مفارقة البشرية للفقر و الجهل و المرض بعد مفارقة وحل الفكر الديني
طاهر عمر
8 September, 2022
8 September, 2022
الثورات الكبرى كثورة ديسمبر العظيمة في السودان تعقبها تشريعات تؤسس لقيم جديدة تقضي على الانساق الثقافية المضمرة التي تتعارض مع جديد القيم و من الأنساق الثقافية المضمرة في السودان سيطرة وحل الفكر الديني حيث نجد كساده يتجسد في عدم تحقيق أي نوع من الازدهار المادي مثلا من أنساق الثقافة المضمرة في السودان و انعكاسها على أداء العمل السياسي نجد أن السياسي السوداني مشحون بفكرة الخلاص الأخروي و هي ما تبقى من أفكار و ثقافة القرون الوسطى و هذا يجعل السياسي السوداني في اللا شعور لا يحس بمعنى عدم المساواة و لا يدرك بأن المساواة بين أفراد المجتمع هي مفتاح للطريق السالك على التقدم و الازدهار المادي.
و لا تكون مسألة المساواة بين أفراد المجتمع بغير فصل الدين عن الدولة و قد تأكد للفلاسفة و علماء الاجتماع بأن الحديث عن التسامح في ظل خطاب ديني و فكر ديني مسيطر على مجتمع تقليدي ضرب من الجنون مهما تحدث المتحدثون عن خصوصية الآداب الاسلامية فلا يمكننا الحديث عن التسامح و ما زالت أحزابنا السياسية نوافذ بسعة حلم رجال دين يلبسون قناع السياسة كما يفعل امام الطائفية و مولانا الختمية و مرشد الكيزان فلا يمكننا الحديث عن التسامح و فكرة المساواة بغير كشف أنساق ثقافتنا المضمرة التي تنام في تلافيف ايماننا التقليدي الذي يتوشح بفكر و ثقافة القرون الوسطى.
هناك أسباب كثيرة تؤخر مسألة إنتباه النخب لكيفية مفارقة أنساقنا الثقافية المضمرة التي تقيّد المفكر السوداني و تجعله أسير وحل الفكر الديني حيث نجد أن المثقف السوداني لا يستطيع التفكير خارج أطر الفكر الديني الذي يشده لفكر القرون الوسطى و لهذا ما زال السودان و مجتمعه تسوده ثقافة و حال القرون الوسطى حيث ثقافة اللا مساواة و الفقر و الجهل و المرض و عدم القدرة على إدراك كيف يظل المجتمع تتطوقه حلقات مفرغة و محكمة الاغلاق و لا يستطيع الفكاك من طوقها مثل دائرة النخب السودانية الشريرة و كيف يبدو إزاءها عقلهم المنغلق في عدم القدرة على تقديم تفسير لحدوثها المتكرر و هنا ينام سر الأنساق الثقافية المضمرة و منها أن النخب السودانية تعتقد و هي واهمة أنها سوف تحقق عبر الأحزاب الدينية من أحزاب مولانا و المرشد و الامام ديمقراطية و يتأكد لك كيف أن المثقف التقليدي بايمانه التقليدي و فكره التقليدي يسكن في الحاضر إلا أن عقله يجوب آفاق القرون الوسطى.
فكر المثقف السوداني الواهم في مسالة أمكانية تحقيق الديمقراطية عبر أحزاب دينية مؤشر واضح على ضعف مناهجهم و ضعف مكتبتنا السودانية و لهذا لا تستغرب أن تمتلئ الساحة السودانية بكتّاب من الدبلوماسيين و رجال الدين و العسكر و هذا ما جعل المثقف التقليدي في السودان يكون سيد الموقف و بسببه غاب عن الأفق أن ثورة الديمقراطية نتاج تغيير هائل يرتقي لمستوى الثورة و في نفس الوقت يحجبنا عن عذابات الثورة لأنه يفضي الى تحقيق الديمقراطية بلا دم و لا عرق و لا دموع كما شرح توكفيل كيف كانت الديمقراطية ناجحة في أمريكا في زمن لم تتحقق في اوروبا و كيف كانت نتاج التحول الهائل في عقل الارستقراطية و أرباب العمل فيما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية كنتيجة من نتائج الثورة الصناعية.
و كله بسبب أن فلسفة جون لوك قد استوعبها الشعب الامريكي و خاصة فكره في رسالة في التسامح الذي لا يكون في ظل الفكر الديني و هو مشهود له بأنه يمقت الإلحاد مثل مقته لعدم فصل الدين عن الدولة. و هدفنا من الحديث عن فلسفة جون لوك و حديثه في رسالة في التسامح لأنه يعتبر الأب الشرعي للفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي و في عصرنا أن أقصر الطرق لتحقيق التقدم و الازدهار و إنجاز تنمية اقتصادية لا يكون بغير طريق الفكر الليبرالي و لا تكون هناك ديمقراطية في السودان و أحزابنا تبغض الفكر الليبرالي بسبب غوصها في وحل الفكر الديني و أغلب أتباعها تسيطر على أفقهم فكرة الخلاص الأخروي.
رأينا كيف كان الصادق المهدي أقرب لرجل الدين من السياسي و كيف كان الكيزان تجسيد لظلم القرون الوسطى في خلال الثلاثة عقود التي دمروا فيها ما تركه الاستعمار من هياكل لمجتمعات حديثة و تأسيس لمفهوم الدولة الحديثة و كيف تتحول المفاهيم في ظل علاقة الفرد بالدولة الحديثة و بعد خروجهم فاذا بالامام و المرشد و مولانا يرجعون بالشعب السوداني الى الهويات القاتلة بدل من الحريات. و كيف نتحدث عن حرية في ظل فكري ديني مخيم على أفق أمة قد أعياها الفقر و الجهل و المرض؟
أيقنت الشعوب المتقدمة أن مسألة علاقة الفرد مع ربه علاقة فردية لا دخل لرجال الدين بها و يجب أن يعرف كل فرد من الشعب السوداني بأن علاقته بينه و ربه علاقة فردية و الشأن فيها شأن فردي أما علاقته مع مجتمعه تضبطها معادلة الحرية و العدالة و هي التي تؤسس لضبط الصراع ما بين الفرد و المجتمع وفقا للمسؤولية الاجتماعية و هي التي تؤمّن للفرد مساواته مع الآخرين و تؤسس لفكرة الضمان الاجتماعي في حالات المرض و العجز عن العمل و لا يمكننا تحقيق مجتمع حديث في ظل ثقافة الفكر الديني لهذا ينبغي أن ننمي ثقافة تنتج فكر علماني ينتصر للفرد و العقل و الحرية بعيدا عن سيطرة رجال الدين أمثال أتباع الامام و المرشد و مولانا.
بالمناسبة حال السودان الآن و كل السياسيين أتباع لوحل الفكر الديني يماثل حال فرنسا قبل قرنيين من الزمان و قد لاحظ توكفيل بأن الكاثوليكية في فرنسا كانت و أتباعها يظنون بأنها قادرة على تحقيق التحول الديمقراطي في فرنسا بفكرها الديني مثل حال الامام الصادق المهدي و مولانا الميرغني و الترابي و لكن كان توكفيل فيلسوف و عالم اجتماع و مؤرخ و اقتصادي و قد وقف ووضح بأنه يستحيل تحقيق الديمقراطية في ظل وحل الفكر الديني و قد كان محق و هنا نسأل النخب السودانية لماذا التعنت و الاصرار البليد على تحقيق ديمقراطية بأحزاب وحل الفكر الديني؟ لماذا الاصرار المقيت على المصالحة ما بين العلمانية و الدين و هذا مستحيل؟ و لماذا الحديث عن مصالحة مابين الحداثة و الأصالة و هذا مستحيل وفقا لتجربة الانسان و ضمير الوجود؟
و هنا يتضح بأننا في مفترق طرق أو في لحظة موت القديم من فكر و في انتظار ميلاد الجديد من الفكر الذي يبعد المفكر التقليدي و الكاتب التقليدي و المثقف التقليدي الذي يسير خلف الامام و مولانا و المرشد خانع أو كما الميت بين يدي غاسله. نحن في وقت نحتاج لمفكر منتصر للحياة و مدرك أن البشرية لم تفارق الجهل و الفقر و المرض إلا بعد مفارقتها للفكر الديني و لا يقول لك قائل بأن ذلك قد حدث في اوروبا لأن الكنيسة كانت مسيطرة فأي فكر ديني أي دين لا يمكن تحقيق تسامح أو عدالة أو مساواة في ظله و أعلم أن لا خصوصية لأي دين فاننا في زمن الحداثة كما يقول بودلير و قد قضت على جلالة السلطة و قداسة المقدس و هذا هو الأفق الغائب عن أفق المثقف السوداني العاجز عن إنتاج فكر يؤمن بالعلمانية بلا لجلجة.
و هنا و من حديث بودلير يتضح لنا كيف تتحول المفاهيم فيما يتعلق بالدولة كمفهوم حديث و السلطة كمفهوم حديث لم تستوعبه النخب السودانية الفاشلة و قد رأينا فكرهم في حوار حول الدولة المدنية و كيف يفضي لعلمانية محابية للأديان أو مساومة تاريخية ما بين يسار سوداني رث و يمين غارق في وحل الفكر الديني أو مصالحة مابين العلمانية و الدين و كله فكر ترقيعي يقف على ساقة واحدة و هي مسالة التوفيق الكاذب و كله بسبب أن المثقف السوداني التقليدي غير مواكب لتطور الفكر في العالم و غير مستعد لاستلاف تراث و موروث الانسانية حيث انتصرت للحريات بعيد أن الهويات القاتلة.
و اخيرا يمكننا أن نقول بأن مهمة مفارقة الفكر التقليدي و عوالم القرون الوسطى مهمة صعبة تنتظر العظماء الذين يسطرون كتاب التحولات الكبرى و يكتبون سجل المغامرات الكبرى للانسانية و هنا تنتظرنا مهمة و أهمية تاريخ الذهنيات و كيف يوضح لنا أن في لحظة إنقلاب الزمان يجب انتظار الفلاسفة و الحكماء و الانبياء لأنها لحظة ميلاد من يفارق طريق العقل الجمعي القديم و يؤسس لفكر جديد بالكلية مثلما فعل مارتن لوثر و فكرة الاصلاح الديني و مثلما فعل جون كالفن متحديا التراث اليهودي المسيحي فيما يتعلق بالرباء و قد أسس جون كالفن لفكرة سعر الفائدة و حطم فكرة أن التجارة عمل غير أخلاقي كما كان يعتقد التراث اليهودي المسيحي.
و عليه يمكننا أن نقول لكم قد حانت اللحظة التي يجب أن يعلم فيها الشعب السوداني بأن زمن أحزاب المرشد و مولانا و الامام قد انطوى مع ماضي الشعب السوداني و أن الشعب السوداني ينتظر الجديد الذي يجعله منتصر للحياة.
فكونوا أبناء الحياة كما يقول جبران و ليس أبناء الطرق الصوفية و لا أبناء للادارة الاهلية و لا أبناء للأحزاب الدينية و أيقنوا بأن سحر الحياة خالدا لا يزول و حينها سوف لا يطل على أفقنا ظالم و يجب أن نوسّع ماعون الحرية و لا يكون بغير انتصارنا للفرد و العقل و الحرية و حينها سوف تجد أن معادلاتك السلوكية قد تغيرت و الى الأبد و لو تطلب منك الامر بأن تعيش في خطر من أجل الحرية كما يقول فردريك نيتشة.
و عليه يمكنك أن ترفض أخلاق و فلسفة العبيد التي تجعلك تابع للمرشد و الامام و مولانا و تابع لثقافة من انتاج المثقف الهووي الصاخب فاننا في زمن ينتصر للحريات و ليس للهويات كما يعتقد عقلنا القديم و تجربتنا القديمة التي لا تسعفنا في استيعاب الفكر الجديد فأننا امام حقبة ليست مسبوقة بعهد قديم و لا تجاربنا القديمة قادرة على رفع مستوى إدراكنا لفهم العالم القادم الذي يحطم حكم العسكر و حقب أحزاب المرشد و الامام و مولانا و يحطم فكر المثقف التقليدي و المفكر التقليدي و المؤرخ التقليدي فاننا في زمن تحول المفاهيم و أن العالم القديم قد ولى زمانه و العالم الجديد لا يمكن مجابهته بغير تجربة الانسان و ضمير الوجود التي تؤسس لنزعتنا الانسانية التي تفتح على مجد العقلانية و إبداع العقل البشري و لا يكون ذلك باليسير على من لم يزل يسترشد بأفكار الامام و مولانا و المرشد و هذا حال أغلب نخب الشعب السوداني و بسببهم قد طالت اقامة الشعب السوداني في حقول الفقر و الجهل و المرض بسبب أدمان النخب للفكر الديني.
taheromer86@yahoo.com
و لا تكون مسألة المساواة بين أفراد المجتمع بغير فصل الدين عن الدولة و قد تأكد للفلاسفة و علماء الاجتماع بأن الحديث عن التسامح في ظل خطاب ديني و فكر ديني مسيطر على مجتمع تقليدي ضرب من الجنون مهما تحدث المتحدثون عن خصوصية الآداب الاسلامية فلا يمكننا الحديث عن التسامح و ما زالت أحزابنا السياسية نوافذ بسعة حلم رجال دين يلبسون قناع السياسة كما يفعل امام الطائفية و مولانا الختمية و مرشد الكيزان فلا يمكننا الحديث عن التسامح و فكرة المساواة بغير كشف أنساق ثقافتنا المضمرة التي تنام في تلافيف ايماننا التقليدي الذي يتوشح بفكر و ثقافة القرون الوسطى.
هناك أسباب كثيرة تؤخر مسألة إنتباه النخب لكيفية مفارقة أنساقنا الثقافية المضمرة التي تقيّد المفكر السوداني و تجعله أسير وحل الفكر الديني حيث نجد أن المثقف السوداني لا يستطيع التفكير خارج أطر الفكر الديني الذي يشده لفكر القرون الوسطى و لهذا ما زال السودان و مجتمعه تسوده ثقافة و حال القرون الوسطى حيث ثقافة اللا مساواة و الفقر و الجهل و المرض و عدم القدرة على إدراك كيف يظل المجتمع تتطوقه حلقات مفرغة و محكمة الاغلاق و لا يستطيع الفكاك من طوقها مثل دائرة النخب السودانية الشريرة و كيف يبدو إزاءها عقلهم المنغلق في عدم القدرة على تقديم تفسير لحدوثها المتكرر و هنا ينام سر الأنساق الثقافية المضمرة و منها أن النخب السودانية تعتقد و هي واهمة أنها سوف تحقق عبر الأحزاب الدينية من أحزاب مولانا و المرشد و الامام ديمقراطية و يتأكد لك كيف أن المثقف التقليدي بايمانه التقليدي و فكره التقليدي يسكن في الحاضر إلا أن عقله يجوب آفاق القرون الوسطى.
فكر المثقف السوداني الواهم في مسالة أمكانية تحقيق الديمقراطية عبر أحزاب دينية مؤشر واضح على ضعف مناهجهم و ضعف مكتبتنا السودانية و لهذا لا تستغرب أن تمتلئ الساحة السودانية بكتّاب من الدبلوماسيين و رجال الدين و العسكر و هذا ما جعل المثقف التقليدي في السودان يكون سيد الموقف و بسببه غاب عن الأفق أن ثورة الديمقراطية نتاج تغيير هائل يرتقي لمستوى الثورة و في نفس الوقت يحجبنا عن عذابات الثورة لأنه يفضي الى تحقيق الديمقراطية بلا دم و لا عرق و لا دموع كما شرح توكفيل كيف كانت الديمقراطية ناجحة في أمريكا في زمن لم تتحقق في اوروبا و كيف كانت نتاج التحول الهائل في عقل الارستقراطية و أرباب العمل فيما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية كنتيجة من نتائج الثورة الصناعية.
و كله بسبب أن فلسفة جون لوك قد استوعبها الشعب الامريكي و خاصة فكره في رسالة في التسامح الذي لا يكون في ظل الفكر الديني و هو مشهود له بأنه يمقت الإلحاد مثل مقته لعدم فصل الدين عن الدولة. و هدفنا من الحديث عن فلسفة جون لوك و حديثه في رسالة في التسامح لأنه يعتبر الأب الشرعي للفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي و في عصرنا أن أقصر الطرق لتحقيق التقدم و الازدهار و إنجاز تنمية اقتصادية لا يكون بغير طريق الفكر الليبرالي و لا تكون هناك ديمقراطية في السودان و أحزابنا تبغض الفكر الليبرالي بسبب غوصها في وحل الفكر الديني و أغلب أتباعها تسيطر على أفقهم فكرة الخلاص الأخروي.
رأينا كيف كان الصادق المهدي أقرب لرجل الدين من السياسي و كيف كان الكيزان تجسيد لظلم القرون الوسطى في خلال الثلاثة عقود التي دمروا فيها ما تركه الاستعمار من هياكل لمجتمعات حديثة و تأسيس لمفهوم الدولة الحديثة و كيف تتحول المفاهيم في ظل علاقة الفرد بالدولة الحديثة و بعد خروجهم فاذا بالامام و المرشد و مولانا يرجعون بالشعب السوداني الى الهويات القاتلة بدل من الحريات. و كيف نتحدث عن حرية في ظل فكري ديني مخيم على أفق أمة قد أعياها الفقر و الجهل و المرض؟
أيقنت الشعوب المتقدمة أن مسألة علاقة الفرد مع ربه علاقة فردية لا دخل لرجال الدين بها و يجب أن يعرف كل فرد من الشعب السوداني بأن علاقته بينه و ربه علاقة فردية و الشأن فيها شأن فردي أما علاقته مع مجتمعه تضبطها معادلة الحرية و العدالة و هي التي تؤسس لضبط الصراع ما بين الفرد و المجتمع وفقا للمسؤولية الاجتماعية و هي التي تؤمّن للفرد مساواته مع الآخرين و تؤسس لفكرة الضمان الاجتماعي في حالات المرض و العجز عن العمل و لا يمكننا تحقيق مجتمع حديث في ظل ثقافة الفكر الديني لهذا ينبغي أن ننمي ثقافة تنتج فكر علماني ينتصر للفرد و العقل و الحرية بعيدا عن سيطرة رجال الدين أمثال أتباع الامام و المرشد و مولانا.
بالمناسبة حال السودان الآن و كل السياسيين أتباع لوحل الفكر الديني يماثل حال فرنسا قبل قرنيين من الزمان و قد لاحظ توكفيل بأن الكاثوليكية في فرنسا كانت و أتباعها يظنون بأنها قادرة على تحقيق التحول الديمقراطي في فرنسا بفكرها الديني مثل حال الامام الصادق المهدي و مولانا الميرغني و الترابي و لكن كان توكفيل فيلسوف و عالم اجتماع و مؤرخ و اقتصادي و قد وقف ووضح بأنه يستحيل تحقيق الديمقراطية في ظل وحل الفكر الديني و قد كان محق و هنا نسأل النخب السودانية لماذا التعنت و الاصرار البليد على تحقيق ديمقراطية بأحزاب وحل الفكر الديني؟ لماذا الاصرار المقيت على المصالحة ما بين العلمانية و الدين و هذا مستحيل؟ و لماذا الحديث عن مصالحة مابين الحداثة و الأصالة و هذا مستحيل وفقا لتجربة الانسان و ضمير الوجود؟
و هنا يتضح بأننا في مفترق طرق أو في لحظة موت القديم من فكر و في انتظار ميلاد الجديد من الفكر الذي يبعد المفكر التقليدي و الكاتب التقليدي و المثقف التقليدي الذي يسير خلف الامام و مولانا و المرشد خانع أو كما الميت بين يدي غاسله. نحن في وقت نحتاج لمفكر منتصر للحياة و مدرك أن البشرية لم تفارق الجهل و الفقر و المرض إلا بعد مفارقتها للفكر الديني و لا يقول لك قائل بأن ذلك قد حدث في اوروبا لأن الكنيسة كانت مسيطرة فأي فكر ديني أي دين لا يمكن تحقيق تسامح أو عدالة أو مساواة في ظله و أعلم أن لا خصوصية لأي دين فاننا في زمن الحداثة كما يقول بودلير و قد قضت على جلالة السلطة و قداسة المقدس و هذا هو الأفق الغائب عن أفق المثقف السوداني العاجز عن إنتاج فكر يؤمن بالعلمانية بلا لجلجة.
و هنا و من حديث بودلير يتضح لنا كيف تتحول المفاهيم فيما يتعلق بالدولة كمفهوم حديث و السلطة كمفهوم حديث لم تستوعبه النخب السودانية الفاشلة و قد رأينا فكرهم في حوار حول الدولة المدنية و كيف يفضي لعلمانية محابية للأديان أو مساومة تاريخية ما بين يسار سوداني رث و يمين غارق في وحل الفكر الديني أو مصالحة مابين العلمانية و الدين و كله فكر ترقيعي يقف على ساقة واحدة و هي مسالة التوفيق الكاذب و كله بسبب أن المثقف السوداني التقليدي غير مواكب لتطور الفكر في العالم و غير مستعد لاستلاف تراث و موروث الانسانية حيث انتصرت للحريات بعيد أن الهويات القاتلة.
و اخيرا يمكننا أن نقول بأن مهمة مفارقة الفكر التقليدي و عوالم القرون الوسطى مهمة صعبة تنتظر العظماء الذين يسطرون كتاب التحولات الكبرى و يكتبون سجل المغامرات الكبرى للانسانية و هنا تنتظرنا مهمة و أهمية تاريخ الذهنيات و كيف يوضح لنا أن في لحظة إنقلاب الزمان يجب انتظار الفلاسفة و الحكماء و الانبياء لأنها لحظة ميلاد من يفارق طريق العقل الجمعي القديم و يؤسس لفكر جديد بالكلية مثلما فعل مارتن لوثر و فكرة الاصلاح الديني و مثلما فعل جون كالفن متحديا التراث اليهودي المسيحي فيما يتعلق بالرباء و قد أسس جون كالفن لفكرة سعر الفائدة و حطم فكرة أن التجارة عمل غير أخلاقي كما كان يعتقد التراث اليهودي المسيحي.
و عليه يمكننا أن نقول لكم قد حانت اللحظة التي يجب أن يعلم فيها الشعب السوداني بأن زمن أحزاب المرشد و مولانا و الامام قد انطوى مع ماضي الشعب السوداني و أن الشعب السوداني ينتظر الجديد الذي يجعله منتصر للحياة.
فكونوا أبناء الحياة كما يقول جبران و ليس أبناء الطرق الصوفية و لا أبناء للادارة الاهلية و لا أبناء للأحزاب الدينية و أيقنوا بأن سحر الحياة خالدا لا يزول و حينها سوف لا يطل على أفقنا ظالم و يجب أن نوسّع ماعون الحرية و لا يكون بغير انتصارنا للفرد و العقل و الحرية و حينها سوف تجد أن معادلاتك السلوكية قد تغيرت و الى الأبد و لو تطلب منك الامر بأن تعيش في خطر من أجل الحرية كما يقول فردريك نيتشة.
و عليه يمكنك أن ترفض أخلاق و فلسفة العبيد التي تجعلك تابع للمرشد و الامام و مولانا و تابع لثقافة من انتاج المثقف الهووي الصاخب فاننا في زمن ينتصر للحريات و ليس للهويات كما يعتقد عقلنا القديم و تجربتنا القديمة التي لا تسعفنا في استيعاب الفكر الجديد فأننا امام حقبة ليست مسبوقة بعهد قديم و لا تجاربنا القديمة قادرة على رفع مستوى إدراكنا لفهم العالم القادم الذي يحطم حكم العسكر و حقب أحزاب المرشد و الامام و مولانا و يحطم فكر المثقف التقليدي و المفكر التقليدي و المؤرخ التقليدي فاننا في زمن تحول المفاهيم و أن العالم القديم قد ولى زمانه و العالم الجديد لا يمكن مجابهته بغير تجربة الانسان و ضمير الوجود التي تؤسس لنزعتنا الانسانية التي تفتح على مجد العقلانية و إبداع العقل البشري و لا يكون ذلك باليسير على من لم يزل يسترشد بأفكار الامام و مولانا و المرشد و هذا حال أغلب نخب الشعب السوداني و بسببهم قد طالت اقامة الشعب السوداني في حقول الفقر و الجهل و المرض بسبب أدمان النخب للفكر الديني.
taheromer86@yahoo.com