً ) أ ( تسبيب الخوف والذعر للمواطنيين ) ب ( تعريض السلام والطمأنينة العامة للخطر ( ج ( الإبتزاز.

الطبيعي في مثل هذه الأحوال أن يتصدى النائب العام بإعتباره ممثلاً عن المجتمع ومفوضاً منه في تحريك الدعاوي ، وأن يقوم بأستدعاء هؤلاء وإستجوابهم بل وحبسهم علي ذمة التحقيق إسوة بما حدث لترامب وعمران خان علماً بأن تصريحات هؤلاء كانت أقل حدة وشأنا من تصريحات ساستنا الجدد الذين لا ندري من أين أتو؟

هذا مسلك عام يأمر به ويتطلبه القانون من النائب العام الذى هو في نهاية المطاف موظف عام ومن المعروف أن الموظف العام الذى يخالف ما يأمر به القانون بشأن المسلك الواجب عليه إتباعه أو يمتنع عن أداء واجب من واجبات وظيفته – كحالتنا هذه – تعنبر جريمة.

ما أطلبه من ساسة الغفلة والصدف أن يكفوا عن تهديدنا وتسبيب الخوف والذعر بيننا فقد جبلنا علي العيش بسلام وطمأنينة بعيدا عن القتل والدماء كما أناشد النائب العام أن يختار ولو لمرة واحدة أفقاً أكثر إرتفاعا وألقا كشأن أقرانه من القانونيين السابقين من أمثال عبدالمجيد أمام وعلي محمود حسنين اللذان سطرا مواقف وطنية سجلها التاريخ.

وأقول للثوار لا تقلقوا من هذه التصريحات المتخلفة ففي تخلف أصحابها عنصراً إيجابياً يساعد الثورة علي العبور وتحقيق مقاصدها النبيلة.

عبدالرحمن حسين دوسة
محامي ومستسار قانونى

hatemgader@yahoo.com

 

آراء